د. قدري جميل: الخصخصة أداة إستراتيجية لتفتيت الدول والمجتمعات
في استطلاع عن الخصخصة وواقع القطاع العام، أجرته الزميلة «بورصات وأسواق» مع عدد من الاقتصاديين السوريين أكد د. قدري جميل أنه:
«بالمعنى المثالي يكون القطاع العام عاماً في الشكل حين يمتلك المجتمع ممثلاً بالدولة، وسائل الإنتاج وعاماً في المضمون إذا ذهب الفائض المتحقق من العملية الإنتاجية إلى المجتمع عبر الدولة التي لا يتعدى دورها أداة للتوزيع، لينعكس اتجاه هذا الفائض ايجاباً على مستوى المعيشة حينها يحصل التطابق بين الشكل والمضمون، ويكون القطاع عاماً حقاً وفعلاً، لكن ثمة حالة ثانية يكون فيها القطاع العام من حيث الشكل ومن الناحية القانونية للملكية هو للدولة باسم المجتمع، ولكن من حيث المضمون لا يتجه الفائض الاقتصادي لمصلحة المجتمع عبر الدولة بل يذهب في أقنية مختلفة لمصلحة أقلية قليلة، وهنا يصح وصفه بالعام في الشكل والخاص بالمضمون، و خلال مسيرة القطاع العام في سورية استطاعت قوى معينة داخله بالتواطؤ مع قوى أخرى خارجه، أقصد البيروقراطية داخله وقوى السوق الكبرى خارجه وعبر آليات فساد كبرى أن تستولي على جزء مهم من فائضه ثم أخذت هذه الآليات مداها لاحقاً ليتكرس لدينا في الشكل قطاع عام وفي المضمون خاص».
وطالب د. قدري جميل بإعادة تأميم جديد للقطاع العام في محاولة لإعادة تصويب مضمونه مؤكداً أن: «الآن ثمة اتجاهان يسعيان لمطابقة شكل القطاع العام مع مضمونه، الأول ليبرالي جديد يريد شكلاً /شكل ملكية/ متطابقاً مع المضمون السائد (القطاع العام خاص في مضمونه) ليشرعن ويقونن عملية النهب تاريخياً، وثمة اتجاه ثان يريد صمود سورية في عملية الصراع فيطالب بإعادة الاعتبار لمضمون القطاع العام عبر ضرب الفساد وعودة فوائض القطاع العام الاقتصادية إلى المجتمع أي أن البعض يريد تحويل الخصخصة الفعلية والجارية تاريخياً إلى خصخصة قانونية بغض النظر عن الشكل، لذلك نحن نطالب فعلياً بإعادة تأميم القطاع العام مجدداً لتصويب مضمونه ومطابقته مع شكل الملكية.
وإذا كان الاتحاد السوفييتي لا يزال يصلح كمثال ثنائي الوجه يقرأ منه الليبراليون الجدد سلبيات امتلاك الدولة فيه لوسائل الإنتاج ويقرأ منه الماركسيون كوارث الخصخصة بعد انهياره فإنهما على وجه الدقة يرفضان الارتجال الاقتصادي كل على طريقته.
يصور الاتجاه الليبرالي الجديد في سورية أن حل مشكلات القطاع العام منوط بخصخصته ويعتبرونها حلاً شاملاً وناجعاً متجاهلين أن الخصخصة في العراق أدت إلى بطالة 80%، كما جرى انحدار مهم بمنحى التطور الاقتصادي ووجود نمو سالب في كل مرة تحدث الخصخصة، فانخفض معدل النمو 50% في روسيا بعد تبنيها الخصخصة، التي أراها أداة إستراتيجية لتفتيت الدول والمجتمعات، وتقنين مكونات الدولة نفسها عبر إعادة توزيع حاد للثروة، وأعتقد أن مصير القطاع العام في سورية رهن بالصراع مع المخطط الأمريكي الذي يسعى إلى إسقاط سورية ولبنان وبالتالي انتصار المشروع النيوليبرالي».