ندوة قاسيون حول الأمن الغذائي في سورية.. د. نبيـل مرزوق: أصبحت مسألة الغـذاء رهينـة بيـد قوى السـوق.. وتتحكـم به المضـاربات د. حيان سلمان: أمننا الاقتصادي والسياسي والاجتماعي مرتبط باكتفائنا الغذائي الذاتي
احتضنت «قاسيون» ندوة اقتصادية مصغرة ضمت الدكتور نبيل مرزوق والدكتور حيان سلمان اللذين تحاورا حول مفهوم الأمن الغذائي في سورية في ظل أزمة الغذاء العالمية الحالية..
البداية كانت عن علاقة كل من الأسباب الطبيعية والأسباب المفتعلة (السوق، والتحكم بالأسعار) بتفاقم ظاهرة الغلاء في سورية، وتحديداً ارتفاع أسعار المواد الغذائية.. في هذا الإطار يقول د. نبيل مرزوق:
«الإنتاج الغذائي في العالم في ازدياد، في السنوات السابقة كان هناك نمو كبير في الإنتاج الغذائي العالمي نتيجة التطور التقني والعلمي واستخدام مخصبات مختلفة، هذه الزيادة لم يواكبها في المقابل زيادات استهلاك على المستوى نفسه، فالزيادات في معدلات الاستهلاك ظلت تقتصر على الزيادة السكانية في الدول النامية، كما أن المشكلة التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي الآن لا ترتبط بسوء الأحوال المناخية السائدة. تأثر الإنتاج الزراعي بهذا العامل في عامي 2004 و2005، أما عاما 2006 - 2007 فشهدا تحسّناً في الإنتاج، وحسب تقديرات الفاو، هناك تحسن في مستوى الإنتاج خلال عام 2008، ومن المتوقع أن تكون الزيادة بالنسبة للحبوب بنسبة 5 % على الصعيد العالمي. هذا من جانب، ولكن من جانب آخر نلاحظ بأن هناك استراتيجيات أخرى توجه وتدفع العالم باتجاه الأزمة، وبتعبير أدق باتجاه الكارثة.
الجانب الأول يرتبط بالاتجاه الذي تصعّده دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بزيادة الطلب على الحبوب، وجعله علفاً للحيوانات نتيجة التحسّن الكبير في المستوى المعيشي وزيادة الطلب على اللحوم والمشتقات الحيوانية.
الجانب الآخر وتقوم به أيضاً الدول المتقدمة وخاصة أمريكا، هو الاتجاه نحو إنتاج الوقود الحيوي والتركيز عليه في هذه المرحلة، فهناك مئة مليون طن من الحبوب (الذرة بشكل رئيسي) استخدمت عام 2007 لاستخراج الوقود الحيوي، وأمريكا هي المستهلك الرئيسي له، فقد استخدمت خلال عام 2007 ثمانية مليون طن من الذرة لتحويلها إلى وقود حيوي. هناك طلب متزايد على الحبوب والمنتجات الغذائية. هذا الطلب المتزايد لا يعود إلى زيادات في الطلب على الاستهلاك الغذائي الآدمي، وإنما هو طلب للعلف ومن أجل الوقود الحيوي، وهذا الذي قاد العالم إلى الأزمة الحالية.
هناك استراتيجيات خلف هذه الأزمة، وقد يدّعي البعض بأن المشكلة في زيادة تكاليف النفط، وزيادة تكاليف الإنتاج. صحيح هناك زيادة في تكاليف الإنتاج نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ولكن المشكلة الأكبر في الغذاء لا تكمن هنا، بل تكمن في تصنيع الوقود الحيوي.
أزمتنا.. وأزمة النظام الرأسمالي
د.حيان سلمان: إن أزمة الغذاء العالمي التي تجتاح الأسواق العالمية هي جزء من أزمة النظام الرأسمالي، وإذا تمعنا في الموضوع، فأنا لا أتفق مع جملة «ارتفاع أسعار النفط»، إنما أقول تغير أسعار النفط، فمثلاً إذا قارنا سعر برميل النفط مع سعر برميل الببسي كولا نرى أن سعر الأخير أغلى من برميل النفط رغم أن برميل النفط يصنّع أكثر من مئة برميل من البيبسي، القضية كلها تنعكس ضمن إطار تغير أسعار النفط، وما تبعه من خلال تحويل أمريكا لكثير من المواد العضوية إلى نوع من الوقود. ودول الغرب تلعب بالجينات الزراعية، وهذا انعكس سلباً على الدول النامية. الإدارة الأمريكية اقترفت هذه الجريمة ضد الثورة الكوبية للقضاء على موسمي قصب السكر وموسم التبغ.
ليست مصادفة أن تكون هذه الأزمة مترافقة مع إثارة المشاكل في دول (فنزويلا، السودان)، فهناك خيط غير مرئي بين دعم أمريكا لمنتجاتها الزراعية ومخالفتها لمنظمة التجارة العالمية، وضرب المواسم في الدول الأخرى، لتتمكن من التحكم بالعرض والطلب، لتفرض الأسعار التي تراها مناسبة.. هناك حرب اقتصادية ضد الدول النامية وغيرها (الصين والبرازيل والهند) تستخدمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
من جهة أخرى فإن النفقات العسكرية الأمريكية خلال أسبوع تطعم كل جياع أفريقيا، قضية الغذاء لاتخرج عن إطار الأزمة الرأسمالية العالمية، لأن هناك زيادة في المردودية، وزيادة في المساحات المزروعة، ونقص في الكميات المعروضة. هناك لعبة خبيثة، فقد صرّح وزير التجارة والصناعة الهندي بأن العالم لم يعد مستعداً أن يصاب بالزكام كلما عطست أمريكا. وقد وضع يده على الجرح، لأن المشاكل تأتي من مراكز القرار العالمي، ومن هنا أريد أن أصل إلى نتيجة أن أكثر الدول التي دفعت ثمناً باهظاً لأزمة الغذاء العالمي هي الدول النامية، مع العلم أن التشكيلة السلعية لدى المواطن في الدول المتطورة هي أوسع وأكثر سعة للحريرات الغذائية من الدول النامية، وهناك تناقض شبه ظاهري، ولا أنسى أزمة الدولار وانخفاضه لأن أكثر من 60 % من أسعار البورصة العالمية تقيّم بالدولار، وهذا يؤثر في المواسم الأساسية الرز، السكر، القطن وغيرها..
المشكلة أن أمريكا (تتسلبط) على العالم، فتطبع النقود دون أية تغطية، وتضخ هذه النقود إلى العالم.. مجموعة هذه العوامل هي التي تقف وراء أزمة الغذاء العالمي التي انعكست على الدول النامية بالدرجة الأولى.. وأصابنا جزء منها.
حرية السوق.. وحيادية الدولة!
وعن انعكاسات هذه الأزمة على البلدان النامية.. وعلى بلدنا يقول د. نبيل:
الإصابة بآثار هذه الأزمة على الصعيد العالمي ناشئة من موقف مسبق اتخذته حكومات في الدول النامية بشكل عام، وهذا الموقف هو حرية السوق وعدم تدخل الدولة بآلياته.
ترك سوق الغذاء دون حماية في معظم الدول، وسورية واحدة منها، لتتحكم به الشركات والمضاربات الدولية، أدى إلى هذه النتائج الكارثية. عندما أصبحت سوق الغذاء خارج رقابة الدولة بعد أن ألقت المسؤولية عن كاهلها، أصبحت مسألة الغذاء رهينة بيد قوى السوق، وهنا تدخلت الشركات الكبرى للمضاربة في هذه السوق، وأدت إلى تلك النتائج.
هذه الآلية عندما تُفتقد، يصبح المزارع حراً.. وبالتالي سوف يبيع في الداخل أو في الخارج حسب الأسعار التي تعرض عليه. وهنا يصبح الاقتصاد عرضة للتأثر أكثر، وما تعتبره الحكومة إنجازاً على هذا الصعيد هو في الحقيقة ضعف، لأنها كلما اقتربت أكثر من السوق العالمية واندمجت وفق شروط منظمة التجارة العالمية ودول الاتحاد الأوروبي، فهي عملياً تتخلى عن إمكانية ضبط السوق الداخلية، وتوفير الغذاء بالسعر المناسب للمواطنين، وهذا معناه أيضاً ارتفاع في الأسعار الداخلية لتتناسب أكثر مع السوق العالمية، فهل يستطيع الاقتصاد السوري تحمّل نتائج من هذا النوع؟؟
الارتفاعات الهائلة في الأسعار..
إذا كانت هناك إمكانية لمقاربة الأسعار المحلية بالأسعار العالمية، فأين موقع الأجور من هذه المعادلة؟ وكيف يمكن أن نتحدث عن استقرار أو علاقة قيمة فعلية حقيقية بالنسبة للسوق، إذا كان هناك جزء أساسي من هذه القيمة مغيباً وهو قيمة قوة العمل، وهي غير متناسبة مع مستوى الأسعار ومع الاقتراب من السوق العالمية؟
هل تقترب الأجور في بلدنا من الأجور على المستوى العالمي؟ كل هذه الأسئلة يجيب عنها د.حيان قائلاً:
ما يهمنا هو الداخل.. وأنا أفهم هذا الموضوع من خلال الانطلاق من المعطيات الواقعية.. الأراضي الزراعية في سورية تشكل 29 % من المساحة الإجمالية، والأرض المزروعة فعلاً من الأرض الصالحة للزراعة بحدود 80 %. هنا تكمن المشكلة. وأنا متأكد أنه كان بإمكان سورية تفادي هذه الأزمة الغذائية لأنها حققت اكتفاءً ذاتياً في أكثر من موسم. سئلت كونداليزا رايس لماذا لاتثمر الضغوط على سورية؟ ردت: لأنهم لا يستوردون القمح.
إذا أردنا مجتمعاً مستقراً يجب أن يكون فلاحنا مستقراً، ويعيش حياة اقتصادية مقبولة.. إن فئة العاملين بأجر الذين يتقاضون خمسة آلاف ليرة وما دون أكبر فئة منهم موجودة في مجال الزراعة، معنى ذلك أن الزراعة هي عمل الباحثين عن عمل.. وهذا يعني أن التراكم في الخبرة الزراعية لا يحصل، هذه الأزمة سندفع ثمنها لاحقاً.. نحن نركز على قطاع الخدمات، وهو مكمل للدورة الاقتصادية وليس صانعاً لها.. هل من خطوات عملية لمواجهة أزمة الغذاء العالمية؟ أنا لست مع الانغلاق.. أنا مع الانفتاح. سورية قادرة من خلال مجموعة إجراءات أن تؤمن الاكتفاء الذاتي وتصدّر.. فقد وصل إنتاج القمح لدينا إلى 5 مليون طن.. في عام 2007 ـ 2008 هناك تراجع في الكميات الإنتاجية، لنبحث عن الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع. بالنسبة للقطن وصلنا إلى إنتاج مليون طن عام 2005، وفي عام 2006 هبط الإنتاج إلى 685 ألف طن. في الخضار والفواكه أستغرب كيف يمكن أن نوقف التصدير لمادة مثل مادة البندورة. رغم أن الفرق في حال وجود التصدير لايتجاوز الـ10 ليرات. فلماذا افتعلت أزمة دون مبرر؟
أنا أدعو إلى تفعيل استصلاح الأراضي وزيادة رقعة الأراضي الزراعية. أهم أعضاء منظمة التجارة العالمية (الاتحاد الأوروبي ـ اليابان ـ أمريكا) يدعمون الزراعة. اليابان تدعم البقرة الواحدة بـ18 دولاراً يومياً، الضرائب المفروضة على الرز المستورد إلى اليابان 600 %. صحيح أننا رفعنا أسعار المواسم الاستراتيجية، لكن أدعو إلى توسيع هذه الدائرة لتضم الزيتون والخضار والفواكه وغيرها، ليصبح فلاحنا مرتاحاً، فابتعاد الدولة عن القطاع الزراعي خطأ كبيراً. علماً أن القطاع الخاص يسيطر على العمل الزراعي بحدود 99 %. لا بد من تفعيل القطاعات الأخرى ضمن اقتصاد السوق الاجتماعي (القطاع الحكومي والخاص والمشترك) لزيادة استصلاح الأراضي وزيادة المردودية.. ثمة مثال آخر:
إنتاجنا من القمح بحدود 3،8 طن بالهكتار.. وفي دول كثيرة وصل إلى 8 طن بالهكتار، عندما تزداد المردودية تقل التكلفة.. وبالتالي تنعكس إيجاباً على الفلاحين.
الجانب الثاني هو الثروة الحيوانية، وهنا أؤكد أنه يجب أن تكون هناك خطة زراعية مدروسة لاحتياجات الثروة الحيوانية، خاصة أن لدينا 28 مليون رأس غنم، ومليون ومئتي ألف رأس بقر. هذه ثروة حقيقية لا يجوز أن نلعب بها..
أزمات أم مشكلات؟
هل يحق لهذه الحكومة أن تعبث بقضية هامة وخطيرة كقضية الأمن الغذائي؟ لاشك أن وضع خطط حقيقية لاستصلاح أكبر كمية من الأراضي الزراعية وجعلها صالحة للزراعة وجعل عدد كبير من المحاصيل محاصيل استراتيجية لدعمها، هو أمر هام. ولكن ضمن هذه الآلية السائدة حالياً، ألا يمكن أن يشكل تكرار ارتكاب الأخطاء في السياسات الزراعية خطراً كبيراً على الأمن الغذائي، وبالتالي على الأمن الوطني؟! عن هذه الأسئلة يقول د.حيان:
هناك مشاكل زراعية لدينا، لكنها لم تصل إلى مستوى الأزمة... حدثت مشكلة الدواجن عام 2005، وتم تقديم الدعم للمنتجين.. حدثت أزمة في المنطقة الشرقية فقدم الدعم للمزارعين.. الفلاحون في الساحل دعموا إلى حد ما، ولاشك أننا نطلب المزيد. وبالنسبة للأعلاف الآن هناك تفكير جدي بحل هذه المشكلة، وهناك محاولات لتأمينها من إحدى الدول العربية، وهي في طريقها إلى الحل.. هناك مشاكل يجب أن نحلها لكنها أعود فأكرر: لم تصل إلى الأزمة.
أنظمة الحماية
وعن أنظمة الحماية للأمن الغذائي التي كانت موجودة، وخسرناها الآن بعد رفع الدعم.. يقول د.نبيل:
بالمحصلة النهائية، الاتجاه الذي تسير فيه الحكومة يمضي نحو إلغاء الدعم وإطلاق آليات السوق بحرية كاملة، وهذا سيقود إلى نتائج سيئة في القطاع الزراعي، والسبب أن قطاعنا الزراعي تسود فيه الملكية الصغيرة.. الحيازات الموجودة محدودة وتتراوح بين 2 ـ 20 هكتاراً.. هذه المساحات لا تستطيع أن تؤمن تنمية زراعية ولاحياة كريمة للأسرة.. الفقر يتمركز في الريف، في المناطق التي تعيش على الزراعة بشكل رئيسي، وقد صارت إنتاجية القطاع الزراعي ضعيفة، وكما ذكر د.حيان فإنتاجية الحبوب تتجاوز الضعف في أوربا وأمريكا، وهذا ينعكس علينا بقدرة تنافسية أضعف.. فلاحنا غير قادر على مجابهة قوى السوق نتيجة إنتاجيته الضعيفة، ومحدودية الرقعة الزراعية التي يملكها، وضعف إمكانياته العلمية والتقنية والمادية، وضعف الاستثمار.
هناك مشكلة جديدة أخرى يطرحها رفع الدعم عن هذا القطاع، فالمزارع يتعرض الآن إلى مخاطرة نتيجة الأحوال الجوية.. عندما يزرع أرضاً بعلية فهو يغامر. من يتجرأ على المغامرة. إذا ارتفعت تكاليف إعداد وتجهيزات الأرض؟؟ هو لن يجازف، وسوف ينسحب من الإنتاج الزراعي، كذلك الأمر بالنسبة للمنتج في الأراضي المروية، هو أيضاً معرض للمخاطر.
النسبة العظمى من المنتجين الزراعيين في سورية هم منتجون صغار وهامشيون، أدخلتهم الدولة في الإنتاج لأنها أعطت سعراً مجزياً للمنتجات، مما سمح لهم بالعودة إلى الزراعة، وفي التسعينات وسعوا الإنتاج من خلال السياسة السعرية التي اتبعتها الحكومة بدعم أسعار السوق، وعندما ترفع الدولة هذا الدعم سوف ينسحب هؤلاء من جديد ويبقى في السوق القادرون على هذه المغامرة.. والانعكاس سيكون بنقص الإنتاج الكلي نتيجة الانسحاب من الإنتاج الزراعي.. وهذه كارثة اجتماعية- اقتصادية.
الأمن الغذائي.. والأمن الوطني
الأمن الغذائي هو مكون أساسي من الأمن الوطني.. وضمن التغيرات الجارية في الآليات، وخصوصاً بعد رفع الدعم، ستكون الآثار وخيمة على الإنتاج الزراعي. كيف ستحل مشكلات القطاع الزراعي في ظل إخراج الفلاحين من عملية الإنتاج ومركزة الإنتاج الزراعي بأيدي فئة قليلة من أصحاب الرساميل؟ بمعنى آخر: كيف يمكن إزالة آثار رفع الدعم بطريقة مجزية؟ يقول د.حيان:
المنتج الزراعي هو مجموعة تكاليف.. عليّ أن أنظر إلى بنود التكلفة وأركز عليها، الفجوة الزراعية الغذائية تزداد، وأعني الفارق بين العرض والطلب، فتصور لو لم يكن لدينا اكتفاء ذاتي من القمح في الوقت الذي وصل فيه سعر طن القمح إلى ألف دولار تقريباً، ماذا كان سيحصل لنا؟.. يجب أن نقف وقفة عقلانية مع الدفاتر الحقيقية للمزارعين.
كيلو القطن قبل ارتفاع سعر المازوت كان بحدود 22 ليرة، والفلاح يبيعه بـ30 ليرة، فكم يشكل ارتفاع سعر الوقود من أعباء على الفلاح الذي يمكن أن يهجر زراعة القطن؟.. علينا أن نفكر بآلية عملية علمية اقتصادية لتخفيف التكلفة.
هناك إجراءات لتخفيف التكلفة على الفلاح.. منها تأمين المبيدات، فبدلاً من أن يشتري المبيدات من السوق السوداء.. يمكن للدولة توفيرها له بهامش ربح اجتماعي مقبول.. وكذلك الجرارات: هل من المعقول أن يكون سعر الجرار الزراعي فوق طاقة الفلاح؟ الكثير من الدول تخصص جرارات مجانية للجمعيات التعاونية العاملة. وهناك زيادة أسعار المواسم في كل عام.. القيمة المضافة في الزيتون أكثر من القيمة المضافة في النفط. وبالتالي يجب رفع سعر الزيتون.
كلما ازدادت الحلقات الفاصلة بين المنتج والمستهلك، تتضخم التكلفة، لأن التكلفة مثل كرة الثلج كلما تدحرجت تكبر.
علينا ألاّ ننخدع ونقول: إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية انعكس إيجاباً على الفلاح، هو انعكس إيجاباً على تلك المجموعة التي تتحكم بالعرض والطلب، ولذلك أدعو إلى تنشيط عمل مؤسسة الخضار والفواكه.. والخزن والتبريد لتكون العلاقة مباشرة مع الفلاح، أي يجب تفعيل القطاع العام الزراعي.
ما الحل؟
د. نبيل: الحل هو بإعادة النظر بشكل جدي بالسياسات الزراعية، والعمل على تنشيط تشكيل اتحادات منتجين تقوم بتطوير الزراعة والحفاظ على استقرار السوق، وتأمين أرباح وعائدات مجزية للمنتجين.. هناك دعم لابد منه سواء في البحوث الزراعية أو الأسمدة أو مستلزمات الإنتاج، لابد من مساعدة المنتجين والحفاظ على مواقعهم.
إذا كان البعض يرى أن تحديد أسعار أعلى من الأسعار العالمية هو مخالف لمنظمة التجارة العالمية، فعلى الأقل هناك نوع من المساعدة التي تستطيع الدولة تقديمها للمزارعين وللمنتجين وللمناطق الزراعية، فمن الممكن أن تخصص مبالغ سنوية لتوزيعها على هؤلاء الفلاحين.. كل فلاح يستثمر أرضه الزراعية في هذه المنطقة له مبلغ كذا، وهذا لا يخالف اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وفي الوقت نفسه هو يشجع الفلاحين.
في المنطقة الشرقية مثلاً، يزرعون الحبوب، وإذا لم يُقدم لهم الدعم لن يزرعوا. يجب دعم الفلاح حتى يتشجع ويزرع، وهكذا ندعم الفلاح والمزارع ونقدم لهما دخلاً سنوياً يساعدهما على العيش، وبذلك نحافظ له على استمرارية الإنتاج.
د.حيان: علينا ألا نعتمد على عشوائية السوق. لأن نظرية اليد الخفية سقطت أيام آدم سميث ولم تنجح.. والآن البنى الارتكازية الهيكلية في اقتصادنا الوطني لا تتحمل أن تعمل وفق اليد الخفية، يجب أن تأخذ الدولة بدراسة واقعية حتى لا تهجرنا هذه المواسم الاستراتيجية وتصبح نوعاً من الذكرى..
أمننا الاقتصادي والسياسي والاجتماعي مرتبط بمقدار ما نؤمن من اكتفائنا الغذائي الذاتي، وخاصة في ظل هذه الهجمة الكبيرة على سورية.