د.نبيل مرزوق لـ«قاسيون»: على الحكومة أن تتَّعظ وتتعلَّم من تجارب الآخرين

■ حاوره: جهاد أسعد محمد

أجرت «قاسيون» حواراً مع د. نبيل مرزوق، حول موجة ارتفاعات الأسعار الأخيرة التي ضربت الأسواق السورية، وطالت جميع السلع والمواد..

• د. نبيل، ما أسباب موجة الغلاء الأخيرة التي تضرب السوق السورية؟

لاشك أن هناك موجة غلاء على المستوى العالمي، وهذه الموجة طالت بشكل خاص المنتجات الغذائية، حيث ارتفعت أسعارها بشكل كبير خلال هذا العام والعام الفائت، وتأثر سورية بها هو أمر طبيعي نتيجة الاندماج المتزايد مع السوق العالمية، والموقف الذي أعلنته الحكومة منذ البداية بعدم تدخلها في آليات السوق، وترك هذه الآليات حرة تعمل وفق قواعدها الخاصة. هذا الأمر يعني بأننا كلما ازددنا التصاقاً واندماجاً بالسوق المعولم الخارجي، تأثرنا أكثر بهذا السوق وبتحولاته.

• أين الجزء العالمي من الأزمة وما نسبته، وما نسبة المحلي؟

لا يمكن تحديد نسبة محددة للتأثر بالسوق العالمية. دائماً كان هناك سياسات وضوابط للحد من هذا التأثير، في الفترة السابقة كانت هناك تدخلات مباشرة من الدولة مثلاً: عندما تقوم الدولة نفسها بتحديد أسعار المنتجات أو بعض السلع كالرز والسكر، وتقوم بتأمين هذه المواد للسوق المحلية، وتفرض بيعها وتوزيعها بأسعار محددة، فهي تضمن عدم تأثر أسعار هذه المواد بالتحولات في السوق العالمية، ولكن عندما تجعل هذه المواد تحت رحمة المستوردين عندها سيفرضون أسعارهم، خاصة وأن سوقنا هي سوق غير مكتملة، وليس فيها منافسة حقيقية، ويغلب عليها الطابع الاحتكاري.. إذ هناك قلة تحتكر مجمل السوق السوري.. هناك عدد محدود من المستوردين للسكر، وعدد آخر للرز.. إلخ.. لقد أبدلنا احتكار الدولة باحتكار بعض الأفراد، وبالتالي راح المجتمع يتحمل هذه النتائج.

• هناك مجموعة من السلع ارتفعت أسعارها نتيجة الفوضى الموجودة في السوق.. ولكن بعضها ارتفع بشكل مفتعل.. ما الحدود بين «العفوي» و«المفتعل» في سوقنا المحلية حالياً؟

السوق الداخلية بلا رقابة ولا ضوابط، لا من الحكومة ولا من منظمات المجتمع الأهلي، وليس هناك دور فعلي لمنظمات حماية المستهلك.. كما لا توجد اتحادات للمنتجين. السوق والمجتمع السوري واقعان تحت رحمة المحتكرين.. مجموعة من الأفراد لا ترغب الحكومة على ما يبدو بالحد من نفوذهم ودورهم الاحتكاري.

• كيف ترى الحل لهذه الموجة المستمرة من الارتفاعات المتتالية التي باتت عنواناً دائماً للأسواق السورية؟

هذه الموجة ليست آنية فقط. الموجة وجدت مؤخراً وللأسف فإنها ستستمر، وستزداد خلال الفترة القادمة. وهناك اتجاه لدى الدول الرأسمالية المتقدمة لزعزعة هذا الاستقرار على الصعيد العالمي، وإنهاك الدول النامية والفقيرة لإخضاعها بشكل كامل لسياساتها.. ومن هنا تأتي مسألة التركيز على الغذاء والمواد الأساسية. وكما نعلم أن مسألة النفط وعلى الصعيد العالمي ليست قصوراً في العرض، إنما لها علاقة بالوضع السياسي العام، ودور المضاربين على المستوى العالمي من الشركات الكبرى العملاقة..

وهذه الشركات دخلت مضمار المضاربة بالنسبة للسلع والمواد الغذائية نتيجة تحرير هذه المواد والسلع في معظم دول العالم. واتجهت باتجاه اقتصاد (حرية السوق).

من جهة أخرى هناك دول ومنها سورية ألغت الضوابط التي كانت تضعها وكانت تحكم توزيع المواد الأساسية والغذائية، وأصبحت هذه المواد عرضة للهزات الكبيرة.. إن الشركات الكبرى والمضاربة بدأت تضارب على هذه السلع التي فقدت كل حماية كانت تفرضها الدول عليها سابقاً.

الدول الكبرى تعمد إلى مضاعفة هذه الأزمة. مثال ذلك: هناك اتجاه متزايد لتحويل جزء كبير من إنتاج الحبوب العالمي لمواد استخراج النفط الحيوي.. هذا التحويل يتم على حساب عرض المواد الغذائية، وعلى حساب سحب كميات كبيرة من هذه المواد من السوق، وافتعال أزمة غير موجودة أصلاً.. وهناك زيادة في الطلب العالمي بالنسبة للأعلاف. جزء كبير من الحبوب يوجه إلى الحيوانات في الدول الصناعية الكبرى... هذا الطلب المتزايد على العلف والوقود الحيوي يخلق أزمة، والمستهلك الرئيسي هو الولايات المتحدة والدول الرأسمالية.

• بالنسبة لنا في سورية، ما السبيل لإيقاف هذه الموجة المتزايدة التي تنهك الناس، وتتسبب لهم بقلق كبير وشعور متزايد بعدم الاستقرار؟

السبيل هو اتعاظ الحكومة، ورؤيتها بعين صافية ودقيقة لتجارب العالم وما يحصل في دول أخرى.. هناك 37 دولة نامية معرضة لأزمات حقيقية. هل تريد هذه الحكومة زج سورية في أزمة فعلية بهذا الاتجاه؟

إذا شاءت الحكومة السورية أن تجنب البلاد من كارثة حقيقية، فما عليها غير العودة إلى السوق وتفرض ضوابطها. مثلاً: مصر العضو في منظمة التجارة العالمية والشريك مع الاتحاد الأوربي منعت التصدير للأرز رغم مخالفة ذلك لقوانين واتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وفرضت قيوداً على تجارة المواد الغذائية لتتجنب كارثة اجتماعية، وهناك عدة دول قامت بإجراءات مماثلة منعاً لتفاقم الأزمة الاقتصادية لديها..

إذاً، على الحكومة قبل أن تقدم على خطوة التحرير الكامل نعتقد أنه يجب عليها أن ترى ماذا يحدث في الدول الأخرى...

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.