رفع دعم المحروقات وفّرَ موارد بالمليارات.. أين يتم صرفها؟!

كشفت المؤشرات الأولية لشركة «محروقات» أن إجمالي المشتريات الخارجية للشركة من المشتقات النفطية - خلال النصف الأول من العام الحالي لم تتجاوز 65.145 مليار ليرة سورية، أي ما نسبته 33.6 بالمائة من إجمالي مشتريات الشركة، البالغة نحو 193.883 مليار ليرة سورية، وذلك حسب ما نقله موقع «سيرياستيبس»... إن هذا التصريح يضع أمامنا العديد من التساؤلات الملحة، لعل أهمها: ما  أسباب الفرق الشاسع بين فاتورة الاستيراد اليوم ومثيلاتها في الماضي؟ وهل الرقم الحكومي عن دعم المشتقات النفطية كان صحيحاً، أم أنه كان مجرد مبالغة في الأرقام لتكون المبرر اللاحق لرفع الدعم؟!

إن مستورداتنا من المشتقات النفطية خلال الأشهر الـ6 الأولى من 2010 لم تتجاوز كما هو معروف، مبلغ 65 مليار ليرة، أي أن مستورداتنا النفطية خلال العام بكامله لن تتجاوز – بأحسن الأحوال - 130 مليار ليرة سورية، خصوصاً أن النصف الأول من العام هو الذي يشهد - عادةً - استهلاكاً أكبر من المشتقات النفطية، سواءً لعملية التدفئة المنزلية أو للزراعة، وهذا يعني أن فاتورة استيراد البلاد من المشتقات النفطية انخفضت بنسبة تزيد عن 50 بالمائة، لأن فاتورة الاستيراد كانت تصل في السابق - حسب الأرقام الرسمية - إلى 5،5 مليار دولار (275 مليار ليرة).

هذا الانخفاض - إذا ما كان صحيحاً - فإنه يوحي بفرضيتين للانخفاض، الأولى، هي أن انخفاض أسعار النفط عالمياً، هو ما ساهم في خفض فاتورة الاستيراد بنسبة تزيد عن 50 بالمائة مقارنة بالسابق، لكن لسان حال أسعار النفط اليوم يؤكد أن أسعاره أعلى إذا ما تمت مقارنتها بالعام 2007، والنصف الأول من العام 2008، وهي تتراوح وسطياً بين 70 – 80 دولاراً للبرميل، وهذا يفند ادعاءات من يحاولون القول إن انخفاض أسعار النفط عالمياً هو من خفض فاتورة الاستيراد.

والفرضية الثانية، تقول إن انخفاض فاتورة الاستيراد عائد لانخفاض استهلاك السوريين، وهذا الانخفاض غير وارد حتى في التصريحات الحكومية سابقاً، إلا أنه إذا ما كان صحيحاً فإنه يعني انخفاض استهلاك كل من الزراعة والصناعة للمشتقات النفطية، لأن الاستهلاك المنزلي لا يشكل سوى نسبة متواضعة من الاستهلاك الإجمالي، هذا الانخفاض في الاستهلاك، وذلك لابتعاد قسم كبير من الفلاحين عن العمل في الزراعة لتراجع مردوديتها بعد تحرير أسعار المشتقات النفطية، وهذا ما اعترفت بجزء منه الأوساط الحكومية مؤخراً، وبالتالي، وهذا أدى لتراجع مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي في العام 2009 إلى 14،5 بالمائة، مقارنة بـ24 بالمائة قبل رفع الدعم عن المحروقات، أي أن هذا التراجع في فاتورة الاستيراد لم ينعكس إلا سلباً على الاقتصاد السوري بشكل عام، ولم ينعكس إلا إيجاباً – وبالمنطق الاسمي – على حجم فاتورة الاستيراد فقط.. فهل خسارة الاقتصاد الوطني وانتصارفاتورة الاستيراد هي أمنية السياسات الاقتصادية الحكومية المتبعة فقط؟!

وبعيداً عن التشكيك بالرقم الحكومي الحالي، والذي نرغب  تصديقه والركون إلى صحته، إلا أننا مجبرون على إطلاق العنان لتساؤلاتنا واستفساراتنا، فإذا انخفضت فاتورة الاستيراد فعلاً في العام 2010 بنحو  150 مليار ليرة سورية، وكذلك انخفضت فاتورة استيراد ودعم المشتقات النفطية بشكل عام بنحو 300 مليار مقارنة بالتقديرات الحكومية لحجم الدعم الكلي سابقاً على المشتقات النفطية (400 مليار ليرة)، أين يتم صرف هذه الموارد التي تم توفيرها؟! ولماذا تستمر الحكومة برفع كل أشكال الدعم عن المواطن السوري وبالتدريج من الصحة، التعليم، على الرغم من توفر الموارد التي أمنها تحرير المشتقات النفطية؟! ولماذا لم تستطع هذه الموارد المفترضة تحقيق اختراقات في مجال مكافحة البطالة والفقر وتخفيضهما؟! ولما ازداد عجز الموازنة العامة بمقدار 17 بالمائة في العام 2009 مقارنة بالعام 2008؟! ولماذا لم يتحسن الوضع المعيشي، ومستوى رواتب وأجور السوريين على الرغم من أن فرق فاتورة الاستيراد وحده قادر على مضاعفة رواتب السوريين، بينما لم ترتفع هذه الرواتب إلا بنسبة 25 بالمائة منذ العام 2008؟! 

آخر تعديل على الخميس, 28 تموز/يوليو 2016 00:39