وزارة الاقتصاد غير راضية عن تخفيضات الأسعار ولكن ماذا عن المستهلِك «المستهلَك»؟
لاشك أن ارتفاع الأسعار في بلادنا لا يتناسب بتاتاً مع دخول المواطنين، لكنه مع ذلك أصبح السمة الأبرز التي تتسم بها الأسواق السورية، وقد وجد هذا التفاوت بين الأسعار والأجور فرصته الذهبية كي يتسع بشكل جنوني، في ظل سياسات اقتصاد السوق التي تنتهجها الحكومة الحالية، وفي ظل شعارات التنافسية والتشاركية والانفتاح. وكان من مستلزمات التنافسية أن تقف جميع الوزارات، وعلى رأسها وزارة الاقتصاد، موقف المتفرج من عملية تحرير الأسعار، وذلك ضماناً للتنافس «الحر» طبعاً.
وهكذا أفضى هذا التنافس الحر إلى الارتفاع الحاد في أسعار السلع المختلفة، ما أدى لتراجع القوة الشرائية للمستهلكين، الأمر الذي أدى بدوره إلى ركود اقتصادي غير مسبوق في الأسواق السورية. وكي لا تتجمد رؤوس أموال التجار، أصبحنا نشهد تخفيضات كبيرة في مواسم التنزيلات، ثم أصبحت هذه المواسم تمتد لتشمل العام كله في بعض محلات الألبسة مثلاً.
إذا كانت نسب التنزيلات المخيفة التي وصلت في بعض المحلات إلى 75%، تشير دون مواربة إلى مستوى الركود الذي يعيشه الاقتصاد السوري، كما تشير إلى هوامش الربح الفلكية للتجار، وإلى سلسلة من عمليات الغش والخداع فيما يتعلق بالكلفة الحقيقية للسلعة، ومدى جودتها الفعلية؛ فإن هذه التخفيضات التي امتدت خارج مواسمها، كانت متنفساً للمستهلك الرازح تحت ثقل الوضع الاقتصادي الضاغط، إذ أصبح في مقدوره أن يشتري بعض الملابس اللائقة لنفسه ولأفراد أسرته بين فترة وأخرى.
ولكن يبدو أن هذا المتنفس لم يرق لوزارة الاقتصاد التي تخلت فجأة عن صمتها، ولكن ليس لوضع سقوف لرفع الأسعار، وإنما للحد من تخفيضها خارج مواسم التنزيلات المحددة أصلاً بقرار من وزارة الاقتصاد، وليس وفق حاجة السوق كما يفترض في التنافسية المفتوحة أن تكون. والطريف في الأمر أن رئيس جمعية حماية المستهلك، الذي يجب أن يكون على رأس المدافعين عن هذا المتنفس لأصحاب الدخل المحدود، انبرى لتبرير هذا القرار باعتبار أن هدفه «ضبط المنافسة والمضاربة في الأسواق المحلية بعد أن سبب (الأوكازيون) الدائم خسائر لبعض المحال التجارية»، وكأن مهمة جمعية حماية المستهلك التنظير للدفاع عن مصالح «بعض المحال التجارية»، وليس تكريس وقتها وجهدها لحماية المستهلك من عسف التجار. وطبعاً لم ينس رئيس الجمعية جموع المستهلكين الذين يفترض أن يعمل على حمايتهم، إذ قال إن الجمعية تلقت شكاوى من المستهلكين حول بعض التخفيضات الوهمية، ليبدو أن هدف القرار حماية المستهلكين من التخفيضات الوهمية. ولنا أن نسأل هنا، ترى ألم ترد إلى جمعية حماية المستهلك بعض الشكاوى حول ارتفاع الأسعار الجنوني في مواسم الأعياد وغيرها؟
الواضح أن وزارة الاقتصاد التي رأت أنه يجب ألا نتدخل، وأن نترك السوق «تصلح نفسها»، عندما بدأت موجات ارتفاع الأسعار، لم تعد تريد أن تترك هذه السوق تصلح نفسها عندما بدأت تخفيضات صغار التجار تلحق الضرر بجيوب كبار التجار. وهكذا فإن لحيتان السوق من يدافع عن مصالحهم، ويضمن لهم أعلى مستويات التنافس «الحر» على نهب جيوب المستهلكين، واستهلاك حياتهم وجهدهم، أما المستهلكون، فإنهم متروكون لقدرهم، ولجمعية حمايتهم، التي نامت خلال موجات ارتفاع الأسعار المتتالية، واستيقظت فجأة على وقع التخفيضات الوهمية.. لتقول لا!!.