ثبات معدل البطالة .. جمود في سوق العمل .. مؤشران متعاكسان، فمن نصدق؟!
البطالة ظاهرة نقيصتها الأولى ـ على اختلاف نسبتها ـ عجزها عن استثمار العنصر البشري الذي هو أساس أية تنمية حقيقية، لكن ارتفاع هذه النسبة في بلدنا بات يشكل ظاهرة مرضية نشهد تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية اليوم، وسنشهد آثارها السلبية بشكل أكثر وضوحاً بكل تأكيد في المستقبل، فالتبعات الاقتصادية تتمثل في أن البطالة منتج أتوماتيكي للفقر، لأنها تزيد معدلات الإعالة، وبالتالي تساهم في خفض مستوى المعيشة، خصوصاً في ظل تدن واضح لمستوى الأجور. أما على المستوى الاجتماعي فإن نتائجها ستكون بارتفاع معدلات الجريمة والعنف والتطرف...
وبعودة بسيطة إلى الوراء، نجد أن معدل البطالة كان في سورية 4،8% في العام 1981، و6،9% حتى العام 1994، في ظل وجود معدل نمو سكاني مرتفع وقتها كان يتراوح بين 2،58 ـ 3%، لكن معدل البطالة راح يشهد ارتفاعات متتالية ووصل إلى 8،5% في العام 2010 حسب تصريحات النائب الاقتصادي والمكتب المركزي للإحصاء، وذلك على الرغم من تراجع معدلات النمو السكاني إلى 2،4%، ورغم الحديث عن معدلات نمو كبيرة لم يشهدها الاقتصاد السوري في تسعينيات القرن الماضي، ولا حتى الخطتين الثامنة أو التاسعة، والتي كان يجب أن تنعكس على سوق العمل عبر تخفيض معدلات البطالة إذا ما تحققت نسب النمو فعلاً!..
ورقة استشرافية
وللوقوف على واقع سوق العمل لدينا في العام 2010، لجأنا إلى ورقة عمل حول سوق العمل السورية مقدمة إلى الندوة القومية حول «أسواق العمل العربية في ضوء المتغيرات الدولية» في العام 2005، حيث توضح الورقة أن سكان سورية المقيمين 18.2 مليون نسمة + 430 ألف فلسطيني، منهم 56.8% في سن العمل (15-64 سنة) مجتمع فتي، وأن معدل النمو السكاني 2.45% ويميل نحو الانخفاض، كما أن هناك أكثر من نصف مليون يبلغ سن العمل، ويدخل منهم هذه السوق نحو 52% أي 260 ألف طالب عمل، وأوضحت الورقة أن القادرين على العمل في العام 2005 كان 10،4 مليون، وقوة العمل (طالبي العمل) 5.3 مليون، ويبلغ عدد المتبطلين (قادر على العمل ولا يعمل) 5 مليون، ويصل عدد المشتغلين فعلاً إلى 4،4 مليون، بينما يبلغ عدد المتعطلين 20% من قوة العمل (مليون متعطل)، وتصل نسبة الإعالة 4.13. وأشارت الدراسة أيضاً إلى إن أعداد البالغين سن العمل ستتراجع بسبب انخفاض معدلات الولادة، وهذا كله واقع سوق العمل في العام 2005.
أرقام لا تعكس الواقع
يمكن القول إن البطالة ارتفعت حتى في الأرقام الرسمية، على الرغم من تراجع معدلات النمو السكاني التي استشرفتها الدراسة، مما كان يستوجب خفض معدلات البطالة أو المحافظة على استقرارها النسبي في الحد الأدنى، على الرغم من معرفتنا أن استقرار هذه النسبة لا يعني بكل تأكيد ثبات أعداد العاطلين عن العمل كمياً، بل إن عدد هؤلاء سيزداد حصراً حتى ولو حافظت النسبة على ثباتها، بسبب نمو عدد السكان بالدرجة الأولى وبالتالي اتساع حجم قوة العمل التي على أساسها تحسب نسب البطالة، وهذا الاعتراف الرسمي بارتفاع نسب البطالة يعكس بالتأكيد عجز الحكومة، والاستثمارات الأجنبية، والقطاع الخاص عن استيعاب قوة العمل الداخلة حديثاً إلى سوق العمل فقط، بغض النظر عن البطالة التراكمية خلال السنوات السابقة.
وانطلاقاً من هذه الدراسة نجد أن القادرين على العمل في سورية يجب أن يصل عددهم اليوم (2010) إلى حوالي 11،6 مليون، استناداً إلى إضافة إعداد الداخلين الجدد سنوياً إلى سوق العمل (260 ألف)، وقوة العمل يجب أن تكون بحدود 6،5 مليون، أي أن أعداد العاطلين عن العمل يجب أن تكون 552 ألف عاطل عن العمل، وعدد المشتغلين 5947 ألفاً، وذلك لكي تكون نسبة البطالة 8،5%، وبالتالي فإن أرقام النصف الأول من العام 2009 للمكتب المركزي للإحصاء التي تقدر حجم قوة العمل (مشتغلين ومتعطلين) بـ5382 ألف، منهم 4924 ألف مشتغل، و458 ألف متعطل تعتبر غير دقيقة، إن لم نقل إنها مضللة لواقع خريطة البطالة في سورية، إذ كيف يمكن أن يكون عدد العاطلين عن العمل في العام 2005 مليوناً، واليوم هم أقل من نصف مليون، على الرغم من عدم انخفاض معدل البطالة فعلياً وازدياد قوة العمل؟ وانطلاقاً من أعداد المشتغلين التي اعترف بها المكتب المركزي نصل إلى أن عدد العاطلين عن العمل في سورية اليوم هو بحدود 1576 ألف عاطل عن العمل، وبالتالي فإن نسبة البطالة تقدر بـ24،24 بالمئة.
اختلافات جوهرية
بمعزل عن اتفاقنا أو اختلافنا مع الأرقام الرسمية والمكتب المركزي للإحصاء حول نسبة البطالة، فإننا نقول إن المقاييس المعتمدة لدى المركزي للإحصاء هي إحدى إشكاليات تحديد رقم ونسبة البطالة، لاعتمادها على تعريف مؤسسة العمل الدولية للعاطل عن العمل، حيث يعتبر كل من يعمل لساعة أو ليوم واحد في الأسبوع غير عاطل عن العمل، فوقت العمل هذا قد يكون كافياً لتامين حاجات المواطن الأوربي بسبب ارتفاع مستوى الأجور والدخل لديهم، لكن ذلك لن ينطبق على السوريين الذين لا يتجاوز متوسط دخلهم حسب آخر الإحصاءات الرسمية 11 ألف ليرة شهرياً، بينما الحد الأدنى لأجر ساعة العمل في الاتحاد الأوربي هي 8 ـ9 يورو (500 ليرة)، أي أن الراتب الذي يحصل عليه الأوربي في ثلاثة أيام يقابل دخل العاملين في سورية لشهر كامل!، كما أن العاطل عن العمل في البلدان الأوربية يحصل على حد أدنى من الضمان الاقتصادي ـ الاجتماعي، وهو راتب البطالة، بينما عاطلنا عن العمل هو عاطل فعلاً بكل مقاييس الدخل والإنتاج المادي، وهو خارج أي مظلة ضمان حكومية، فهل يمكن المقارنة بين عاطلنا وعاطلهم، ووضعهم في مستوى واحد عند التقييم وتحديد ماهية العاطلين عن العمل؟!