أهلاً بمنظمة التجارة العالمية.. ووداعاً للمنتج الوطني
من المعروف أن سورية كانت قد قدمت طلباً رسمياً للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بتاريخ 22/10/2001، وتم تجديد التأكيد على طلب الانضمام بتاريخ 29/1/2004، هذا بالإضافة إلى تشكيل وزارة الاقتصاد والتجارة اللجان الأربع (المشهورة) للتحضير داخلياً للانضمام المزمع بتاريخ 18/4/2002، كما تم تجديد هذه اللجان بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1006 تاريخ 6/3/2007، وهي تجدد رغبتها وطلبها للانضمام بين الحين والآخر، حتى بات هذا الانضمام الهاجس الحكومي السوري الدائم ذكراً وتذكراً على لسان وزارة الاقتصاد والتجارة، وكان آخر إشارة لذلك قد وردت في إعلان معاون وزيرة الاقتصاد والتجارة خالد سلوطة إعداد مذكرة الانضمام الرئيسية لمنظمة التجارة العالمية التي نظمتها وزارة الاقتصاد والتجارة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وذلك بعد سلسلة الخطوات وصدور العديد من القرارات والإجراءات التي تصب في اتجاه تحرير التجارة الخارجية وتقليص الرسوم الجمركية وإزالة كل العقبات التي تعيق عملية الانضمام المزمعة، حتى ولو كانت مؤذية، بل ومذلة للاقتصاد السوري الباحث عن هوية.
للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية إيجابياته المفترضة، والتي من أهمها قدرة وصول المنتج السوري إلى أسواق /151/ دولة في العالم دون عقبات ورسوم تذكر، بالإضافة إلى زيادة حجم التبادل التجاري السوري بالقيمة المطلقة، ولكن السؤال يبقى: هل توازي هذه الإيجابيات بكل الأحوال سلبيات عملية الانضمام؟! والتي من أهمها عجز المنتج السوري بإمكاناته الحالية أساساً عن منافسة منتجات هذه الدول في وجودتها وكفاءتها بالدرجة الأولى، وبأسعارها التي لا تقل أهمية عن الجودة، خصوصاً بعد ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي في سورية، إثر تحرير أسعار العديد من مدخلات العملية الإنتاجية (المشتقات النفطية، الأسمدة)، وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى فقدان المنتج الوطني قدرته على المنافسة والصمود أمام غزو المنتجات الأجنبية، وخير مثال على ذلك صناعة النسيج السورية التي فقدت نحو 40% من حصتها عالمياً بسبب عدم قدرتها على المنافسة وارتفاع تكاليف، وعجز الأسمدة المحلية هي الأخرى عن منافسة المستوردة، مما أدى إلى تراكم مخزون الأسمدة في مستودعات الشركة العامة للأسمدة، حيث تباع الأسمدة المحلية في المصارف الزراعية والجمعيات الفلاحية بسعر أعلى من مثيلاتها المستوردة بـــ20%- 30%، وذلك لارتفاع تكاليف الإنتاج، وهذا هو أول الغيث فقط، حيث لم تكتمل بعد كافة إجراءات تحرير التجارة الخارجية، بل يمكن القول إننا ما نزال في الخطوة الأولى من التحرير، أما الجانب الأشد خطورة فهو المتمثل في إضعاف هذا الانضمام السيادة الوطنية في مجال السياسة المالية والنقدية نتيجة لتقييد قدرة الدولة في اللجوء إلى السياسات التجارية الحمائية في مواجهة التقلبات المفاجئة.
الانهيار الاقتصادي ضريبة الانضمام
روسيا قالت كلمة «وداعاً يا منـظّمة التجارة العالمية» بعد ١٤ سنة وقطع حوالي ٩٥٪ من مفاوضات الانضمام، وذلك لسلة الشروط التي طلبت منها: رفع الدعم الحكومي عن المزارعين الروس، وإلغاء الرسوم التي تفرض على الطائرات الأجنبية التي تحلّق عبر سيبريا وشمال روسيا، والسماح للبنوك الأجنبية بفتح فروع رئيسية لها في المدن الروسية، كذلك مشكلة إلغاء الرسوم الجمركية على السلع والمنتجات المستوردة من الخارج، وكلّها شروط ترى روسيا أنها مجحفة وتعسفية. فهذا الانضمام حسب العديد من الخبراء الاقتصاديين الروس قد يؤدي إلى انهيار غالبيّة قطاعات الاقتصاد الروسي أمام تدفّق السلع الأجنبية على الأسواق الروسية، وربما باستثناء صناعة الحديد والصلب وصناعة الأسمدة.
فهذا المثال الروسي الحي ما هو إلا تأكيد واضح على أن لهذا الانضمام مساوئه الكبيرة التي تفوق إيجابياته، لأن ضريبته هي انهيار اقتصاديات دولة كبرى قطعت أشواطاً طويلة في مجال التطور الزراعي والصناعي بوجه المنافسة القادمة، فكيف سيكون حال اقتصادنا السوري المشوه هيكلياً إذاً أمام هذه المنافسة؟!! ألن تزول صناعتنا المحلية خلال سنوات قليلة!! وهل سيكون قطاعنا الزراعي المتراجع أصلاً داخل مجال المراهنة على إمكاناته التصديرية؟!! خصوصاً بعد وقوف سقف إنتاجنا الزراعي مرغماً بفعل الإجراءات والقرارات الحكومية عند حاجز الاكتفاء الذاتي، إن لم نقل الحاجة إلى الاستيراد في بعض السنوات!! فما هي القطاعات التي نراهن عليها في مجال التجارة الخارجية؟!! وإذا لم يكن لدينا قطاعات رائدة، ألن يصب تحرير التجارة الخارجية إذاً في مصلحة المنتج الأجنبي دون سواه؟!!