التحول الهيكلي في الاقتصاد السوري.. نصر: فشل السياسات الصناعية في الدول النامية سببه نقص المؤسسات الداعمة

استبدل الباحث الاقتصادي ربيع نصر عنوان محاضرته «التحولات الهيكلية في إطار الخطة الخمسية العاشرة»، التي كانت مقررة على برنامج جمعية العلوم الاقتصادية السورية بعنوان «التحول الهيكلي في الاقتصاد السوري»، حيث استعرض التغيرات الهيكلية التنموية التي شهدتها الاقتصادات العالمية خلال فترة زمنية حددها بما بين 1960-2006 كمؤشر أول، و1990-2006 كمؤشر ثان، مبيناً في بداية كلامه أن البحث ينقسم إلى جزأين أساسيين: الأول هو تطوير لدراسة اقتصادية جرت في ثمانينيات القرن العشرين، والتي تناولت فرضية وجود نمط هيكلي لتطوير مستويات التنمية في دول العالم؛ والثاني خصصه الباحث لمقارنة ما تم إنجازه على صعيد التحول الهيكلي في سورية مع الأنماط التنموية العالمية، ولملاحظة أهم نقاط التميز والاختلاف في عملية التحول الهيكلي مع التركيز على الخطة الخمسية العاشرة.

التحول الهيكلي والعملية التنموية 

في معرض حديثه أوضح نصر أن التحول الهيكلي يعد أحد أهم المدارس في اقتصاديات التنمية والتي بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين لدراسة أثر التغير الهيكلي على كل من النمو والتنمية، حيث يمثل التحول الهيكلي عاملاً هاماً في العملية التنموية عبر التغير في تخصيص الموارد وعملية التراكم، وبيّن نصر أن فهم الدول النامية لأنماط التحول الهيكلي يساعد في وضع استراتيجيات تنموية أكثر وضوحاً خلال سعيها نحو الهيكل الاقتصادي والاجتماعي الأمثل، واستناداً إلى الدراسات التطبيقية أكد نصر أن معظم الدول النامية التي حققت معدلات نمو عالية كانت تعيش حالات تحول هيكلي وتكنولوجي وارتفاع في مستوى مهارة العاملين بالإضافة إلى كثافة رأس المال في النشاطات الاقتصادية.

وفي تعريفه للتحول الهيكلي استند نصر إلى عدد من الباحثين الاقتصاديين العالميين قبل أن يعرض للتعريف الذي تتبناه الدراسة، مبيناً أن التحول الهيكلي هو «عملية زيادة تراكم رأس المال المادي والبشري وتغير هيكلية الطلب والإنتاج والتجارة، وتوسع الحضر، ومعدلات أمية أقل، وحياة أطول، بالتوازي مع زيادة مستوى دخل الفرد للوصول إلى مرحلة تنموية متقدمة»، وتطرق الباحث إلى عدد من النظريات التي تعرضت لأنماط التحول الهيكلي عالمياً، موضحاً أن الدراسات الحديثة ركزت على دور المؤسسات في عملية التحول الهيكلي واللحاق بالدول المتقدمة من خلال تسريع عملية التحول بحيث تسهم من خلال التطبيق الفعال للسياسات في تحقيق معدلات نمو استثمار عالية وتشجع توطين التقانات الحديثة، وتابع الأستاذ نصر أن «وظائف المؤسسات قد تتشابه ولكن شكلها يختلف بحسب كل دولة، وبالتالي فإن فشل السياسات الصناعية في العديد من الدول النامية كان بسبب نقص المؤسسات الداعمة» وهذا يعدّ دليلاً على أهمية دور الدولة والمؤسسات في عملية التنمية حسب نصر الذي طرح تجربة شرق آسيا كدليل على ذلك.

وبعد أن عرض نصر لمنهجية البحث التي اعتمدها في إعداد دراسته، صنّف المتغيرات المتضمنة في التحول الهيكلي بخمس فئات هي: الإنتاج الذي يمثل حصة القطاعات الاقتصادية الرئيسية من الناتج (زراعة، صناعة، خدمات)؛ الطلب الذي يشمل حصة الاستهلاك العام والخاص والاستثمار وصافي التجارة من الناتج؛ التجارة من حيث تركيب الصادرات والواردات؛ العمالة من حيث تركيبها وعلاقتها بالقطاعات والتعليم؛ والمتغيرات السكانية والاجتماعية من معدل الخصوبة وتوقع الحياة عند الولادة وكثافة السكان وتوزعهم بين الحضر والمدينة والأمية.

وعرض نصر بعد ذلك النتائج التي توصل إليها عبر البحث مركزاً على علاقة دخل الفرد كمقياس لمستوى التنمية مع المتغيرات الهيكلية الخمسة، ولدى وصوله للجزء الثاني من بحثه عرض لمقارنة الحالة النمطية مع الفعلية للتحول الهيكلي في سورية مبيناً أن الاقتصاد السوري وبالمقارنة مع الدول الصغيرة والمصنعة والمنفتحة مع دخل يبلغ 5 آلاف دولار للفرد (تركيا وماليزيا) يوضح الباحث أن الإيجابية الرئيسية في سورية تتعلق بتوقع الحياة عند الأفراد، إلاّ أن الفجوات تصبح أكبر فيما يتعلق بمعدلات الاستثمار والادخار والمشاركة في قوة العمل والصناعة التحويلية ونسب الأمية والتمدرس، ويتطلب اللحاق بدخل الفرد السوري ليساوي دخل الفرد في ماليزيا حسبما يرى نصر إلى معدل نمو إجمالي 8.5% لمدة عشرين سنة قادمة، وهذا يتطلب معدلات الإنتاجية بشكل كبير. 

التغيرات الهيكلية والخطة الخمسية العاشرة 

أما في التغيرات الهيكلية ضمن الخطة الخمسية العاشرة، فبين نصر أن أهم ما يميز الطلب النهائي في هذه الفترة هو التراجع النسبي للاستثمار العام والخاص، والذي يخالف استهدافات الخطة ويؤثر جوهرياً في عملية التحول الهيكلي، فالتراكم في المرحلة الحالية من التنمية في سورية يعدّ من أهم مصادر النمو، وبالنسبة للتركيب القطاعي أوضح الباحث أن الخطة الخمسية العاشرة كانت قد وضعت الصناعة التحويلية على رأس الأولويات القطاعية وازدادت بالفعل حصة الصناعات التحويلية من الناتج الذي تركز نموه في المدن الصناعية الجديدة، إلاّ أن نسبة قطاع الصناعة التحويلية ما تزال متدنيةً، في حين تراجعت حصة الزراعة نتيجة لأزمة الجفاف والسياسات الزراعية غير الفعالة خاصةً فيما يتعلق بتغيير تركيبة المحاصيل على المستوى الوطني وآليات الري الحديث ومعالجة التجاوزات على المياه الجوفية، ما قاد إلى هشاشة في وضع الأمن الغذائي وعزز الحاجة إلى إعادة النظر في سياسات الأمن الغذائي بالاعتماد على رفع الإنتاجية واستدامة الموارد. 

مداخلات.... 

وبعد المحاضرة قدم د. علي كنعان مداخلةً أبدى فيها تأييده لطرح مسألة التحول الهيكلي في الاقتصاد السوري ضمن ورشة عمل لأن طرحها بهذا الشكل ضمن ندوة في مركز ثقافي لم يعطها حقها الكامل، فالمطلوب حسبما رأى د. كنعان «المزيد من التحليل»، وبالنسبة للتحولات الهيكلية في الخطة الخمسية العاشرة أضاف أنه كان من الممكن مقارنتها بالفترة من 2000 إلى 2005 التي شهدت تطوراً اقتصادياً ملحوظاً، والمشروعات التي جرت خلال الفترة السابقة على  الخطة الخمسية العاشرة كانت أكبر بكثير حسب قوله، من المشروعات التي جرت خلالها، وبينما كان يجب أن تكون التطورات الاقتصادية التي حصلت في سورية قبل الخطة دافعاً لها لمتابعة الصعود أثبتت الوقائع أن العكس هو ما جرى.

د. حيان سلمان قال بدوره إنه على مستوى الاقتصاد الكلي لا يمكن اعتبار متوسط دخل الفرد مؤشراً من مؤشرات التنمية إلاّ إذا قرن مقيماً بمستوى المعيشة المتمثلة بالسلة السلعية والقدرة الشرائية للوحدة النقدية في البلد، وبالنسبة لتراجع دور الدولة رأى د. سلمان أن هذا التراجع لم يبدأ بالتسعينيات من القرن العشرين، وإنما بدأت عام 1978 مع أزمة الأرجنتين والبرازيل ودعوة صندوق النقد والبنك الدوليين لهاتين الدولتين إلى بيع أصولهم بغية تسديد الديون المترتبة عليهما وفوائدها ما أدى إلى انهيار عملة هاتين الدولتين.

ومن جهته قدم د. غسان إبراهيم مداخلةً انتقد فيها غياب تعريف جوهري لمفهوم «التحول الهيكلي»، وتساءل د. إبراهيم: «هل انخفاض حجم الاستثمار أو ارتفاعه هو تحول هيكلي؟ أم ارتفاع الاستهلاك أو انخفاضه؟ أم أنه معدل نمو السكان والعمر المتوقع عند الولادة؟»، وأعرب د. إبراهيم عن اعتقاده بأن التحول الهيكلي الجوهري لا يكمن في ما شهده الاقتصاد السوري من تحول إلى الاقتصاد الريعي، فالتحول الجوهري هو «ما يتعلق بالمقدرة العلمية مثلاً، أو القدرة على الابتكار والبحث العلمي، فهذه تغيرات جوهرية أساسية اجتماعية تمثل منعكسات للسياسات الاقتصادية»، ورأى د. إبراهيم أن الليبرالية الجديدة التي استبعدت تدخل الدولة استبعاداً مطلقاً بدأت بالتسعينيات فترافق ذلك مع تغييب حقيقة الانتقال من الاقتصاد الإنتاجي إلى الاقتصاد المالي، وهذا بحد ذاته هو «تعمية سياسية أيديولوجية على الفكر الاقتصادي العلمي الحقيقي».

أما د. نبيل مرزوق فبعد توجيه الشكر للمحاضر أبدى موافقته له بالقول: إنه إذا تتبعنا التطور على الصعيد العالمي نجد أن هناك قاسماً مشتركاً يحكم عملية التنمية في العالم، فهناك محركات أساسية لعملية التنمية تم التركيز عليها لتحقيق النمو، والتغيرات الحقيقية والهيكلية التي شهدها الاقتصاد السوري حسبما رأى د. مرزوق تتجلى في النمو الكبير الذي حققه قطاع الخدمات المتفرقة وذات السوية المتدنية، وهذا يشكل خطراً كبيراً على الاقتصاد الوطني لاسيما وأنه غير مقترن بنمو قطاعات الإنتاج الحقيقي، إلى جانب زيادة حصة القطاع غير المنظم في الاقتصاد الوطني، وهذا يعني إنتاجيةً ضعيفةً وانعدام القدرة على الابتكار والتطوير وعلى تحقيق تراكم كمي جدي وعلمي يمكن استثماره، وهذا يعني بالمحصلة أن الاقتصاد السوري يواجه مشكلات حقيقية بسبب التغيرات الهيكلية التي يشهدها من حيث البنية.