ارتفاع أسعار الصرف: الأزمة أثرت سلباً والتدخل لحلها أوصل القطع للمكان غير المناسب

راقب السوريون ارتفاع سعر الدولار خلال فترة شهر 12/ 2012  ليبلغ السعر الرسمي مستوى قياسياً وصل 77٫5 ل.س مبيع الدولار والشراء 77٫04 ل.س. بينما كان سعر السوق السوداء قد وصل إلى مستوى تجاوز 100 ل.س مقابل الدولار الواحد. وللأسف راقب المصرف المركزي معهم ذلك، دون أن يبادر إلى التدخل المناسب..أو حتى التوصيف الدقيق لما يحصل، فتضاربت الأقوال عن هذا الارتفاع القياسي وفي زمن قصير، وأكيلت الاتهامات لإجراءات اتخذها المركزي في المزايدة الأخيرة على الدولار، وبين تجار السوق السوداء، وابتعدت أقوال أخرى لتربط الارتفاع بظروف آنية للدولار في السوق الاقليمية التي تشهد ارتفاعات أيضاً..

في البحث عن أسباب الاتجاه التصاعدي لأسعار القطع وانخفاض قيمة العملة المحلية تتوجه الأنظار إلى ظروف النشاط الاقتصادي وواقع الأزمة السورية، بينما في حالات طفرة سريعة كالتي نشهدها اليوم في أسعار الصرف تتجه الأنظار نحو الدور السلبي للأطراف التي تؤثر في مستوى هذا الاتجاه وتغيراته أي إلى الإجراءات التدخلية للمصرف المركزي من جهة، ولدور السوق السوداء وتجار الأزمات من جهة أخرى.

أشرنا سابقاً أن انخفاض قيمة الليرة السورية يعود بداية إلى خلل في جانب هام من الاقتصاد الكلي في سورية. وهو العلاقة بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية، حيث إن النشاط الاقتصادي الحقيقي المتراجع لا يمكن أن ينتج عنه إلا قيمة منخفضة لليرة السورية، ويزيد من انخفاض هذه القيمة زيادة عشوائية لكمية النقود بما لا يتناسب مع حجم النمو الحقيقي المقابل لتساهم في تقليل قيمة وحدتها. يضاف لذلك العوامل المتعلقة بتدهور هذا النشاط في الأزمة وارتباطه بالوجه الآخر للعملية وهو كمية القطع الأجنبي. التي تناقصت خلال هذه المرحلة.

أما الأهم الذي يتطلب النقاش هو دور إدارة كميات القطع الموجودة والتي تعتبر مسؤولية البنك المركزي، النتائج تقول بأن هذه الإدارة لم تستطع أن تدير هذا القطع بالشكل المناسب، وبددت كميات كبيرة بالمزايدات وبصرف مبالغ كبيرة في المرحلة الأولى من الأزمة والتي أوصلت جزءاً مهماً من القطع إلى تجار الازمات وزادت من قدرتهم على التحكم..

وعندما وقعت الواقعة لم يحاسب أو يضبط أي من تجار السوق السوداء الذين اعتمدوا المضاربات على العملة كطريقة للكسب غير المشروع، اليوم تشدد الإجراءات القانونية ضد هؤلاء ولكن بعد حوالي عشرين شهراً من الأزمة.. ونبقى بانتظار إصدار أحكام ضد بعضهم لعودة المصداقية وعودة القطع المهدور..

ويبقى السؤال: متى تشدد الإجراءات التي تدفع مسؤولي إدارة الأزمة إلى التعامل بمسؤولية أكبر.. ليتوقف منطق « التجريب الاقتصادي» في أهم القطاعات، ومتى المحاسبة؟!...