نزار عادلة نزار عادلة

قرارات الجهات الوصائية تساهم بتدمير القطاع العام.. شركة الأسمدة مثالاً

يعتبر مبدأ الربح أساس العمل الاقتصادي، كما أن كل النفقات في وحدة اقتصادية يجب أن تكون مبررة بموارد تغطيها مع إضافة هامش ربح مناسب، لكن أكثر شركات ومؤسسات القطاع العام في سورية خاسرة، وهي ليست كذلك لأسباب موضوعية – اقتصادية بحتة، تعود للعمالة الزائدة أو بسبب الميزات التي تمنح للعمال أو بسبب عدم الجدوى، بل بسبب النهب المتواصل لها، وعدم تجديد آلاتها، وسوء إدارتها والوصاية الفاسدة عليها وسوء تصريف منتجاتها..

دعوة لتخفيض التكاليف

قائمة أسباب الخسارة التي يعيشها القطاع العام تطول، فعدم وجود دراسات جدية لجميع عناصر التكاليف يسبب الخسارة، وكذلك غياب الدراسة العلمية المعيارية في كل المنشآت، وهذا يتطلب معرفة أين يمكن تخفيض هذه التكاليف؟! وهذه النقطة تقود مباشرة إلى ضرورة الحد من الهدر في الوقت، والمال، والمواد، والتجهيزات عبر موضع معايير ملزمة لنسب الهدر، بحيث تتم المساءلة في حالة تجاوز النسب الموضوعة.

فالعقل الصناعي أهمل حصر الطاقات الموجودة، ولم يتم وضع برامج عمل لاستغلالها بأفضل الأشكال، وضرورة التفتيش عن إمكانات إنتاج ومنتجات جديدة داخل المنشآت القائمة بإضافة خطوط إنتاجية إليها. كما أن الفساد يصل العقود الداخلية والخارجية، من خلال إباحة الدور للسماسرة، واشتداد دسائسهم، واختفاء البعض منهم خلف أسماء وشركات لا وجود لها، فبعد كل مناقصة أو طلب عروض أسعار ينشط هؤلاء السماسرة بدءاً بمحاولة الحصول على دفتر الشروط وطلب العروض أو الاستفسار عنه، وانتهاء بالدس على القرار، والنتيجة التي تخرج بها المؤسسة، هدر وسمسرة وسرقات وتوريط إدارات وموظفين، ودون مساءلة أو محاسبة إلى أن تم إنهاء دور القطاع العام السياسي والاجتماعي.

 

تدمير القطاع العام

قطاع الغزل والنسيج رغم تاريخه العريق إلا أنه لا يزال نموذجاً عن المصاعب والاختناقات، لكونه عانى من التراجع الواضح في التنويع والجودة، والنقص الشديد في الخبرات الفنية، والنقص الاختصاص والتعميم والدعاية، والضعف في دوائر التسويق، وفي إدارة الجودة أيضاً، بالإضافة لعدم تنمية الموارد البشرية والتأهيل، وعدم تلاؤم الإدارات وأنظمتها وواقعها مع الإنتاج ارتفاع تكاليف التشغيل بسبب الفساد وانعكاس الفساد على الإنتاج والتسويق، وفوق كل ذلك، قرارات تتخذ من الجهات الوصائية تساهم بشكل أو بأخر في تدمير القطاع العام.

أقول ذلك لأن قراراً سوف يتخذ بعد لقاء وزير الصناعة مع الصناعيين في دمشق وحلب وفحوى هذا القرار تعبئة الطحين والسكر في أكياس البولي بروبلين والبولي أتيلين، علماً أنه ومنذ أكثر من عشر سنوات وأصحاب معامل أكياس البولي بروبلين يرفعون الكتب والمذكرات، ويلتقون مع الجهات الوصائية ويطالبون بهذا المطلب، بينما كان يرفض ذلك من هذا الوزير، ويأخذون موافقة من وزير آخر، وهم في سورية ثلاثة معامل تنتج هذه الأكياس، وأحد هؤلاء قال إنه لم ينشئ معمله إلا بعد أن أخذ موافقة من رئيس الوزراء السابق بأن تستجر معامل السكر والطحين والسماد إنتاجه بكل الأحوال وزير الصناعة السابق رفض رفضاً قاطعاً تعبئة الطحين والسكر في أكياس البولي لأسباب عديدة ابرزها:

توقف شركات النسيج عن إنتاج الأكياس الخام، وإيقاعها في خسارة فوق خسارتها، وهذه الشركات نفسها تتسابق مع بعضها ومع مؤسسات الدولة لاستجرار إنتاجها، ولكن أكياس البولي تصلح للسماد، ولكنها لا تصلح للطحين والسكر، لأن الطحين والسكر يعبأ ساخناً ، كذلك وهذا يعني تجبل السكر والطحين في أكياس نايلون، وهذا يعني هدر وخسارة مرتقبة، بالإضافة إلى الإضرار على صحة الإنسان، وقد أجريت اختبارات سابقة، وأكدت هذه الأضرار على الإنسان والبيئة، واستطاع أصحاب المعامل إجراء اختبارات أحرى أمدت عدم وجود أضرار وحملوا تقاريرهم إلى جميع  الجهات لتسويق إنتاجهم مع عروض قدمت لسعر الكيس بثمن بخس، وتجربة شركة الأسمدة دليلنا في هذا الموضوع!..

 

عجز حكومي عن تفسير معادلة سعرية

هل يستطيع أي خبير في الحكومة أو في وزارة الصناعة أو الجهات الرقابية أن يفسر المعادلة السعرية؟! ففي العام 1997 كان سعر الكيس /21/ ل.س، والنفط كان نحو/21/ دولار للبرميل، أما في العام 2002 كان سعر الكيس /6.65/ ل.س، وسعر برميل النفط نحو/28/ دولار للبرميل، بينما في العام 2004 حتى الآن سعر الكيس /16.40/ ل.س والنفط /140/ دولار، فالكيس الفارغ يصنع بكهرباء ومحروقات مدعومة، ويد عاملة رخيصة جداً، وحاجة الشركة سنوياً /5/ مليون كيس، بينما كلفة الكيس عالمياً نصف ليرة فقط!.

المدير التجاري لشركة الإخوان البلاستيكية يقول في مقال له في مجلة المقاول العدد /12/ إنه مستعد لبيع الكيس الفارغ لتعبئة الطحين بـ /4.9/ ل.س، وهو سعة كيس السماد نفسها، ويجب أن يكون بمواصفات أفضل كونه لمادة غذائية، وهي الطحين، فإذا كان التاجر لديه هذه الجرأة والشفافية بإعلان سعره، فلماذا كانت السعر التعاقدي مع شركة الأسمدة بسعر /16/ ل.س أو أكثر؟! ومن المسؤول عن ذلك؟!

والذي حصل بعد اكتشاف هذه الفضائح، هو أن المفتش الذي كشف نهب وسرقة المليارات في شركة الأسمدة عوقب وسرح من عمله، وثم الانتقام منه عندما حقق ودقق في الموضوع، ولأنه كشف تفاصيل الفساد والتزوير الخاصة بكيس السماد الذي أدى إلى إفلاس الشركة.

 

فضائح شركة الأسمدة

فضائح وملفات الفساد في شركة الأسمدة متنوعة بتنوع طموحات العابثين بمقدراتها منذ تأسيسها وحتى تاريخه، وفي مقدمة العابثين بها من الإدارات، ومن يحميهم، وأجهزة الرقابة ومن يوجهها، وفشل أصحاب معامل البولي بروبلين في إقناع وزير الصناعة السابق ومؤسسة الاسمنت بالتخلي عن الأكياس الورقية في تعبئة الإسمنت لمصلحة البولي بروبلين وذلك يعود لكون إيقاف خطوط إنتاج الأكياس الورقية في شركات الاسمنت وضع شركات الاسمنت رهنية لدى القطاع الخاص، وثانياً، فشل أصحاب معامل البولي بروبلين في إقناع الوزير السابق بتعبئة الطحين والسكر في أكياسهم، والآن وزير الصناعة وعد صناعيي حلب ودمشق بتحقيق حلمهم.

إذاً صدور القرار سوف يخسّر مؤسسة النسيج ثلاثة مليارات ل.س سنوياً فوق الخسارة الموجودة حالياً، إضافة إلى خسائر أخرى من أجل حفنة من القطاع الخاص ، وهنا نقول:

لنفتش عن الفساد!!

قيادات نقابية تطالب بالتخلي عن الأكياس القماشية لمصلحة البولي  في القطاع الخاص ، لأن أكياس البولي بروبلين أرخص سعراً، ولم يخطر على بالهم بأن خسارة مؤسسة النسيج /3/ مليارات سنوياً، وأنهم سوف يكونون تحت رحمة القطاع الخاص الذي سيرفع السعر عاماً بعد عام، وهم يتفرجون، وهنا نلحظ قضية هامة، وهي أن شركات ومعامل القطاع العام الصناعي تحديداً كأنه جزر معزولة عن الأخرى، فليس هناك تعاون حتى في القطاع الواحد، فشركات الغزل والنسيج تتسابق لبيع أكياس الخام، ومن المؤسف أن تتحول هذه الشركات العريقة إلى إنتاج الأكياس بعد أن أقلعت عن إنتاج الأجواخ، والتي كانت تضاهي الأجواخ الانكليزية!!