لقاء قاسيون : د. حيان سليمان معاون وزير الاقتصاد 2012 عام الازمة الاقتصادية.. مراجعة وأفق مفتوح
تعتبر سنة 2012 تاريخية على الشعب السوري الذي شهد أعتى أزمة اقتصادية تواجهها سورية بتاريخها الحديث، وبعيداً عن الظروف الأمنية وظروف الحصار، فإن هذه الأزمة فتحت الباب على مصراعيه لأحاديث ودراسات مطولة في الشأن الاقتصادي، حيث سيكون هذا الشأن في مقدمة القضايا الاستراتيجية والرئيسية التي ستواجه الجميع من سياسيين ومواطنين خلال العقود القادمة.
• عام 2012 عام الأزمة الاقتصادية بامتياز بعيداً عن ظروف العقوبات والأوضاع الأمنية..
ما العيوب التي كشفتها الأزمة قي بنية الاقتصاد السوري؟
بداية كما تعرفون المؤامرة الاقتصادية التي تشن على سورية ولدت أزمة اقتصادية هذه الأزمة شملت جميع القطاعات، لكن من أهم العيوب التي كشفتها وأصبحت واضحة هي أن علاقتنا الكبيرة مع الدول الغربية بالدرجة الأولى، خاصة في مجال الصادرات أو في مجال التبادل التجاري ولاسيما أنها بلغت حدود 54% وفي بعض المواد وصلت إلى 95 % مثل الصادرات النفطية بالتالي نلاحظ أن هذه الدول التي انساقت وراء تأزيم هذه المؤامرة وتفعيلها استطاعت أن تتحكم في بعض المفاصل وتؤثر بشكل مباشر على واقعنا الاقتصادي وخاصة في مجال التجارة الخارجية وتحديداً في مجال الصادرات والمستوردات وبشكل أخص في مجال السلع النفطية.
النقطة الثانية نحن نعاني من عجزمزمن في الميزان التجاري منذ عام 2004 ارتفع بشكل كبير من 226 مليار ليرة سورية إلى أكثر من 300مليار وسبب ذلك الاعتماد على الصادرات من المواد الأولية ولذلك كان بإمكاننا رفع شعار الخريطة الصفرية من الصادرات من المواد الاولية لان الصادرات من السلع الصناعية تكون ذات محتوى تكنولوجي أعلى وذات قيمة أعلى ونستطيع أيضا أن نؤمن الاكتفاء الذاتي في حال صنعنا أغلب المواد الموجودة عندنا.
النقطة الثالثة تبين بشكل واضح الأثر السلبي لليبرالية الاقتصادية التي اعتمدت سابقا ولا سيما في التركيز على قطاع الخدمات وإلى حد ما إهمال قطاع الإنتاج مثل الزراعة والصناعة والدليل على ذلك تراجع مساهمة الناتج من الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من 25% إلى 17% وهذا أثر بشكل مباشر على النمو الاقتصادي الذي لم يتحقق بالشكل الكافي حيث أننا خططنا لـ 7% خلال الخطة الخمسية التاسعة لعام 2001 _ 2006 والخطة الخمسية العاشرة 2006_ 2011 لكن كان المحقق في الخطة الخمسية التاسعة بحدود4،5 % وفي الخطة الخمسية العاشرة 5،7% بينما كان هناك تطور فعلي بحدود 1،2% ليبقى أقل من المخطط.
النقطة الرابعة أقول إنه لابد من إعادة التركيز على البنية الصناعية ونقل أكثر المشاريع الصناعية إلى مناطق معينة تتناسب مع قيمة المواد الأولية التي تتواجد وذلك للاستفادة من الميزة النسبية وتحويلها إلى الميزة التنافسية .
النقطة الخامسة أشارت بشكل واضح إلى العاطل عن العمل ومن هنا كنا نقول دائما على أن كل عاطل عن العمل وذكرناها أكثر من مرة في لقاءاتنا معكم أن كل عاطل عن العمل هو بؤرة توتر حقيقية وهو يسهل بشكل ما انسياب المؤامرة الخارجية إلى الداخل.
النقطة السادسة تبين بشكل واضح وجلي دور الاقتصاد الريعي في التآمر وأقصد هنا الاقتصادات الخليجية مثال ذلك قطر والسعودية وبعض المزايا التي قدمت للأتراك وهذا ما أشرنا إليه سابقا تحولت لنقمة بدل أن تكون نعمة.
النقطة الأخيرة علاقتنا مع الخارج لم تكن علاقة متوازنة خاصة في المجال الاقتصادي ويبدو هذا واضحاً من خلال ضعف التجارة مع إيران وروسيا والصين ودول أمريكا اللاتينية كاتحاد الألبا وآسيان.
وهذه النقاط يجب أن تكون كدوافع لنا حتى لا نقع في الحفرة مرة أخرى.
• من الواضح أن جهاز الدولة يمشي في بعض المواضع بخطوات جدية نحو معالجة أحد العيوب الهامة التي تشوه العلاقات الاقتصادية مع الخارج، عن طريق « التوجه شرقاً» وتغيير آليات التبادل نحو العملات المحلية والمقايضة . ولكن هذا النشاط لا ينطبق على جميع الجوانب حيث تتقاطع جميع الأزمات الاقتصادية الداخلية لتؤشر على توسع لدور الفساد وتراجع وخلل بدور الدولة في القطاع المتأزم .
هل شهد عام الأزمة تراجعاً بدور الفساد وتوسعاً بدور الدولة؟
أهم النقاط التي أظهرتها الأزمة التراجع السلبي لدور الدولة وهذا أساس خلافاتنا مع أصحاب مقولات صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية فالأسواق القوية تولد في الدولة قوية، ومن هنا نقول إن الحكومة يجب أن تتحول من جهة وصائية إلى جهة تنموية حقيقة. أما بالنسبة لنشاط وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية فهي جزء من منظومة اقتصادية وهي تنفذ إملاءات وسياسات الحكومة الاقتصادية ولا تقوم بذاتها، لكن التوجه شرقاً أعتقد أنه مبدأ سيادي وأنه يجب أن يعطى من الأهمية ما يتناسب معه وخاصة اذا عرفنا أن الغرب لم يعد متسع العالم، ويتبين هذا بالنظر الآن إلى الازمة الاقتصادية التي تضرب جدزورها في أعماق الاقتصاد الغربي وخاصة أمريكا ودول أوروبا.
أما الاقتصاديات الناشئة وبالتحديد الشرقية_ وهنا لاأعني شرقاً بالمعنى الجغرافي الضيق وإنما بالمعنى السياسي والاقتصادي_ قد أثبتت نجاحها وأن أكثر من 50 % كان معدل النمو الاقتصادي لعام 2011 وفقا لتقارير صندوق النقد الدولي تأثر بشكل واضح أو كان سببها بشكل رئيسي هو اقتصاديات هذه الدول، أعطي مثالاً عملياً: دول البريكس استطاعت أن تحقق معدل نمو اقتصادي وأن تتجاوز الأزمة الاقتصادية وبشكل واقعي.
ومن باب التخصص المهني أقول إن التجارة الخارجية أي مستورداتنا يمكن أن نؤمنها بأكملها من هذه الدول وأن هذه الدول هي مكان خصب لصادراتنا ومن هنا نشيد بالدور الكبير الذي لعبه نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية الدكتور قدري جميل بجهوده الواضحة لإنشاء مركز يربط بين سورية وروسيا وهو المركز الروسي الجيوسياسي والذي تم إصدار المرسوم التشريعي رقم28 باعتماده في سورية ونحن ننتظر الموافقة الروسية لكي يتم التعاطي العملي والتجسيد المادي له الذي يركز على التعاون في كل المجالات الثقافية السياسية والزراعية والصناعية والإعمارية إلخ...
إذاً نحن بدأنا ولا بد من الإشارة أن الكثير من الدراسات تم إنهاؤها بتكليف ومتابعة من الحكومة كعلاقتنا مع إيران والعراق ودول المركسورالتي تضم فنزويلا والأرجنتين والبرازيل وغيرها ودول أمريكا اللاتينية بأكملها.
أما حول الفساد فأنا أعتقد أن هناك ملاحقة ومتاكد أن هناك ملاحقة يومية لتقليل الفساد، والفساد ظاهرة لا يمكن اجتثاثها بهذه السهولة التي نتصورها ولاسيما بعد أن تحولت إلى منظومة فساد. ولذلك هنا يأتي دور كل القوى الفاعلة في المجتمع من قوى حكومية ومجتمع مدني ومواطنين وإعلام ومنظمات شعبية وغيرها في كشف معالم الفساد والإشارة إليه ومحاولة التقليل منه لأن كل فساد هو قوة رجعية في البلد يساهم في ترسيخ التخلف يساهم في تقليل الناتج المحلي الإجمالي.
في منظومة الفساد هناك الكثير من القوانين التي تسعى لمحاصرتها لكن هذا ليس بهذه السهولة التي نتوقعها..
• تؤكد الأزمة على ضرورة حضور الدولة الاقتصادي بشكل كبير، ويؤكد العديد من الأكاديميين ما يؤكده الواقع حول ضرورة التكامل الزراعي الصناعي.
كيف نفسر رقم الإنفاق الاستثماري المنخفض ومخصصات الصناعة الضئيلة أمام هذه الاحتياجات الاستثمارية الهامة؟
موازنة سورية عام 2013 هي بحدود 1383 مليار ليرة سورية وقدر زادت عن موازنة عام 2012 بحدود 4 %
إذا قمنا بتحليل الموازنة من الناحية الرقمية أولاً فإن حجم الموازنة لا يزال دون النسب التي نتمنى أن تكون عليه حيث أن نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي لا تزال بحدود 30 % أو أقل بقليل.
ثانياً تم تخصيص بحدود 1180 مليار ل.س للإنفاق الاستهلاكي والباقي 225 مليار ل.س للإنفاق الاستثماري وبتقديري فإن هذه النسبة متدنية جداً لا سيما إذا عرفنا أن الاستثمارات هي الحامل الحقيقي للتنمية المجتمعية
لكن هنا يمكن ان نبرر بأن رقم الإنفاق الجاري كان كبيراً بحدود 583 مليار ل.س هي للدعم بكل أنواعه الإنتاجي والاستهلاكي ودعم الطاقة والتعليم والإنتاج الزراعي وغيره.
النقطة الثالثة كنت أتمنى أن يتم تخصيص الجزء الأهم من الإنفاق الاستثماري إلى الإنتاج المادي الحقيقي حيث تنتج القيمة المضافة وزيادة الناتج الإجمالي يجب أن تكون في هذا القطاع وتحديداً في قطاع الزراعة والصناعة
هل من المعقول ونحن بلد زراعي ونسبة اعتمادنا على الزراعة لا تزال بحدود 17 % من الناتج الإجمالي، والصناعة تتراجع..؟ قد يكون هناك أسباب موضوعية من أهمها أن الصناعة تتضمن نوعين الاستخراجية والتحويلية.
في الصناعة الاستخراجية هناك تراجع من 600 ألف في عام 2003 إلى 385 ألف برميل في عام 2008، والآن إلى حدود 200 ألف برميل تقريباً تزيد وتنقص حسب الظروف العامة.
والصناعة النفطية يجب أن تعوض عن طريق الصناعة التحويلية والتي لا تزال للأسف بحدود أقل من 7 %.
وهنا تظهر أسئلة عديدة مثلاً هل من المعقول ونحن ننتج 4 مليون طن من القمح أن نقوم باستيراد المعكرونة لدينا ثروة حيوانية بحدود 22 مليون رأس غنم وبحدود مليون و800 ألف رأس بقر، فهل يمكن أن نقوم باستيراد الحليب والجبنة وغيره؟
إذاً للخروج من هذه الأزمة لا بد من تفعيل أولاً العلاقة بين قطاع الزراعة والصناعة وأن تكونا متكاملتين بحيث تكون مخرجات الزراعة مدخلات للصناعة، ومخرجات الصناعة مدخلات للزراعة.
ثانيًأ، نعتمد على زيادة وتغيير الوزن النوعي للصادرات بحيث نركز على زيادة نسبة الصادرات المصنعة.
أما النقطة الثالثة فهي الاعتماد على العناقيد الصناعية أي إقامة المشاريع الصناعية المتكاملة
النقطة الرابعة زيادة تخديم قطاعات الإنتاج المادي على حساب قطاع الخدمات، وهذا ليس إجراء ضد قطاع الخدمات، وإنما من المعروف إن قطاعات الإنتاج وخاصة الزراعة أولاً والصناعة لاحقاً هي التي تمتص اليد العاملة تزيد الصادرات وتحقق القيمة المضافة وتحقق الاكتفاء الذاتي الذي يعتبر أحد مرتكزات الاقتصاد الوطني.
• تتناقض كل هذه الضرورات مع التراجع الكبير في الإيرادات الحكومية. حيث لم تتراجع فقط الإيرادات النفطية، بل تراجعت إيرادات الضرائب بشكل كبير في عام 2012.
أليست لحظة الأزمة هي اللحظة المناسبة لإصلاح التشوهات الكبرى في النظام الضريبي في سورية سواء من حيث: ضرائب الأرباح المنخفضة، توسع اعتماد ضريبة الدخل المقطوع، والأهم التهرب الضريبي الكبير؟
الأزمة وضعتنا بمواجهة مشاكلنا الاقتصادية وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك بعض الفعاليات ومنهم بعض التجار الذين استفادوا من هذه الأزمة أي تجار الأزمات، والحقيقة هؤلاء افتعلوا الأزمات من خلال المضاربة على سعر الليرة السورية وتهريب العملة مثلاً، أو من خلال الاحتكار والتحكم» برقاب المواطنين»: والحقيقة تاجروا بلقمة عيش المواطن ومستوى معيشته.
ومن جهة ثانية يمكن أن نقول إن التهرب الضريبي كجزء من هذه الحالة، وانا من هنا أناشد الجميع بسداد جميع الفواتير المترتبة عليهم. إذاً هناك تهرب ضريبي واضح فليس من المعقول أن القطاع الخاص الذي يساهم بنسبة 65 %- 66 % من الناتج المحلي الإجمالي، بالمقابل فإن نسبة مساهمته في الضريبة أقل من ذلك بكثير. أي يتضح حجم التهرب الضريبي من النسبة والتناسب هنا.
كما أن هناك أمراً آخر أثر على الإيرادات تمثل بأحداث مثل سرقة مواسم الحبوب من المنطقة الشرقية، كما تم قطع تدفق النفط ما أدى إلى إيقاف مصفاتي بانياس وحمص لمدة شهرين من خلال العصابات المنتشرة على حقول النفط، وترافق هذا مع سرقة آلات نسيج وآلات غزل ومعامل أخرى وبيعها بأموال قليلة جداً إلى تركيا، وهذه كانت سرقة مدعومة ممن يدّعون الديمقراطية والحرية في حزب العدالة والتنمية في تركيا، يضاف إلى ذلك أنه حصلت سرقات من الكثير من المصارف.
إذاً بشكل عام تعددت مصادر التدمير التي تؤثر على حصيلة الايرادات، الفساد أحدها وممارسات الميلشيات تضاف له.
لذلك نحن بأمس الحاجة إلى إعادة هيبة الدولة، وعودة دور الدولة لان كل تراجع في هذا الدور في الحياة الاقتصادية هو إفساح المجال للمزيد من الضعف. وما يحصل في أوروبا ودول الاتحاد الاوروبي وفي اليونان تحديداً التي أصبحت على حافة الخروج من دول اليورو، وإلى الولايات المتحدة التي دخلت منذ عدة أيام وتحديداً يوم الثلاثاء في ما يدعى الحافة المالية أي الانهيار الاقتصادي التام.
هل سيشهد العام 2013 تغيرات نوعية من نوع مصادرة أموال الفاسدين الكبار وتحويلها لموارد عامة.
كما شهد تغيرات نوعية وصلت لتوقيع عقود للمبادلة عن طريق المقايضة مع بعض الدول؟
هناك متابعة حثيثة وتكاد تكون يومية من بعض الجهات الحكومية الاقتصادية لتعميق مفهوم المقايضة التي تعتمد بجوهرها على تبادل سلعة بسلعة، ولكن الطموح أبعد من هذا التغيير حيث أن هناك لجاناً طوعية وليست من الموظفين الحكوميين يجتمعون بشكل دائم لوضع خطة اقتصادية للوصول إلى سورية المتجددة التي تعتمد على مواردها. وتعمل على تحديد أماكن الفساد ومعالجتها وتحديد الاختناقات والبحث عن تحويل تفعيل المزايا النسبية، والانتقال إلى البحث عن المزايا المطلقة.