الصناعة التحويلية إيرادات كبيرة والحكومة تضعها على ذيل قائمة نفقاتها

الصناعة التحويلية إيرادات كبيرة والحكومة تضعها على ذيل قائمة نفقاتها

تسلط قاسيون الضوء في هذه المقالة على قطاع الصناعة التحويلية العام لما له من أهمية كبرى، حيث ينبغي تطويره ليشكل بديلاً استراتيجياً في الأزمة عن المستوردات ويخفف عبئاً عن الدولة كما يوفر إيرادات هامة تعوض ولو جزئياً نقص إيرادات النفط، بالإضافة إلى دوره الهام في التشغيل والنمو في القطاعات الأخرى مايشكل رافعة اقتصادية هامة في الوقت الذي يزداد تهميشه من الحكومة.
تعرض القطاع العام الصناعي إلى تدمير ممنهج من أعداء الدولة السورية، وإلى تهميش حكومي مستمر، كما تعرض القطاع الخاص الصناعي إلى التدمير ذاته بينما ظلت السياسات الحكومية تبتعد عن دعمه وحمايته، وعلى ذلك كان القرار الحكومي الأخير بتحرير ورفع أسعار المازوت على القطاع الخاص الصناعي ضربة قاضية له ما أثار حفيظة الغرف الصناعية التي اعترضت بشكل علني دون أي رد من الحكومة.

ساهمت الصناعة التحويلية بنسب هامة في الناتج المحلي الإجمالي قبل الأزمة، حيث تراوحت نسبها بين (5,7 - 6,7%) من هذا الناتج في سنوات قبل الأزمة بين عامي 2007 و2010، وهو ما يشكل 18% تقريباً من حجم الناتج الصناعي السوري والذي تغلب عليه الصناعات الاستخراجية كالنفط والغاز.
ورغم اعتماد هذه الصناعات على مبدأ إحلال المستوردات والذي يستدعي استيراد مواد أولية لها، إلا أن أهم وأكبر هذه الصناعات هي الصناعات النسيجية والغذائية والتبغ والتي تعتمد إلى حد كبير على المواد الأولية المحلية والزراعية تحديداً مما يرفع من قيمتها المضافة بشكل هام، ويزيد من التشابكات الاقتصادية. كما ينبغي التذكير أن القطاع الخاص الصناعي يسهم بشكل كبير في هذا الناتج إلى جانب القطاع العام الصناعي.
ثالث أكبر الخاسرين في الأزمة!
تعرض قطاع الصناعة التحويلية إلى ضربات كبرى مع اشتعال الأزمة السورية كان أولها هو الحصار على صاردات هذا القطاع، ما اضطر المصدرين إلى التحول إلى السوق العراقية التي وعدت بالمليارات وتحديداً في صناعات القطاع الخاص وارتفع التبادل التجاري مع العراق في السنة الأولى للأزمة بمعدل 40%، وهو ما أنعش الآمال لتكون هذه الصناعة إحدى الروافع الاقتصادية في ظل الأزمة.
تبددت هذه الآمال مع التدمير الممنهج الذي تعرضت له المنشآت الصناعية في شتى أنحاء البلاد وعلى رأسها حلب العاصمة الصناعية لسورية. كما لم تعمل الحكومة بشكل جدي على إنعاش القطاع العام الصناعي ليكون بديلاً استراتيجياً، حيث تباطأت الحكومة بقرار نقل العديد من المنشآت إلى المناطق الآمنة مما عرضها لخطر التدمير، كما حصل في معمل «تاميكو» للصناعات الدوائية أهم معامل القطاع العام. وفي هذا السياق يقول أحد مراكز الدراسات السورية في دراسة له، إن قطاع الصناعات التحويلية في الأزمة كان ثالث أكبر المتأثرين بالخسائر في الفترة بين عامي (2011-2012)، حيث بلغت حصته 17% من مجمل الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد السوري بعد قطاعي التجارة والنقل والبناء، وخسرت الصناعات التحويلية في قطاعيها العام والخاص 76% من قيمتها المضافة. وفي عام 2013 كان هذا القطاع رابع الخاسرين بنسبة 12% من مجمل الخسائر في الناتج بعد الصناعات الاستخراجية والنقل والاتصالات والتجارة، وفقاً للدراسة ذاتها.
قطاع استراتيجي
بـ 250 مليون ليرة فقط؟!!
لقد كان من الواضح أن على الحكومة التعويل على قطاع الصناعة التحويلية لما تمتلكه من ميزات في الاقتصاد السوري يسمح لها بتغطية الاستهلاك المحلي والتخفيف من أعباء الاستيراد وتحقيق فوائض جدية من القطاع العام الصناعي ورفد الخزينة، بالإضافة إلى إمكانية تطوير صادراتها لاحقاً لتكون بديلاً استراتيجياً عن الصناعات الاستخراجية التي لم تعد ترفد الخزينة بأي شيء يذكر وفق تصريحات الحكومة، وهو مايعني أن على الحكومة إيلاء جهد خاص لهذه الصناعة. لكن الحكومة وخلال الأزمة تحديداً تعامت عن كل ميزات هذا القطاع وانعكس ذلك بشكل واضح بتخفيض حجم الإنفاق الاستثماري في القطاع العام للصناعات التحويلية بشكل مستمر ومتكرر بما لا يتناسب مع إمكانات هذا القطاع ودوره الضروري في مواجهة الأزمة الاقتصادية والحصار الغربي الخانق. وفي الجدول الآتي نبين حجم الإنفاق الحكومي على الاستثمار في هذا القطاع بمليارت الليرات السورية في أعوام الأزمة:


ومن الجدير ذكره أن هذه الخطط الاستثمارية تظل حبراً على ورق، فقد أشارات بيانات نسب التنفيذ في عام 2012 على سبيل المثال، أن ما تم تنفيذه حتى نهاية شهر حزيران 2012 هو 5% من هذه الخطة أي (250) مليون ليرة فقط!! 
الإنفاق الاستثماري على البلديات 10 أضعاف الصناعة التحويلية؟!
لقد انخفض الإنفاق الاستثماري على هذا القطاع بشكل لافت ومثير للدهشة، فمع أن هذا القطاع يحمل إمكانات هائلة لإنعاش كافة مجالات الاقتصاد السوري وهو ماجعل أعداء الدولة يسعون إلى تدميره بشكل ممنهج، تأتي الحكومة لتترفع عن الاستثمار به دون حجج منطقية. والغريب أنه في الوقت الذي انخفض فيه الإنفاق على قطاع هام كهذا تزايدت النفقات الحكومية الاستثمارية على قطاعات أقل أهمية في ظروف الأزمة، كقطاع «الإدارات الحكومية» وقطاع «المجالس المحلية والبيئة»!!
الجدول أدناه يبين هذا الإنفاق.

لقد وضعت الحكومة قطاعاً هاماً واستراتيجياً في ظل الأزمة على ذيل أولوياتها، حيث كان ترتيب الصناعة التحويلية هو ثالث أقل قطاع من حيث حجم الإنفاق من أصل 18 قطاعاً اقتصادياً وخدمياً في عام 2014 على سبيل المثال!
«التحويلية» في القطاع العام تفوق الخليوي في الـ2015
تقول الحكومة إنها تتوقع إيرادات بقيمة 42,4 مليار ليرة سورية (فائض موازنة وسيولة) من قطاع الصناعة التحويلية، وهو مايعني أن إيرادات هذا القطاع ستفوق إيرادات الحكومة من عقود الخليوي البالغة 40 مليار تقريباً ومع ذلك تنفق الحكومة على هذا القطاع 3,08 مليار ليرة فقط في عام 2015. كما جاء ترتيب هذا القطاع كثالث أقل قطاع من أصل 18 من حيث حجم الإنفاق الاستثماري الحكومي وهو مايعني أن الحكومة ستستمر بالسياسات السابقة بنفسها ضاربة بعرض الحائط أهمية هذا القطاع الاستراتيجية التي اعترفت بها ببياناتها وذلك وفقاً لما تم إيضاحه في قدرتها على رفد الخزينة بمبالغ كبيرة. فهل ستظل الحكومة تشكو من نقص الموارد في الوقت الذي تعمل فيه على تهميش موارد هامة، وماهي المصلحة من هذا التهميش؟!.