صمت من أجل غزة
أنين محمود درويش
... في عدوان سابق
أنين محمود درويش
... في عدوان سابق
يمثل الإعلام في العصر الحديث بمعناه الواسع، اللاعب الأساسي في عملية التأثير لدوره الخارق في تشكيل البنى الفكرية والاجتماعية للإنسان، فالإعلام يستطيع أن يبرمج أدمغة الناس بالشكل الذي يريده، ومن البديهي أن من يمتلك وسائل الأعلام يمتلك أقوى أسلحة الفكر في العالم، لأن العقل هو منيع الإرادة والإبداع، ومن يستطيع أن يسيطر على العقل يتحكم بالإنسان، ومن هنا جاء الأثر العظيم والخطير في آن معاً لدور الإعلام الوظيفي الأهم في تشكيل الرأي العام وقولبته وتوجيهه، وبالتالي صوغ العملية السياسية.
• لليوم الــ(...) من العدوان الهمجي على غزة، وبعد سقوط أكثر من ( 1000 شهيد ) وآلاف الجرحى، وبعد تدمير البيوت والمســاجد والمدارس والأشــجار، وبعد كل القنابل والصواريخ المحرمة التي ســقطت على الأرض.. غزة ما زالت تقاوم برجالها ونسائها وشيوخها وأطفالها وأشجارها، تقاوم بكل ما تملك من عزيمة وصبر، وتقاوم بكل ما تملك من حبٍ للحياة، وكلُّ من فيها يصرخ عالياً: نموت بشرف.. أو ننتصر.
بحلول العام 2009، الذي ابتدأ وسط فوضى مشاهد الدم والخراب القادمة من قطاع غزة، ستواجه الثقافة العربية المعاصرة استحقاقاً كبيراً، بعد أن اختيرت مدينة القدس المحتلة (أو رمزية اسمها على الأقل) عاصمةً للثقافة العربية في هذا العام. لايمكن لأحد بالطبع أن يشكِّك في أهمية هذه الخطوة وضرورتها، كما لايصحُّ التساؤل عن أحقية القدس في تبوُّء هذه المكانة، ولكن ما تثيره هذه المناسبة من إشكاليات سيدفعنا إلى طرح بعض الأسئلة التي تتعلَّق أساساً بحاضر الثقافة العربية، وبما يمكن لها أن تقول في هذه التظاهرة الإستثنائية.
الهجوم الإسرائيلي على غزّة خيارٌ جرى التحضير له منذ فترةٍ طويلة، واتخذ قرار تفعيله قبل تسلّم إدارة أوباما مهامها في البيت الأبيض. فالتغيرات الحاصلة في واشنطن غير ملائمة للتوجهات التوسعية في تل أبيب. إذن، حاولت إسرائيل الضغط على الرئاسة الأمريكية الجديدة بوضعها أمام الأمر الواقع.. لكن لتنظيم عمليتها العسكرية، اضطرت إسرائيل للاستناد إلى دعم شريكين عسكريين جديدين هما المملكة العربية السعودية ومصر، أصبحا يمثلان محوراً صهيونياً - إسلامياً مفارقاً. تقوم الرياض بتمويل العمليات، هذا ما يكشفه تييري ميسان، في حين تنظّم القاهرة عملياتٍ شبه عسكرية.
منذ أن بدأ الحصار العدواني على قطاع غزة، كان واضحاً بالنسبة للقاصي والداني أن أنظمة ما يعرف «بمحور الاعتدال العربي» شريكة في هذا الحصار، وعلى رأسها النظام المصري الذي استمر بإغلاق معبر رفح حتى في وجه المساعدات الإنسانية. وما إن تحول هذا الحصار إلى عدوان عسكري مباشر حتى أصبح الاستمرار في إغلاق هذا المعبر مشاركة مفضوحة في العدوان على غزة وشعبها ومقاومتها .
لا يزال التخبط يحكم الأداء السياسي الإسرائيلي في «معركة غزة»، وجوهر هذا التخبط يعود إلى عدم قدرة الكيان على تحديد «أسباب استمرار تماسك الجسم العسكري الرئيسي لحماس وعدم انهياره بعد ثلاثة أسابيع من الضربات الجوية والبرية والبحرية العنيفة».
غالبية حكام بلداننا يسيرون في الاتجاه المعاكس، ليس لشعوبنا العربية فحسب، بل لمجمل شعوب العالم المناهضة للامبريالية، التي تقف داخل البلدان الامبريالية ذاتها لتعبر عن معارضتها لحرب الإبادة ضد أشقائنا في غزة. ذلك ما تمليه عليهم مصالحهم الطبقية.
جوهر السيناريو نفسه الذي اتبعه هؤلاء عام 2006 في لبنان عادوا إليه مجدداً في العدوان على غزة التي ستنتصر أيضا.
ع دخول المجزرة التي ترتكبها قوات الغزو الصهيونية ضد أبناء فلسطين داخل قطاع غزة، أسبوعها «الرابع»، تتأكد على أرض الواقع الميداني عدة حقائق، فرضتها درجة الصمود والصلابة والثبات التي أظهرها المجتمع الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب الوحشية التدميرية، مما وفر لمقاتلي فصائل المقاومة البطلة، كل مقومات الاستبسال والتضحية، التي فرضت على كل الأطراف الإقليمية والدولية إعادة النظر في الإمكانية المتاحة لتحقيق الأهداف المرسومة للحرب، عسكرياً وسياسياً. إن ماعكسته السبعة عشر يوماً من التضحيات الأسطورية، يتجلى في تدني سقف الأهداف التي وضعتها حكومة القتل الصهيونية، يوماً بعد يوم. ويعود ذلك لفشل الصدمة/الحملة الجوية في الأسبوع الأول، ولعجز المرحلة الثانية «البرية» عن تحقيق أية منجزات مباشرة «التقدم الكبير» على الأرض. فما بين (إنهاء سيطرة حماس على القطاع، لتسليمه لقوى «الاعتدال» الفلسطينية) إلى (فرض واقع أمني يوفر الأمن للمدن والمستعمرات الصهيونية) وصولاً إلى (وقف إطلاق الصواريخ وتهريب المعدات القتالية) يتوضح المأزق السياسي/العسكري الذي تعاني منه حكومة العدو. وهو ماظهر واضحاً، جلياً، في التصريحات الأخيرة للمتحدثين العسكريين والسياسيين حول مراحل الحرب العدوانية ونتائجها.
- منذ بداية الحرب المفتوحة على قطاع غزة يوم 27/12/2008 وحتى الآن: