الإعلام بوصفه شريكاً في المذبحة..
يمثل الإعلام في العصر الحديث بمعناه الواسع، اللاعب الأساسي في عملية التأثير لدوره الخارق في تشكيل البنى الفكرية والاجتماعية للإنسان، فالإعلام يستطيع أن يبرمج أدمغة الناس بالشكل الذي يريده، ومن البديهي أن من يمتلك وسائل الأعلام يمتلك أقوى أسلحة الفكر في العالم، لأن العقل هو منيع الإرادة والإبداع، ومن يستطيع أن يسيطر على العقل يتحكم بالإنسان، ومن هنا جاء الأثر العظيم والخطير في آن معاً لدور الإعلام الوظيفي الأهم في تشكيل الرأي العام وقولبته وتوجيهه، وبالتالي صوغ العملية السياسية.
ولما كان للإعلام هذا الدور الهام لم يكن اهتمام الحركة الصهيونية فيه منذ بداية نشأتها ضرباً من العبث، بل كان فهماً صحيحاً وانطلاقاً لعمل منظم تزامن مع بداية المشروع الصهيوني للسيطرة على الأرض والإنسان، فقد ورد في بروتوكولات حكماء صهيون، البرتوكول الثاني: «الصحافة التي في أيدي الحكومة القائمة هي القوى العظيمة التي بها نحصل على توجيه الناس، ومن خلال الصحافة تغرز نفوذاً ونبقى نحن وراء الستار».. وجاء في البروتوكول الثالث «الأدب والصحافة هما أعظم قوتين إعلاميتين وتعليميتين، ويجب أن تكونا تحت سيطرتنا. يجب أن نكون قادرين على إثارة الشغب عندما نريد وتهدئته عندما نريد».
إذاً فالإعلام الصهيوني ولد من رحم الإيديولوجية الصهيونية، واستمد منها كل محتويات خطابه السياسي، ناهلاً من مزاعم التوراة والتلمود ما يوظفه لتحقيق أهداف (إسرائيل الكبرى) و(شعب الله المختار) معتمداً في ذلك على جميع الوسائل الإعلامية المتاحة، وعلى رأسها الصحافة لكونها السلطة الرابعة، ولما لها من تأثير على الجمهور وأصحاب القرار. إن الصهيونية العالمية تمتلك أو تسيطر على أشهر الصحف العالمية وأوسعها انتشاراً (نيويورك تايمز) و(واشنطن بوست) الأمريكتين، (والديلي تلغراف) (واللوموند الفرنسية) وغيرها الكثير، بالإضافة للصحف الصادرة داخل (إسرائيل).. وبات عددها يتجاوز 32 صحيفة ومئات المجلات والمطبوعات الدورية والمواقع الإلكترونية، ناهيك عن التركيز الحالي الحاصل على الإعلام المرئي بجميع أنواعه (تلفزيون ـ سينما)، لما بات يشكله الإعلام المرئي من سعة الانتشار وسهولة تحميل الأفكار وسلاستها، ولما للصورة من دور عظيم في التأثير والتواصل. وتسيطر الصهيونية على الكثير الكثير من المحطات التلفزيونية والفضائية العالمية مثل (NBC) و(CBS) الأمريكيتين والـBBC البريطانية، بالإضافة لامتلاك إسرائيل لقمر صناعي للبث التلفزيوني هو (عاموس). وهناك تركيز قديم العهد على السينما من خلال امتلاك أكبر شركات الإنتاج السينمائي وصناعة الأفلام المركزة أولاً على حق اليهود التاريخي في فلسطين وتضحياتهم في سبيل «أرض الميعاد» وتكريس أكاذيب تاريخية مثل (الهولوكست).. وتحاول الميديا الصهيونية من خلال السينما تصوير «تخلف» و«بطش» و«همجية العربي ولا إنسانيته» وتشويه صورة المقاوم الفلسطيني..
أول فيلم عن اليهود تم إنتاجه قي باريس عام 1899 وحمل اسم (قضية دريغوس) وهو يعرض لقضية «اضطهاد اليهود» حيث يصور ضابطاً فرنسياً يتهم بالخيانة العظمى لأنه يهودي.. ثم توالت الأفلام مثل (مولد أمة) لـ دافيد حريفيا و(هاهي أرضك) لـ باروخ أجا داتي.
وتبسط الصهيونية العالمية هيمنتها على عاصمة صناعة الأفلام (هوليود).
ويما يتصل بموضوع المسرح، فإلى الآن لم تتبلور حركة صهيونية بشكل خالص، بل هناك بعض الأعمال الفردية التي لا تكاد تذكر، ويقتصر دور الحركة الصهيونية على محاربة المسرحيات العالمية التي قد تحاول شرح الحقائق فيما يختص بالهولوكست أو حقوق الشعب الفلسطيني.
وبالنسبة للإذاعة فهي ثاني أقدم وسائل الإعلام المعاصرة بعد الصحافة، وكان للصهيونية بداية تأثير كبير عليها من خلال السيطرة على محطات الـBBC البريطانية أو راديو مونتي كارلو وصوت أمريكا، وبعد قيام إسرائيل تم إنشاء إذاعة إسرائيل عام 1959 لتبث نوعين من الإعلام: إعلام موجه للداخل وباللغة العبرية وإعلام للخارج باللغة العربية.
لقد كرست الحركة الصهيونية اهتمامها بالدعاية الصهيونية من خلال حشد الإمكانات والأدمغة العلمية لإيجاد واستنباط الطرق والأساليب الدعائية لغزو العقول ونشر الأفكار الصهيونية وقلب وتزييف الحقائق، وهو ما يتوضح الآن في الحملة الإعلامية الصهيونية الموجهة تجاه قطاع غزة وحصاره والعدوان عليه ومحاولة اجتياحه عسكرياً وسعيها لجمع التأييد الدولي لشرعنة كل ذلك.
ولعل أهم دور تلعبه آلة الدعاية الصهيونية هو الحرب النفسية وغزو العقول وهو ما عبر عنه موشي دايان بقوله «إننا نستهلك كمية كبيرة من الذخيرة الغالية الثمن لندمر مدفعاً واحداً من مدافع العدو، ولكن أليس من الأفضل والأرخص أن نستعمل الدعاية والحرب النفسية لشل الأصابع التي تضغط على زناد هذا المدفع».