المحرر السياسي: الطائفية دائماً قناعٌ لشيء آخر
يمكن لمن يدرس الصراعات الطائفية والدينية عبر التاريخ، ليس في منطقتنا فحسب، بل وفي العالم بأسره، أن يصل إلى استنتاج واضح هو أن هذه الصراعات كانت دائماً غطاءً وقناعاً لصراعات أخرى أعمق، ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية.
ينطبق هذا الأمر على حرب الفلاحين في ألمانيا عام 1524-1525، وعلى حرب الثلاثين عاماً 1618-1648 التي راح ضحيتها 8 ملايين إنسان بوصفها حرباً بين طائفتين هما البروتستانت والكاثوليك، ولكن الحقيقة أنها كانت حرب سيطرة وسيادة قادتها من الطرفين نخبٌ لا علاقة لها بالدين، وإنما استخدمته واستخدمت عامة الناس عبره لتثبيت سيادتها ونهبها.
ينطبق الأمر أيضاً على الحروب التي لا تنتهي بين باكستان والهند، والتي زرع بذرتها الاستعمار البريطاني، وما يزال يعمل على استخدامها حتى اليوم في إضعاف كل من الدولتين، بل ويتم استخدامها حالياً لرفع التوتر في أهم منطقة من مناطق مشروع الحزام والطريق الصيني.
في سورية عام 1860 جرت مذبحة ضد المسيحيين في دمشق وتحديداً في سوق القيمرية. من حيث الشكل، بدت المذبحة ذات بعد ديني طائفي. دارسو التاريخ يعلمون الآن، وبشكل موثق باعترافات واضحة من الفرنسيين، أنهم هم من حرضوا ودفعوا الأموال لوالي دمشق في حينه، لكي يرسل من يقوم بهذا الفعل الوحشي بحجج طائفية ودينية، ولماذا؟ ببساطة لأن دودة القز في مناطق مختلفة في العالم، وضمناً في فرنسا، كانت تعاني من وباء شلّ إنتاجها من الحرير، وأصبحت دودة القز في الشام أهم منتج للحرير في العالم وبات من الضروري نقلها ونقل الحرفيين الماهرين العاملين بها خارج دمشق وباتجاه لبنان ثم ليون الفرنسية من أجل احتكار الأرباح الكبيرة لهذه الصناعة، وتصادف أن العاملين بهذه الصناعة في الشام كانوا من المسيحيين...
في لبنان والعراق، جرت حروب طائفية دموية فظيعة، وكان من نتيجتها أن تحول أمراء تلك الحروب إلى زعماء سياسيين، وتحول ضحايا تلك الحروب إلى شعوب مقهورة منهوبة عاجزة...
الأمثلة أعلاه ليست إلا غيضاً من فيض، وكلها تتقاطع في أن كل صراع طائفي، هو دائماً ضد مصلحة عامة الناس من كلا الطرفين المتحاربين والفقراء على وجه الخصوص، وضد مصالح بلادهم، ولمصلحة حفنة من تجار الدماء من كل الأطراف..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 000