إعادة استنساخ تجارب الماضي!
يكثر الحديث اليوم عن ضرورة إطلاق عملية لإعادة إعمار سورية أشبه بخطة مارشال في أوروبا، وكثيراً ما يتلقى الناس هذا بحماس مرتبط بتجربة خطة الإعمار الشهيرة في أوروبا، ما يدعونا لوضع بعض الأفكار الضرورية للتمييز وتفنيد مدى إمكانية إعادة هذه التجربة في سورية.
لم يكن بإمكان المشروع الأمريكي للهيمنة على العالم بعد الحرب العالمية الثانية أن يتم دون خطة الإعمار الأمريكية لأوروبا، لكن الولايات المتحدة كانت تملك المصلحة والإمكانية للقيام بمشروع هدفه الأساسي إعادة بناء أوروبا بما يخدم المصالح الأمريكية ويثبّت علاقات التبعية مع ضرورة إنجاز مشروع قادر على مجابهة القدرة الاقتصادية الهائلة للدول الاشتراكية في حينه، وكان المطلوب أمريكياً في حينه تنفيذ مشروع يضمن مستوى مرتفعاً من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في دول أوروبا الغربية لخلق نموذج منافس للنموذج الاشتراكي، وبعيداً عن تقييم التجربة ونتائجها نرى اليوم أن حسابات أمريكا تختلف كل الاختلاف، وتحديداً في منطقتنا التي تعتبر سورية جزءاً أساسياً منها، فإن كانت واشنطن عملت لعقود على نشر الفوضى وتغذيتها، فذلك لا يمكن أن ينقلب بين ليلة وضحاها إلى مشروع تنموي حقيقي، بل يبدو أي حديث عن مشروع غربي لإعادة إعمار سورية أشبه بمشروع شكلي، فإعادة لإعمار سورية اليوم تحتاج إلى ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية لا فقط لإعادة بناء شبكة تربط سورية بالخارج بل أيضاً وقبل كلّ شيء يجب التركيز على بنية تحتية تستطيع تخديم مشاريع اقتصادية داخل البلاد وتربط مناطقها بأعلى المعاير، فالغرب كان يرى تاريخياً أن هدف مشاريع البنية التحتية هو بناء طرق لنقل الخامات إلى الخارج وترسيخ علاقات التبعية بدلاً من كسرها.
نقاش إعادة الإعمار في سورية يحتاج قراءة وطنية عميقة تستند إلى الإمكانيات المتاحة ووضعها على الطاولة لاختيار ما يناسبنا ولا يجب أن ينطلق من تجاهل قدرات الشرق والمصالح المشتركة بين سورية والعمق الآسيوي هذا بالإضافة إلى أن السيولة المطلوبة اليوم لإنجاز مشاريع بهذا الحجم ليست متوفرة لدى الغرب؛ فالولايات المتحدة أنفقت ما يقدر بـ 150 مليار لإعادة إعمار أوروبا واستطاعت حصد منافع اقتصادية مضاعفة في العقود اللاحقة أما اليوم لا يمكننا التعويل على الغرب المأزوم لتنفيذ مشاريع حقيقية ونرى دليلاً على ذلك إذا ما نظرنا إلى مشاريع إعادة الإعمار الغربية في العراق ولبنان التي لم تتحول أبداً إلى أساس لمشاريع تنموية حقيقية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 000