مقال جديد معركة غزة وتحويل الصراع إلى قضية إغاثة إنسانية
منذ أن بدأ الحصار العدواني على قطاع غزة، كان واضحاً بالنسبة للقاصي والداني أن أنظمة ما يعرف «بمحور الاعتدال العربي» شريكة في هذا الحصار، وعلى رأسها النظام المصري الذي استمر بإغلاق معبر رفح حتى في وجه المساعدات الإنسانية. وما إن تحول هذا الحصار إلى عدوان عسكري مباشر حتى أصبح الاستمرار في إغلاق هذا المعبر مشاركة مفضوحة في العدوان على غزة وشعبها ومقاومتها .
وتعالت الصيحات أكثر فأكثر في الشارع المصري والعربي وعلى امتداد العالم مطالبةً النظام المصري بفتح معبر رفح بشكل نهائي. ورغم الحجم الهائل للدمار واتساع رقعة الموت والدم، فقد استمر النظام المصري بدعمٍ معلنٍ أو مبطنٍ من قسم من الأنظمة العربية في إغلاق المعبر وفرض حصار لا مثيل له في التاريخ على شعب القطاع الأعزل ومقاومته الأسطورية التي واصلت التصدي باللحم العاري للآلة العسكرية الإسرائيلية الهمجية .
وبدأت المساعدات الإنسانية تأتي من كل حدبٍ وصوب، وتتجمع في مدينة العريش المصرية، وسمح النظام المصري بالفعل لبعض هذه المساعدات بالدخول عبر معبر رفح. وبدا إرسال الدول العربية لبعض الأغذية والأدوية وسماح مصر لجزء منها بالدخول إلى القطاع وكأنه قيام للنظام الرسمي العربي بواجباته تجاه الشعب الفلسطيني. وأصبح النفس العام حتى في الشارع يوحي بأن الواجب الملقى على عاتق العرب يتلخص في إغاثة الجرحى وإطعام الجائعين، وكأن الأمر منوط بأي مؤسسة خيرية أو طبية، ولا يشكل واجباً أخلاقياً على عاتق أي دولة مجاورة لمدنيين يقتلون بلا رحمة .
ولأن الحال كذلك نقول إن هذا الحصار لا مثيل له في التاريخ المعاصر على الأقل، لأنها سابقة يسجلها النظام الرسمي المصري في أن لا يفتح أراضيه حتى للأطفال والنساء لكي ينقلوا بعيداً عن ساحات القتال.
إذا كان أحد واجبات مصر والعرب تأمين المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني فهذا صحيح، وهو أمر لا يمكن إنكار أهميته في إنقاذ المدنيين الفلسطينيين، بل وفي دعم صمود المقاومة، لكن تلخيص المسألة في ذلك فيه تسطيحٌ مشبوهٌ للقضية وابتعاد عن الواقع الفعلي للصراع الدائر على الأرض العربية .
إن الشعب الفلسطيني اليوم يدافع عن حريته وكرامته وكيانه الوطني، ويدافع أيضاً عن الأمن القومي العربي الذي أباحته الأنظمة العربية لكيان العدو دون مقابل، ويدافع عن وجود هذه الأمة وتاريخها وثقافتها وحقها في البقاء، بل إن كفاح هذا الشعب هو دفاع بطولي مشرف عن كل الشعوب الحرة في مواجهة هيمنة الرأسمالية الأمريكية المتوحشة .
وبناء عليه، فإن الواجب الملقى على عاتق العرب شعباً وحكومات، تجاه أنفسهم أولاً وتجاه فلسطين ثانياً، هو احتضان المجتمع الفلسطيني بشكل حقيقي ومعلن في كفاحه الدامي ضد الكيان الصهيوني. وأما أن يصبح مقبولاً تصريح رأس النظام المصري أن من حق الاحتلال مراقبة المعابر لمنع دخول السلاح فهذا انهيار خطير في منظومة القيم العربية وتواطؤ سافر مع العدو ضد مصر نفسها وضد المقاومة التي تشكل الحصن الوحيد الباقي في ما كان يعرف بالأمن القومي العربي .
إن هذا الانحدار الأخلاقي الخطير يوجب علينا أن نعود إلى الثوابت التي يصفها الكثيرون اليوم بأنها تنتمي إلى لغة خشبية مضى زمنها، وإن أول وأهم ما في هذه الثوابت هو أن الهدف الذي يجب أن نسعى إليه دون خجل أو مواربة هو إزالة هذا النظام النازي العنصري من على تراب فلسطين التاريخية، وأن الطريق الوحيد لتحقيق ذلك هو تبني خيار المقاومة المسلحة وإغلاق ملف التفاوض نهائياً مع هذا العدو.
وإن القول بأن هذا الهدف ممكن التحقيق ليس فيه أي التباس أو وهم لأن المقاومة بإمكانياتها المتواضعة وفي ظل أوسع تآمر دولي وعربي عليها، قد نجحت في إلحاق الهزيمة بهذا الكيان وفي إنهاء أحلامه التوسعية وتهديد أمنه ووجوده بشكل فعلي ومباشر، أما اختصار القضية في تقديم الطعام والدواء للمدنيين الفلسطينيين واعتبار السلام الفارغ من أي مضمون خياراً نهائياً، فليس إلا حلقة جديدة من حلقات التخاذل والتآمر والتراجع غير المبرر أمام كيان عنصري على وشك التداعي والسقوط أمام ضربات المقاومة وصمودها البطولي.