غزة: حساب «السرايا» و«القرايا»..
لا يزال التخبط يحكم الأداء السياسي الإسرائيلي في «معركة غزة»، وجوهر هذا التخبط يعود إلى عدم قدرة الكيان على تحديد «أسباب استمرار تماسك الجسم العسكري الرئيسي لحماس وعدم انهياره بعد ثلاثة أسابيع من الضربات الجوية والبرية والبحرية العنيفة».
في جلسة خاصة لما يسمى بالحكومة الأمنية العسكرية المصغرة، تم الاستماع في الأسبوع الماضي إلى إيجاز أمني تضمن المعطيات التالية:
«ـ إن الجسم العسكري الأساسي لحركة حماس، لم يزل متماسكاً ولم يجر تقطيع يذكر في أوصاله رغم العملية العسكرية الإسرائيلية التي قسمت القطاع إلى ثلاثة أجزاء معزولة.
ـ يعود هذا التماسك إلى شبكة الاتصالات الخاصة القوية وشبكة التحصينات والأنفاق التي أشرف على إنشائها عماد مغنية في قطاع غزة بكامله قبيل اغتياله، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها صممت بما يتناسب مع طبيعة غزة المأهولة بالسكان. ومن أهم ميزاتها التقنية أنها معزولة ومستقلة عن شبكة الاتصالات العامة، وذات طابع سلكي- تحت أرضي، الأمر الذي يجعل من الصعب اختراقها، ويسمح باستمرار التواصل والتنسيق بين المجموعات المقاتلة، سواء على مستوى حماس نفسها أم على مستوى الفصائل المسلحة الأخرى.
ـ الإمساك المحكم بالقرار السياسي والعسكري والأمني ومركزته بيد ثلاثة فقط يعتبرون من المقربين من خالد مشعل، وهم سعيد صيام وخليل الحية ومحمد جبري، يساعدهم في ذلك مسؤول جهاز أمن الحركة وضابط الاتصالات بين الداخل والخارج، القيادي عماد خالد العلمي.
ـ العامل الآخر هو الكميات الهائلة من الأسلحة التي تم تهريبها إلى قطاع غزة براً وبحراً، بما فيها ما بين 200 إلى 300 صاروخ من طراز غراد المحدّث منذ صيف العام 2005، إلى جانب تمكن المئات من عناصر «القوات الخاصة» من كوادر ومقاتلي حماس والجهاد من الالتحاق بمعسكرات تدريب خارجية. وهؤلاء يشكلون النواة الصلبة التي تشكل رأس الحربة في المواجهة البرية إذا ما اتخذ قرار بدخول التجمعات السكانية.
ويرى التقرير أن حزب الله لن يتدخل بشكل مباشر في المواجهة الدائرة من خلال فتح الجبهة الشمالية وذلك بالنظر لثقته بأن الوضع العسكري لحركة حماس وبقية الفصائل لم يزل بخير، إلا أن حزب الله وإيران، وأيضاً حسب التقرير، لن يتأخرا في التدخل العسكري المباشر حين يشعران بأن حماس والفصائل الأخرى على وشك الهزيمة، لأن ذلك «خط أحمر»، لعلمهما أن مصير الخارطة السياسية الجديدة للمنطقة يتوقفان على معركة غزة ونتائجها.
الجيش الإسرائيلي لم يزل على تخوم التجمعات السكانية في قطاع غزة، ولن يغامر بدخولها كما تتمنى حماس والفصائل الأخرى المشاركة في القتال، على اعتبار أن ذلك سيكبد الجيش ما بين 100 إلى 150 جندياً وضابطاً وهو ما لايمكن لإسرائيل أن تتحمله، فضلاً عن تبعاته المدمرة سياسياً بالنسبة للحكومة الإسرائيلية الحالية ومستقبل أقطابها في الانتخابات القادمة .
وتخلص القراءة الإسرائيلية إلى أن القرار النهائي يبقى للنتائج التي يجري تحقيقها في الميدان خلال الأيام القليلة القادمة التي ستشهد عنفاً في القصف والمواجهات لا سابق له منذ بدء العملية العسكرية قبل أسبوعين.
وفي عدد السبت الماضي من صحيفة الأخبار اللبنانية كتب إبراهيم الأمين مادة تشير إلى أن «المواجهات القائمة الآن مع المقاومين في كل قطاع غزّة، تنبئ بتجربة جديدة يواجهها الإسرائيليون. وهي تجربة سبق لهم أن قرأوا بعض عناوينها قبل عامين في جنوب لبنان». وأشار الأمين إلى أنه قبل أيام من انطلاق العدوان، كان قادة «حماس» من السياسيين والعسكريين ومعهم قادة الفصائل الأخرى قد اختفوا عن مراكز المراقبة التقليدية، بالتوازي مع تغيير الهرمية العسكرية لقوى حماس وبقية فصائل المقاومة، وقد جرت مناقشة الأمور كلها، بما في ذلك طريقة حماية المخزون المتعاظم من القدرات القتالية، وكيفية إبقاء طرق الإمداد قائمة، وكيفية حفظ التواصل بين المجموعات كلها عبر تحويل باطن الأرض حول القطاع وداخله إلى مدن قائمة بحد ذاتها، إلى جانب توفير مخزون صاروخي يُوزّع بطريقة تمنع تعرضه للتعطيل، حتى لو نجح العدو في احتلال أمكنة كثيرة من القطاع. ورُبطت آلية العمل بوتيرة تحفظ سقوط الصواريخ، ومن أمدية مختلفة، وذلك لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور، وهي المدة التي يفترض بالمقاومة أن تحولها إلى حرب استنزاف كاملة إذا ما قررت إسرائيل البقاء في حالة العدوان وتوسعت في احتلال مناطق إضافية من القطاع.
أما المرحلة الثالثة المطلوب تنفيذها فتقضي بالتوجه فوراً إلى الأماكن المكتظة بالناس والتجمعات السكنية، وهناك نُصبت الكثير من الأشراك المفخخة، وهناك آلاف المقاتلين الذين يتحولون في لحظة إلى فدائيين يفجرون أنفسهم بالقوات المتقدمة.
ويخلص الأمين إلى إن الرد القاسي يعني وحشية إضافية سوف تودي بحياة المزيد من المدنيين، أما إذا تقرر البقاء في مرحلة الانتظار، وعدم الانسحاب، فهذا يتطلب التموضع واتخاذ مواقع كأي جيش احتلال، وعندها ستتحول المجموعات الإسرائيلية إلى أهداف.
■إعداد قاسيون