«التحديث صيني النمط»: ملامح خارطة الطريق الجديدة
تواصل الصين سعيها لتثبيت أولوياتها الوطنية عبر آليات حزبية ومؤتمرات مفصلية. وشكّلت الدورة الرابعة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني محطة مهمة في ضبط المسار السياسي والاقتصادي للبلاد، وسط تحديات داخلية، وتهديدٍ غربي متزايد. وكشف البيان الختامي للدورة عن توجهات حاسمة تعكس حرص بكين على ترسيخ نهجها الخاص في إدارة الدولة، وتقديم نموذج بديل لما يُروّج له في الساحة الدولية.
في ختام أعمال الدورة التي انعقدت في العاصمة الصينية بين 20 و23 تشرين الأول 2025، وشارك فيها 168 عضواً و147 عضواً احتياطياً من اللجنة المركزية، ومراقبين من اللجنة الدائمة لفحص الانضباط، ومسؤولين من الجهات المركزية، وخبراء من مندوبي المؤتمر الوطني العشرين، أقرّ الحزب خطة التنمية الخمسية الخامسة عشرة، التي تهدف إلى تحقيق تنمية عالية الجودة ترتكز على الابتكار وتعزيز الأمن القومي. ورغم الطابع المغلق للاجتماع بطبيعة الحال، أتاح البيان الختامي- والتصريحات الرسمية التي أعقبته- فرصة لاستشراف ملامح الخطة الجديدة التي تتسم بطموحات واسعة في المجالات الاقتصادية والتقنية والثقافية.
أحد المفاهيم المركزية التي ناقشتها الدورة هو «التحديث صيني النمط»، والذي قُدِّم بوصفه بديلاً للنموذج الليبرالي الغربي. يقوم هذا النموذج على قيادة الحزب وفق هدف «وضع الشعب فوق كل اعتبار» والتنمية عالية الجودة، والتخطيط طويل الأمد، والدمج بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على الهوية الثقافية والسيادة الفكرية. وقد شدد البيان على أن «تحقيق التحديث صيني النمط هو مهمة عظيمة ومليئة بالتحديات»، وأكد على «رفع مستوى الاعتماد على النفس وتقوية الذات في مجال العلوم والتكنولوجيا إلى حدٍّ كبير، وتحقيق اختراقات جديدة في تعزيز تعميق الإصلاح على نحو شامل، ورفع درجة الحضارة الاجتماعية بجلاء، ومواصلة تحسين جودة معيشة الشعب، وإحراز تقدم جديد في بناء الصين، وتوطيد درع الأمن القومي بشكل أفضل».
كما أولت الدورة اهتماماً خاصاً بتطوير نموذج الحوكمة الصينية، عبر إصلاحات مؤسسية تهدف إلى تحديث النظام الإداري ورفع كفاءته، مع التأكيد على أن «النظام الاشتراكي ذي الخصائص الصينية هو النظام الأساسي الذي يضمن التحديث صيني النمط، ويجب التمسك به وتحسينه باستمرار». ومع تصاعد التحديات الجيوسياسية، برز الأمن القومي كأولوية استراتيجية، حيث دعا البيان إلى «ضرورة تعزيز التفكير الأمني الشامل، وتحسين نظام الأمن الوطني، وتعزيز القدرة على ضمان الأمن الوطني».
في هذا الصدد، لم تغب قضايا البيئة عن جدول الأعمال، إذ تم الدفع نحو «تعزيز التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون، وتحسين جودة البيئة الإيكولوجية» مع التركيز على الابتكار في الطاقة النظيفة. وعلى الصعيد الاجتماعي، تعهدت اللجنة المركزية بتقليص الفجوة بين الريف والمدينة، وتحسين جودة التعليم والرعاية الصحية والسكن، مؤكدة على «تحسين نظام توزيع الدخل، وتعزيز الإنصاف والعدالة الاجتماعية».
دولياً، جددت الصين التزامها بتعزيز مبادرة الحزام والطريق، في إطار سعيها لبناء «مجتمع المصير المشترك والمنفعة المشتركة للبشرية»، مع التأكيد على «تعميق التعاون الدولي وتحقيق التنمية المشتركة مع بقية دول العالم». وشددت الدورة على «التمسك بمكافحة الفساد بلا هوادة، وتعزيز بناء الحزب على نحو شامل وصارم».
تُبنى الخطط الخمسية في الصين على تراكم الخبرات وتقييم الأداء السابق، ويتم التعامل مع تطبيقها بمستوى عالٍ من الجدية. إذ استندت الخطة الجديدة إلى تقييم شامل لنتائج الخطة الرابعة عشرة (2021 - 2025)، والتي حققت نمواً اقتصادياً تجاوز التوقعات رغم التحديات العالمية. وفقاً للبيانات الرسمية، بلغ الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 130 تريليون يوان، ومن المتوقع أن يصل هذا العام إلى نحو 140 تريليون يوان، بزيادة تعادل إجمالي إنتاج ثلاث مقاطعات كبيرة في الصين هي: قوانغدونغ وجيانغسو وشاندونغ. كما حافظ الاقتصاد الصيني على متوسط نمو سنوي قدره 5.5%، وساهم بنسبة 30% من النمو دولياً، ما جعله أكبر مساهم في الاقتصاد العالمي.
شكلت هذه الأرقام أرضية صلبة لبناء الخطة الخامسة عشرة (2026 - 2030) التي تهدف إلى نقل الصين من مرحلة «الاستقرار والنمو» إلى مرحلة «التحول النوعي والتمكين الذاتي» خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والابتكار وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
بهذا المعنى، ترسّخ الخطة الخمسية موقع الصين بوصفها قوة ذات نموذج تنموي مستقل، يجمع بين أولويات الداخل وتحديات الخارج. ومع تعزيز مفاهيم السيادة الفكرية والابتكار المحلي، تُعيد الصين صياغة مفهوم التنمية والانفتاح وفق رؤيتها الخاصة، لتغدو الخطة إعلاناً ضمنياً لطموح استراتيجي يزيد من وزن بكين في قلب النظام الدولي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1249
حلا الحايك