خياران لأوكرانيا: الخسارة أو الخسارة الأكبر...
شنّت روسيا هجمة عسكرية هي الأضخم خلال العام الجاري استهدفت بها العاصمة الأوكرانية كييف بعشرات الصواريخ والمسيّرات، وبالتوازي مع ذلك أعلنت موسكو تحريرها لمقاطعة كورسك الروسية بالكامل من القوات الأوكرانية.. بينما لا تزال كييف تتوهم تلقي دعم من الأوروبيين.
شنّت القوات الروسية ليلة الـ 24 من شهر نيسان الجاري هجوماً عسكرياً وصف بالأضخم على كييف، باستخدام أنواع مختلفة من الصواريخ متوسطة المدى والباليستية ومئات المسيّرات، بعد أيام من التوقعات بذلك بسبب المواقف الأوكرانية والغربية المماطلة بتسوية الملف الأوكراني، ومحاولات الضغط على موسكو عبره بطريقة تناسب مصالحهم، فضلاً عن خرق الأوكرانيين لاتفاق وقف إطلاق النار تجاه البنية التحتية للطاقة.
وحتى الآن، لم تصدر عن الأوكرانيين والغربيين مواقف واضحة تجاه الأهداف الروسية بضمان حياد أوكرانيا، وعدم انضمامها لأي تحالف عسكري ونزع سلاحها، فضلاً عن الاعتراف بالأراضي الروسية المنضمة لها، ومنها القرم، التي عاد زيلينسكي يعتبرها أوكرانيّة، بينما يرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويعبر وضوحاً، أنه «من الصعب استعادة القرم».
ما سبق، أكد سابقاً ولا يزال، أن ما لن يتحقق سياسياً، ستسعى موسكو لتحقيقه وفرضه عسكرياً، وفي هذا الإطار أيضاً جاء إعلان موسكو عن تحرير كورسك بالكامل، التي هاجمتها القوات الاوكرانية وتوغلت بها منذ قرابة العام، بينما تنشئ منطقة عازلة في سومي في الوقت نفسه.
والآن يجري الحديث عن احتمالات قيام روسيا بشن عملية عسكرية نحو ميناء أوديسا القريب من مولدوفا، وهو نقطة الوصول الرئيسية لأوكرانيا إلى البحر الأسود، وفقدانه يعني عملياً فقدان كييف لمنفذها على البحر الأسود.
قد يكون الاحتمال الأخير بمثابة تحذير مسبق جديد، فإما أن تبدأ كييف بالعمل جدياً للمضي تجاه التسوية السياسية، أو أنها ستخسر المزيد وتضعف أكثر، بينما لم يعد بمقدور حلفائها القيام بشيء يذكر، خاصة وأن واشنطن باتت تسعى وضوحاً لإنهاء الملف بأسرع ما يمكن، أو أنها ستنسحب منه وفقاً لعدة إشارات تصدرها.
رغم ذلك، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعاً جديداً مع المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف في 25 من شهر نيسان الجاري، استمر ثلاث ساعات، وصفه ترامب أنه جيد جداً، بينا وصفته موسكو بالـ بنّاء، ويبدو أن واشنطن بدأت تدرك جدْية موسكو بتحقيق أهدافها، وأنه ما من حل وسط يتعلق بالملف الأوكراني، والمفاوضات لن تكون عليها، وإنما ما يتعلق بالأراضي، وبوقف الحرب وما بعدها. أما موضوعة حياد أوكرانيا وعدم انضمامها لأي تحالف عسكري يُعد من الثوابت.
وبينما تعتبر موسكو أن إدارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الحالية هي العقبة الرئيسية أمام السلام، ترى واشنطن الأمر نفسه، ويمكن تلمس ذلك في العديد من التصريحات والمواقف الصادرة عنها، إلا أن واشنطن لن تبذل جهداً تجاه تغيير هذه الإدارة، والدخول بصراع مباشر مع الأوروبيين، وعليه، فإن أفضل ما يمكن لواشنطن فعله بحال استمرت كييف على الطريق نفسه– من وجهة نظر مصالحها- هو الانسحاب تماماً من الملف، ضمن سيناريو أقل الخسائر الممكنة.
أما الإدارة الأوكرانية المتشددة، والتي باتت تستند كلياً على وهم دعم الأوروبيين لها، فلا أفق أمامها إلا الخسارة، والخيار الوحيد المتبقي أمامها هو ببساطة إقرارها وقبولها بحجمها الحالي. فإن كانت الولايات المتحدة تعلن صراحةً إمكانية انسحابها من الملف فإن ذلك يعني أن تشهد القارة الأوروبية في حال عدم توقف المواجهات في أوكرانيا مستوى أعلى وأكثر تسارعاً من التراجع، فحجم الارتدادات التي تعرضت لها الدول الأساسية في أوروبا منذ بدأت الحرب في أوكرانيا لم تُفضِ بعد إلى انهيار تلك الدول، لكن استمرار حالة الاستنزاف من شأنها أن تخلق مستوى غير مسبوق من الاضطرابات على المستويات كافة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1224