«طوفان الأقصى» خلق واقعاً جديداً لن يغيّره «البيجر»

«طوفان الأقصى» خلق واقعاً جديداً لن يغيّره «البيجر»

اللحظات الأولى التي تلت العملية الإرهابية الصهيونية في لبنان، وما لحقها من أفعال عدوانية أخرى، خلقت حالة من الارتباك والصدمة في المنطقة، حيث وجدت نفسها مجدداً أمام محاولة استفزاز جديدة بمستوى نوعي لم تكن ضمن حسابات أغلبية القوى السياسية الأساسية، ولا شك أن الضخ الإعلامي الشديد المرافق كان مفصلاً مهماً في كل ما حصل، وركناً أساسياً في فهم أهداف من خلفه.

إن تفاصيل ما جرى يومي الثلاثاء والأربعاء 17 و18 أيلول الجاري، كانت موضوعاً أساسياً لمئات التقارير العربية الأجنبية، وعلى هذا الأساس لم يعد من الضروري سرد التفاصيل مرة جديدة، وخصوصاً، أنه من غير الممكن حالياً معرفة القصة الكاملة وجوانبها الخفية.

تكيّفٌ ضروري

لا شك، أن عملية بهذا الحجم حُضّرت جيداً، واستُخدمت إمكانيات كبيرة لتنفيذها، ولا نتحدث اليوم عن الجانب التقني منها، بل أيضاً الجانب اللوجستي والاستخباراتي، فنحن نعرف أن شحنة تقدّر بـ 5 آلف جهاز «بيجر» جرى إما تعديلها أثناء عملية التصنيع، أو أثناء عملية توريدها المرتبط بسلسلة قد تكون أعقد مما يمكننا معرفته الآن، وفي اليوم التالي تعرضت أجهزة لاسلكي لهجوم آخر، ما تحوّل- مع اغتيال جديد لقادة في حزب الله- يوم الجمعة 20 أيلول إلى جملة من الخطوات التصعيدية غير المسبوقة، والتي شكّلت مجتمعة حالة من الارتباك في المنطقة، يبدو أن حزب الله كان الأقل تأثراً فيها.
لا شك، أن فكرة كهذه من شأنها أن تبدو مستهجنة لدى كثيرين، ولكنها تستند إلى جملة من المعطيات، فالضربة كانت موجعة للمقاومة في لبنان بكل تأكيد، لكن الشرائح التي يمكن أن تكون قد تضررت هي أوسع من صفوف المقاتلين، فهذه الأجهزة تستخدم على ما يبدو ضمن مؤسسات تابعة لحزب الله، تعمل بعيداً عن خطوط الاشتباك، والكثير من الجرحى أو الشهداء لم يكونوا على خطوط الجبهة، والمسألة الأخرى، أن فصائل عالية التنظيم، مثل: حزب الله، تكون قادرة بسرعة على إعادة تنظيم صفوفها، فهذا جزء أساسي من تدريب المجموعات المشابهة، فالإرباك الذي ضرب صفوف المقاتلين يمكن احتواؤه خلال ساعات قصيرة، ولكن الهدف من العملية كان على الأرجح في مكان آخر تماماً.

من هو المستهدف الحقيقي؟

الإرباك الأكبر كان من نصيب المدنيين، إذ هم أكثر عرضة للدعاية الإعلامية المكثفة، ولا يعلمون تماماً مدى تأثير ضربة كهذه على قدرات المقاومة والردع في لبنان، والأخطر، هو أن ما جرى تداوله عن «خفايا تفجيرات البيجر» خلق لدى البعض إحساساً بالعجز أمام «التقنية العالية»، وبدت تفاصيل ما جرى معقدة، كما لو أنّها أُحجية صعبة الفك، في الوقت الذي قد تكون اعتمدت فيه على تقنيات بسيطة، فما قامت به «إسرائيل» هذه المرة، هو تفخيخ آلاف الأجهزة بدلاً من جهاز واحد، واستخدمت تقنيات لتفجيرها عن بعد، والقصد هنا بعيدٌ كلّ البعد عن تقليل من شأن ما حدث، إلا أن الوقائع التالية كانت تهدف إلى تصوير «إسرائيل» أمام شعوب المنطقة بوصفها «صاحبة اليد الطولى» وبأنها لا تزال صاحبة المبادرة في كل ما يجري، والكيان هنا لم يسع لتحقيق رد الاعتبار لما لحق به بعد طوفان الأقصى عسكرياً، وإنما يستهدف بشكل أساسي وعي شعوب المنطقة، ويحاول تعزيز جملة من الصور النمطية كان الإعلام الغربي قد عمل لعقود على تغذيتها، وهذا ما يعيدنا أولاً لفهم أهمية ما جرى في 7 أكتوبر الماضي، فعملية حركة حماس، أثبتت بالدليل الملموس، أن قدرات المقاومة قادرة على إلحاق ضرر كبير بالكيان وإرباكه وتعميق أزمته، ونظراً لأن الكيان كان دائماً ذراعاً متقدّماً للولايات المتحدة، فإن هذه الأخيرة كانت متضرراً أساسياً من «طوفان الأقصى»، ولأن الكيان عجز عن تحقيق أي من أهدافه المعلنة، فكان لذلك مضطرّاً لإخراج كل ما في جعبته لتقديم نفسه كما لو أنّه لا يزال من يرسم سياسة المنطقة، ويحدد شكلها، بعد أن أثبت الواقع أنه تحوّل من المهيمن إلى لاعب في مواجهة لاعبين آخرين، يملكون إمكانيات تسمح لهم بتغيير صورة ظلّت ثابتة لعقود!

للكيان والولايات المتحدة أهداف لا يعلنوها!

لا مجال للإنكار أن الأهداف التي يعلنها المسؤولون الأمريكيون والصهاينة قد لا تعكس بالفعل ما يسعون له، لكن الضربة التي جرى توجيهها للمقاومة في لبنان لم يتبعها حتى اللحظة توسيع للعمليات في الشمال، ما يجعل الهدف الواضح مما جرى هو رفع درجة التوتر حتى أقصى حدود ممكنة، مع شن هجوم كبير عبر حرب إعلامية خطرة، ينبغي التصدي لها، وحرمان الكيان من تحقيق أهدافه من ورائها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1193
آخر تعديل على الإثنين, 23 أيلول/سبتمبر 2024 19:31