«لقاء مدريد» …هل نأمن جانب الدول الغربية؟
استقبلت العاصمة الإسبانية مدريد لقاءاً موسّعاً لنقاش الوضع الملتهب في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً تداعيات الحرب على فلسطين وقطاع غزّة ضمناً، وضم اللقاء دولاً عربية وإسلامية إلى جانب دول أوروبية، وانتهى بصدور بيان ختامي، رآه البعض إيجابياً، فهل حقاً ما جرى هو خطوة في الاتجاه الصحيح، أم أن هنالك قطبة مخفية غائبة؟
اللقاء الذي جمع دولاً أوروبية مع دول عربية وإسلامية، هو الحدث الأول من نوعه الذي يغيب فيه التمثيل الأمريكي والبريطاني بالرغم من وجود تمثيل لدول غربية أخرى، وكما ظهر أن الآراء في واشنطن ولندن لم تكن إيجابية بالمطلق، أو على الأقل هذا ما عكسته بعض التغطيات الصحفية للقاء مدريد.
شملت قائمة الحضور من الجانب العربي- الإسلامي، كلاً من الدول الأعضاء في اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المشتركة «السعودية - تركيا- مصر- قطر- الأردن- إندونيسيا- نيجيريا»، بالإضافة لرئيس الوزراء الفلسطيني، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، وشمل الجانب الأوروبي كلاً من وزراء خارجية إسبانيا والنرويج وسلوفينيا وإيرلندا، مع مسؤول السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
وإذا ما أردنا عرض الأفكار المرتبطة بهذا اللقاء بشكلٍ متسلسل يمكننا القول إن الميل العام في البيان الختامي كان معقولاً، ويتماشى إلى هذا الحد أو ذاك مع التأييد المتزايد للقضية الفلسطينية على المستوى العالمي، ويمكن تكثيف أبرز ما جاء فيه ببعض الأفكار المفتاحية.
في البيان الختامي
أكد المجتمعون في اختتام اللقاء، على التزامهم المشترك بما أسموه «حل الدولتين»، وهو أحد التعبيرات التي يجري استخدامها على نطاقٍ واسع للتعبير عن القرارات الأممية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وطالبوا بالحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم في الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، وطالبوا بإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، ووقف التصعيد في الضفة الغربية، كما دعا المشاركون المجتمع الدولي للاعتراف بدولة فلسطين، وقبولها كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة، هذا مع الدعوة إلى المشاركة في الاجتماع حول غزّة، الذي سيعقد على هامش الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالإضافة إلى ما سبق، أشار البيان الختامي إلى ضرورة انعقاد «مؤتمر سلام دولي في أقرب وقت ممكن لتحقيق حل الدولتين».
لا يخرج ما ذُكر في إطاره الشكلي عن تصريحات ولقاءات كثيرة رفعت الشعارات ذاتها، وهو ما يطرح أمامنا السؤال الأول: ما الغاية اليوم من عقد لقاء يؤكد ما جرى تأكيده سابقاً؟
السؤال الثاني الأهم، هل يمكننا الاعتماد على جهود أوروبية بعقد وتخطيط، وربما لاحقاً تيسير، «مؤتمر سلام»؟
هل تتحول الاعترافات إلى قناع؟
بدأت الدول الأوروبية المشاركة في اللقاء تطل على المشهد الفلسطيني منذ اعترافها بدولة فلسطين بين شهري أيار وحزيران من 2024 الجاري، وجاءت قرارات الاعتراف بوصفها جزءاً من 9 اعترافات مشابهة على المستوى العالمي، وكانت جميعها نتيجة للضغط الشعبي بالدرجة الأولى، الذي عبّر عن نفسه بحركة احتجاجية عالمية، شملت العديد من الدول الأوروبية والغربية، ولكن وبالرغم من إيجابية خطوات الاعتراف، إلا أنّها لم تكن كافية لاعتبار تلك الدول متضامنة حقاً مع قضية فلسطين، إذ يمكن لقرار كهذا أن يظل حبراً على ورق، أو فرصة للمتاجرة، أو تحضيراً لدور مشبوه لاحق.
بالعودة إلى اللقاء الأخير في مدريد، وتحديداً الحديث عن ضرورة عقد مؤتمر للسلام، يبدو كما لو أنّه محاولة لإعادة احتواء الملف الفلسطيني، وإبقائه تحت نفوذ أطراف محددة، فإن الدور الأمريكي لم يعد يصلح لدور الوساطة، وهذه مسألة مثبتة، وهي بكل تأكيد لحظة تاريخية ينبغي استثمارها والبناء عليها بهدف استبعاد فريق المعطلين، وإيجاد أطراف أخرى مستعدة فعلاً لأداء دور جدّي في حل القضية الفلسطينية، ومن هنا لا ينبغي تجاهل احتمال أن تكون الخطوة الأوروبية الأخيرة محاولة لإيجاد بديل شكلي عن المسار الأمريكي السابق بقيادة أوروبية، دون أي حضور روسي أو صيني، يقوم على رفع شعارات، مثل: «حل الدولتين والسلام» لكنه يهدف في الواقع إلى إبقاء الأمور على حالها، فتكون الولايات المتحدة انتقلت من اللعب بالظل إلى اللعب بشكل واضح كطرف يقاتل جهراً إلى جانب الكيان الصهيوني، وأوكلت دورها السابق لأطراف أخرى... خاصة وأن استمرار «إسرائيل» في عدم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، لا يضع تلك القرارات نفسها موضع الشك، بل وقبل ذلك فهو يضع وجود واستمرار «إسرائيل» نفسها موضع الشك...
«موقف الأوروبي المستقل»
لا شك أن كثيراً من دول العالم باتت تتخذ قرارات أكثر استقلالية، وتبتعد تدريجياً عن الولايات المتحدة، لكن بالنظر إلى الواقع في أوروبا فلا يمكننا القول إن الأوروبيين ابتعدوا فعلاً عن السيطرة الأمريكية، وإن كانت هناك أصوات ترتفع بالفعل بشكل متزايد، لكنها لم تصبح قادرة بعد على التخلص من إملاءات واشنطن، بل يمكننا الجزم إذا ما نظرنا إلى تاريخ الملف الأوكراني أن القرار الأوروبي بعيد كل البعد عن أن يكون مستقلاً، وذلك بالرغم من التكاليف السياسية والاقتصادية الباهظة للتدخل الأوروبي بالملف الأوكراني.
ربما كانت الاعترافات بفلسطين موقفاً حقيقياً بالنسبة لبعض الدول، ولكن يمكن أن تكون أيضاً جزءاً تحضيرياً للمرحلة اللاحقة، وبالرغم من ذلك تظل هذه الاعترافات خطوة جيدة، أعطت زخماً للقضية الفلسطينية، ولكن لاكتشاف صدق النوايا حقاً، يتعين علينا الانتظار لوقتٍ أطول ومراقبة قضايا مفتاحية أساسية، أهمها هو العمل على تحقيق وحدة الصف الفلسطيني، لأن الانقسام وحده سيكون كفيلاً بإعاقة السير قدماً في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1192