الاحتلال يتورط على جبهة ثالثة ويخلق مبررات لاستمرار الحرب

الاحتلال يتورط على جبهة ثالثة ويخلق مبررات لاستمرار الحرب

أطلق الاحتلال منذ أيام عملية جديدة في الضفة الغربية، وذلك بعد أكثر من 10 أشهر منذ بدء عدوانه المستمر على قطاع غزّة، لم يحقق خلال كل تلك المدة أيّاً من أهدافه المعلنة، وبات يخوض الآن معارك على 3 جبهات، غزّة في الجنوب، والمقاومة اللبنانية في الشمال، واشتعلت جبهة الضفة مؤخراً في الشرق.

الاشتباكات التي اندلعت فجر الأربعاء الماضي 28 آب، لم تكن حدثاً مفاجئاً، فالكثير من المؤشرات والتحضيرات سبقت هذه المعارك، ومع ذلك يظل فهم الهدف من هذه الخطوة مسألة ضرورية، مع الإجابة ضمناً عن السؤال الأكبر، هل يمكن الحديث عن أهداف مختلفة للمعركة الجديدة، أم هي فصل جديد من استراتيجية واحدة؟ وإن كانت كذلك فعلاً، فكيف يمكننا فهم هذه الاستراتيجية على ضوء المعطيات الملموسة خلال الأشهر العشرة الماضية؟

الذريعة: عملية تل أبيب

قبل حوالي أسبوعين، تبنت المقاومة الفلسطينية «كتائب القسام وسرايا القدس» عملية استهدفت تل أبيب، وبالرغم من الأضرار البسيطة، إلا أنها حملت رسالة سياسية، مفادها أن المقاومة الفلسطينية قادرة على الرجوع إلى تكتيك استهداف «اسرائيل» وفي المناطق التي يراها الكيان «مناطق آمنة»، والأهم من ذلك، أن القوى الميدانية التي خططت ونفّذت هذه العملية ليست واقعة تحت ضغط الحرب في غزّة بشكلٍ مباشر، ولديها فضاء جغرافي واسع للحركة، وتملك بالفعل الموارد اللازمة للتصعيد.
عملية تل أبيب، تحوّلت إلى ذريعة لجيش الاحتلال لإطلاق عدوان جديد على الضفة، والغريب في المسألة، أن نشاط المقاومة ليس حدثاً جديداً هناك، بل على العكس، تتطور المجموعات في الضفة منذ سنوات وتحسِّن إمكاناتها، ويدرك الكيان هذا، وقام سابقاً بعمليات محدودة، لكنه اليوم وفي هذه اللحظة تحديداً يأخذ قراراً بتصعيد غير مسبوق، فالعملية التي أطلقت عليها وسائل الإعلام العبرية اسم «مخيمات الصيف» هي الأكبر من نوعها منذ «عملية الدرع الواقي» في 2002، التي اجتاحت فيها قوات الاحتلال مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، رداً على عملية فندق بارك في آذار من العام نفسه.

ماذا يتوقع الكيان؟

العملية تستهدف بشكل خاص شمال الضفة، وتحديداً مدن ومخيمات جنين وطولكرم ونابلس وطوباس، وتتمة بحشود عسكرية مجهزة ومدربة مع دعم جوي، ويرافقها تدمير لبنى تحتية وطرقات وحصار للمستشفيات، ولم يمض كثيرٌ من الوقت حتى بدا واضحاً أن مستوى العنف سيكون شديداً، فالأيام القليلة الماضية راح ضحيتها أكثر من 20 فلسطيني.
ما يجري تداوله حتى اللحظة عن أهداف العملية، هو «تدمير بؤر المقاومة في الضفة» وهي تكاد تكون مهمة مستحيلة، وخصوصاً أن الصحافة العبرية بدأت تُمهد لحجم الكارثة الجديدة التي ستلحق بجيش الاحتلال، ووصفت التقارير التنظيمات الفلسطينية المستهدفة بأنها «قادرة على إدارة قتال في مناطق آهلة، وتفعّل عبوات ناسفة، وقوتها غير مسبوقة في المنطقة»، وأسهبت المصادر ذاتها في توصيف المشهد في الضفة، إذ اعترفت أن فصائل المقاومة هناك تتميز «بالجرأة والتنظيم والذكاء أكثر بكثير مما كان سابقاً… وتستنسخ نماذج غزّية، كتصنيع القذائف، والتخطيط لاختراق البلدات الإسرائيلية».
وبعيداً عن التقارير الصحفية كانت الوقائع على الأرض كفيلة بتوضيح الصورة، إذ أعلن جيش الاحتلال مساء السبت 31 آب، عن مقتل رقيب في الكتيبة 906، وفي السياق ذاته أصيب قائد لواء غوش عتصيون- وهو ضابط برتبة عقيد- في عملية نفذتها المقاومة في منطقة الخليل، وأسفرت العملية عن مقتل جندي وإصابة آخرين.

لماذا هذه الخطوة الآن؟

في العرف العسكري التقليدي، تحاول القوات تركيز قواها على جبهة واحدة، وتتجنب خوض المعارك على جبهات مختلفة، لكن الوضع داخل الأراضي المحتلة يسير بشكل مغاير، إذ يسعى جيش الاحتلال لتوسيع رقعة الاشتباك مع محاولة شديدة لضبطها، ويبدو من خطط دخول الضفة، أنها ستكون مهمة صعبة، بالرغم من ذلك تأمل قوات الاحتلال إبقاء القتال مستمراً، فمن جهة برز خلال الأسابيع الماضية تناقض في تصريحات العسكريين الصهاينة مع حكومة نتنياهو وبعض السياسيين الآخرين، فبالنسبة لقادة الجيش هم يدركون أن القضاء على حماس أو تحقيق أي من الأهداف المعلنة من الحكومة هو مهمة صعبة التنفيذ ضمن الإمكانات الحالية، ويدركون أيضاً أن الكثير من المشاكل يجري افتعالها أو تضخيمها، ونقل القوات على هذا الأساس من مكان إلى آخر، ومع ذلك يجري فتح جبهة جديدة في الضفة، يمكن أن تتحول إلى ساحة معركة حقيقية، تحتاج بالتالي إلى إسناد ومزيد من القوات والموارد، وهو ما يجري الآن استنزافه في جبهة الجنوب، وبالمواجهات مع حزب الله في الشمال، ما يجعل الخطوة تبدو وكأنها خطأ عسكري، بينما جرت صياغتها لتحقيق أهداف سياسية.

القرار بفتح جبهة جديدة ينسجم فعلياً مع سياسة التوتير وإدامة الاشتباك التي تتبناها «إسرائيل» وبدعم أمريكي، فإن كانت نتائجها المعلنة مستحيلة التحقق، تظل إمكانية إلحاق ضرر بالبنى الفلسطينية هدفاً مرضياً لجيش الاحتلال، حتى ولو كانت تكاليفه كبيرة جداً، لكن وفي الوقت نفسه أثبتت التجربة أن محاولة تدمير هذه البنى هي مسألة شديدة التعقيد، وخصوصاً أنها تنمو وتتجدد بشكل أسرع من قدرة الكيان على تدميرها، وجدير بالذكر أن للضفة وضعٌ خاص لا يمكن إهماله، فهي نظرياً خاضعة للسلطة الفلسطينية بشكل مباشر، وأن أي تصعيد هناك سيزيد من الضغط عليها، ما يمكن أن يسرّع في انهيارها، أو ازدياد الانشقاقات داخل قواعد فتح نفسها، فإن كان التوسيع الجغرافي لا يزال حتى اللحظة ضمن قدرة الكيان والولايات المتحدة، إلا أن التحكم بالنتائج سيكون مسألة صعبة جداً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1190
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2024 23:10