كييف «تريد مفاوضات بلا بوتين»!
نسمع منذ بدء التوغل الأوكراني في كورسك الروسية، جملة من التحليلات لما يجري هناك فعلاً وما معناه السياسي الحقيقي، ورغم أن الأحداث التي تلت الخطوة الأوكرانية وضعت كورسك ضمن سياق طبيعي، وبعيداً، عن تسخيف ما جرى هناك، أو تضخيمه.
تمتد الحدود الروسية الأوكرانية لحوالي 2,300 كم وظلّت الحرب منذ شباط 2022 تجري بشكلٍ نشط في حوالي 50% من الخط الحدودي، ومحصورة في الجزء الشرقي منها، وعلى هذا الأساس لم يكن من الصعب إيجاد نقطة ضعف في الدفاعات الروسية، واختراقها، وتحديداً إذا ما خصص الجيش الأوكراني إمكانيات كبيرة لهذه المهمة، حتى وإن كانت هذه الإمكانيات لا تتناسب مع الأهمية العسكرية والسياسية للهدف!
في تقرير نشرته ناشونال إنتريست الأمريكية، ناقشت فيه بشكل موسع جدوى هذا التوغل، ونقلت عن جيمس هولمز رئيس «كرسي جيه. سي ويلي» للاستراتيجية البحرية في كلية الحرب البحرية الأميركية، حيث قال: «لو كان كبار الخبراء الاستراتيجيين على مر التاريخ بيننا الآن لوبّخوا قيادة أوكرانيا على هذا الهجوم» وقال: إنّه «غير منطقي من الناحية الاستراتيجية المخاطرة بالأهم من أجل شيء أقل أهمية».
في المقابل، ركّزت روسيا حتى بعد الهجوم في كورسك على الهدف الأساسي، وتابعت التقدم في الشرق، حتى باتت القوات الروسية على بعد بضعة كيلومترات من مركز لوجستي حيوي في مدينة بوكروفسك الأوكرانية، التي يعتمد عليها الجيش الأوكراني في نقل الإمدادات على طول خط الجبهة، كونها تحتوي على محطة سكة حديد رئيسية، وشبكة طرق تشكّل بمجملها شريان الحياة للقوات على الجبهة الشرقية.
أكثر ما يثير الانتباه في هذه المعركة، هو الحديث المتواتر عن التفاوض، بالنسبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كان من ضمن أهداف الهجوم على كورسك هو «تحسين الموقع التفاوضي لأوكرانيا» وقال في حديث مع صحفيين في كييف: «بالطبع ستنتهي الحرب بالحوار، لكن من الضروري أن نكون في موقع قوة قبل هذا الحوار» ومؤكداً، أن كورسك في إطار هذه «الخطة». ولكنّه في الوقت نفسه قال يوم الثلاثاء 27 آب الماضي: إن «أي محادثات سلام مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ستكون «فارغة ولا معنى لها» لأن «بوتين لا يريد إنهاء الحرب دبلوماسياً»، وأضاف: إن شروط بوتين لإنهاء الحرب هي «أن تعترف كييف باستيلاء روسيا على 30% من الأراضي الأوكرانية» وعلى هذا الأساس عبّر الرئيس الأوكراني: إن «بلاده لن تلعب هذه اللعبة مع بوتين».
وعلى هذا الأساس، نجد أن الرئيس الأوكراني يستخدم كلماته بشكلٍ دقيق ليتضح المعنى والهدف، فهناك تركيز على نيّة أوكرانيا الوصول إلى اتفاق، وأنّها كانت «مضطرة» للسيطرة على كورسك لامتلاك أوراق على طاولة المفاوضات، لكن هذا مرهون بقدرة الجيش الأوكراني على الحفاظ على الأراضي التي سيطر عليها هناك، فمن البديهي أن نسأل: ماذا سيكون موقف أوكرانيا التفاوضي إذا ما استرد الجيش الروسي كورسك، وسيطر على الموقع الاستراتيجي في بوكروفسك كما هو مرجّح؟ المسألة الثانية والأهم، أن الطريقة التي يجري التعامل فيها مع التوغل الأوكراني في كورسك تستهدف بشكل أساسي المزاج الشعبي داخل روسيا، فالهدوء الذي تعاملت معه القيادة الروسية إزاء هذا التوغل يجري تزيفه وتقديمه للجمهور على أنّه «لا مبالاة» أو «عدم اكتراث بالمواطنين الروس» وهو ما ينسجم مع النشاط الغربي، الذي يستهدف المجتمع الروسي والاستقرار السياسي داخل روسيا، أكثر من التعويل على تحقيق نصر عسكري، فالهدف هو استثمار الدماء الأوكرانية التي تسفك على الجبهة لأطول مدّة ممكنة، وممارسة ضغط شديد داخل روسيا، يستهدف قلب نظام الحكم، أو ذلك الجزء الوازن الذي يخوض مواجهة جدّية مع الغرب. لذلك يتضح مع كل يوم جديد أنه من الضروري بالنسبة للغرب استمرار الحرب لأطول مدة ممكنة، أملاً في انهيار روسيا من الداخل، وهذا ما يمكن من خلاله تفسير جوهر النشاط العسكري الأوكراني.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1190