فلسطين… شبان الألفية الجديدة يجيبون عن الأسئلة العالقة

فلسطين… شبان الألفية الجديدة يجيبون عن الأسئلة العالقة

التطورات المتلاحقة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تبدو بالنسبة للبعض «تطورات مفاجئة» فعلى الرغم من أن العمل المقاوم كان ملازماً دائماً للمشهد داخل فلسطين وخارجها، فإنه يأخذ اليوم شكلاً جديداً غير مألوف، وهو ما جعل هذه التطورات على طاولة البحث، لا بالنسبة لقادة الكيان فحسب، بل للقوى السياسية الفلسطينية التقليدية أيضاً.

تشهد الضفة الغربية تصعيداً واضحاً منذ أكثر من سنة، وتحديداً في عمليات المقاومة المسلحة التي امتدت في بعض الأحيان خارج الضفة، وصولاً إلى أراضي 48 المحتلة، تلك التي ظن الاحتلال واهماً أنه نجح في مسح ذاكرة سكّانها العرب. وتشير بعض المصادر الفلسطينية إلى أن أعداد العمليات ازدادت بشكلٍ كبير خلال السنوات القليلة الماضية. ففي العام 2020 نفذت المقاومة 29 عملية، وفي عام 2021 ارتفع العدد إلى 191 عملية، أما في عام 2022 الجاري فقد تجاوز عدد العمليات 470 عملية حتى اللحظة.
لكن المثير للانتباه، هو أن عدداً كبيراً من هذه العمليات جاء من خارج البنية الرسمية للفصائل الفلسطينية، فعلى الرغم من انتماء عدد من هؤلاء المقاومين إلى بعضها، إلّا أن عملياتهم ظهرت كمبادرات فردية عابرة للفصائل، وتحولت خلال مدة قصيرة إلى ما يشبه التنظيمات الصغيرة التي توزعت في عددٍ من المناطق الفلسطينية.

ما الذي جرى في الأيام الماضية؟

ترجّل شابٌ فلسطيني من سيارة بجانب حاجزٍ لقوات الاحتلال بالقرب من مخيم شعفاط في القدس، أطلق النار على عناصر الحاجز ليقتل مجندة ويصيب آخرين. وبدلاً من مواجهة الموقف، فضّل جنود الاحتلال الهرب من مرمى نيران الشاب بالرغْم عددهم الكبير وتسليحهم الجيد، مما مكّنه من الاختفاء في منطقة قريبة، وهو ما دفع جيش العدو لتشديد الإجراءات الأمنية، وفرض حصار على المخيم. ومع ذلك، لم ينجحوا بإلقاء القبض عليه، وخصوصاً أن سكان مخيّم شعفاط يحاولون إفشال العملية الأمنية. إذ تناولت وكالات الأنباء لقطات من أحد صالونات الحلاقة داخل المخيم يظهر فيها شبان فلسطينيون حليقو الرؤوس في محاولة لتضليل الجنود الذين حصلوا على أوصاف منفذ العملية، وكان من ضمنها أنه حليق الرأس.
الإجراءات الأمنية لم تنحصر في مدينة القدس، إذ أقدمت قوات الاحتلال على اقتحام مدينة جنين يوم الجمعة 14 تشرين الأول الجاري، وهو ما أدى إلى وقوع اشتباكات عنيفة، استشهد فيها مواطنان وأصيب آخرون. وتستمر المواجهات حتى اللحظة، وتتوقع قوات الاحتلال أن تتسع رقعة نشاط المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً بعد أن جرى تنظيم إضراب عام في مدينة القدس منذ أيام، والذي تزامن مع إعلان مخيم شعفاط حالة العصيان المدني.

تشكيلات جديدة تصعد على المسرح!

انتشرت لقطات جرى تصويرها في مدينة نابلس منذ مطلع شهر أيلول الماضي ظهرت فيها مجموعة من الشبان بحالة أشبه ما تكون لعرض عسكّري مصغر، ليكون هذا أول ظهور علني لمجموعة تدعى «عرين الأسود» التي تبنى أفرادها عدداً من العمليات السابقة ضد قوات الاحتلال. تطورت «عرين الأسود» ضمن حدود نابلس، فشكّل شبان فلسطينيون مركزاً للاستقطاب، بدأ كغرفة خصصت جدرانها لتعليق صور بعض الشهداء الشباب من أبناء المدينة. إلا أنّ نشاط المجموعة تطور سريعاً، وبدأ يأخذ شكلاً منظماً، مستفيداً من خبرة بعض الشبان في فصائل المقاومة، ومستنداً إلى تجارب سابقة مشابهة. لتنطلق المجموعة إلى العمل المسلح، وتعلن أنها ترى فيه السبيل الوحيد لتحرير الأرض. الجدير بالذكر، أن اسم هذه المجموعة لم يحتج كثيراً من الوقت حتى وُضع على قائمة الأهداف الصهيونية، بل إن المعلومات تشير إلى أن سلسلة الاغتيالات التي طالت شباناً فلسطينيين في الأسابيع والشهور الماضية، كانت تستهدف في الواقع مؤسسي هذه الحركة وبعض الناشطين فيها. مع أنّ المجموعة تعد حديثة العهد، إلا أنها تكسب شعبيةً متزايدة كل يوم، وتحديداً بين فئات شابة لا يتجاوز عمر بعضهم 18 سنة. ولكنهم وعلى الرغم من أعمارهم الصغيرة نسبياً، نجحوا في تشكيل حالة من التعاطف من قبل الشارع الفلسطيني، الذي وجد في خطاب «عرين الأسود» مستوى من النضج السياسي غاب طويلاً عن كثير من القوى التقليدية. وفي الجهة الأخرى شغلت المجموعة حيزاً في بعض صحف الصهيونية، التي أشارت إلى أن هذا النمط من المجموعات يشكّل تحديات أمنية وعسكرية حقيقية على جيش الاحتلال، كونها «تُشكل مفهوما جديداً وغريباً من ناحية اتّساع نطاقه ما يجعلها مختلفة جذرياً عن المنظمات القائمة» تلك التي اعتاد الكيان التعامل معها لعقود.
المثير للانتباه، أن «عرين الأسود» ليست المجموعة الوحيدة من هذا النمط، فهناك مجموعات أخرى مثل «كتيبة جنين» و«كتيبة مخيم بلاطة» ويمكننا الجزم بأن الأيام القادمة ستحمل لنا تشكيلات جديدة من هذا النمط، فعلى الرغم من كون هذه الظاهرة حديثة العهد، ولا تظهر امتداداتها على السطح، ولا حجم تسليحها ومصدره. لكن ما ينبغي الإشارة له، أن ما سمح لهذه المجموعات بكسب شعبية واسعة بسرعة لا يحتاج إلى كثير من البحث والتحليل. فخطاب «عرين الأسود» يستند بشكلٍ أساسي إلى الترفع عن الاقتتال والخلافات الداخلية، في محاولة لاستقطاب عموم الشعب الفلسطيني، ويركّز أيضاً على محورية العمل المسلح للدفاع عن الأرض وتحريرها، حتى إن المجموعة رفعت شعار «فليسقط غصن الزيتون ولتحيا البندقية» وقدّمت نفسها بسلوك يختلف جذرياً عن غيرها من القوى القديمة. فيربط مقاتلو «عرين الأسود» شريطة حمراء على فوهات بنادقهم، كإشارة إلى أن هذه البنادق لا تطلق الرصاص في الهواء بل إلى صدور المحتلين، هذا بالإضافة إلى أن الجانب الديني لا يعد الإطار الأساسي لهم.

الواقع الخلاق

لم يكن من الصعب الاستنتاج أن الشارع الفلسطيني سينتج ظواهر جديدة كهذه، وخصوصاً أن المهام التي يسمح التوازن الدولي الجديد بتحقيقها أصبحت ناضجة، لكن الظروف الذاتية لجزء كبير من القوى الفلسطينية التقليدية تعيق تنفيذ المطروح منها، ما يفرض على المجتمع خلق قوى جديدة قادرة على تنفيذ هذه المهام، وفي الوقت الذي ينخرط الشارع الفلسطيني بشكلٍ جدي في مجموعات كهذه، تجد الفصائل الفلسطينية نفسها أمام امتحان أخير، فإما أن تتجاوز عوائقها الداخلية وتنطلق مع عجلة التاريخ بأسرع ما يمكن، وإما ستجد نفسها خارج المعادلة تدريجياً، فاليوم لم يعد ممكناً التمسك «بغصن الزيتون» على حساب البندقية، ولم يعد من الممكن تبرير ممارسات ووجود سلطة أوسلو التي ترضى أن تلعب دور الوسيط بين قوى الاحتلال، وشباناً لم يتجاوز بعضهم العقد الثاني من العمر! والأخطر من ذلك، حين يرى الشارع الفلسطيني أن شاباً ولد في الألفية الجديدة، يدرك طريق الخلاص ويمشي باتجاهه، في مقابل سياسيين فلسطينيين «مخضرمين» لا يمكنهم حتى اللحظة إدراك أن خيباتهم لم تكن يوماً خياراً بالنسبة للشعب الفلسطيني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1092
آخر تعديل على الثلاثاء, 18 تشرين1/أكتوير 2022 10:38