رئاسات عراقية جديدة قديمة

رئاسات عراقية جديدة قديمة

نجحت القوى السياسية العراقية- بعد عامٍ كاملٍ من الاستعصاء السياسي، بما خلفه الأمر من أزمات وصراعات سواء سياسية، أو ميدانية عسكرية أو شعبية- في انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، ليقوم الأخير بتكليف رئيسٍ للحكومة الجديدة، فهل يعني هذا الأمر بداية انفراج سياسي فعلاً للعراق، أم أنه خطوة أخرى في مسار الأزمة والتوتير؟

مخرج مؤقت

تمكن جزء من القوى السياسية العراقية الشيعية والسنية والكردية وفقاً لتقسيمات «الثالوث العراقي»، من التوصل إلى مخرج لمشكلة انتخاب رئاسة الجمهورية العراقية، وذلك عقب زيارة وفدٍ مؤلف من رئيس مجلس النواب- محمد الحلبوسي، ومرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض- إلى أربيل، واللقاء مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ورغم عدم بيان تفاصيل ما دار ضمن الاجتماع، إلا أن النتيجة منه كانت انسحاب مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبر أحمد، وبقاء المرشحين الاثنين الأبرز لرئاسة البلاد من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح، وعبد اللطيف رشيد. مما أدى إلى تأريض الخلاف الكردي- الكردي من جهة، وزيادة فرص حصد أصوات البرلمان لصالح أحد المرشحين بشكلٍ أكبر.
لتنتهي الجولة البرلمانية الثانية يوم الخميس الماضي بانتخاب عبد اللطيف رشيد رئيساً للجمهورية بعد كسبه أصوات 162 نائب بمقابل 99 لمنافسه برهم صالح، وبذلك تنتهي العقبة الأولى من تشكيل الحكومة العراقية.
وفي نفس اليوم مساء، وبعدما أدى الرئيس الجديد اليمين الدستورية، قام رشيد بتكليف الوزير السابق والمرشح عن الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة العراقية، وهو الذي كان محور المشكلة السياسية الأخيرة بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، وبذلك أيضاً تم تجاوز العقبة الثانية في طريق تشكيل الحكومة، بانتظار أن يقوم السوداني بطرح تشكيلته الحكومية على البرلمان العراقي خلال مدة 30 يوماً، وهي العقبة الثالثة والأخيرة أمام إمكانية وجود حكومة عراقية جديدة منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

الموقف الصدري

بدوره أعلن التيار الصدري على لسان «وزير القائد» رفضه لما جرى واصفاً الحكومة الجديدة مسبقاً بـ «التبعية والميليشاوية» وقال: «نرفض رفضاً قاطعاً وواضحاً وصريحاً اشتراك- أي من التابعين لنا ممن هم في الحكومات السابقة، أو الحالية، أو ممن هم خارجها، أو ممّن انشقوا عنا سابقاً أو لاحقاً، سواء من داخل العراق وخارجه، أو أي من المحسوبين علينا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بل مطلقاً وبأي عذر أو حجة كانت- في هذه التشكيلة الحكومية التي يترأسها المرشح الحالي، أو غيره من الوجوه القديمة أو التابعة للفاسدين وسلطتهم... كل من يشترك في وزاراتها معهم ظلماً وعدواناً وعصياناً لأي سبب كان، فهو لا يمثلنا على الإطلاق بل نبرأ منه إلى يوم الدين».
يعني موقف التيار الصدري هذا أن الأزمة السياسية العراقية ضمن مكوناتها السياسية لا تزال بعيدة عن نهايتها، ومن جهة أخرى فإنها تشكل عقبة كبرى أمام تشكيل الحكومة بقيادة محمد شياع السوداني، وذلك فضلاً عن أية خلافات أخرى قد تنشب في هذا الخصوص، ما بين القوى السياسية الأخرى، أو حتى ما بين مكونات الإطار التنسيقي نفسه، ضمن عقلية وتنافسات المحاصصة والمكاسب والمنافع الوزارية.
كما أنه يعني استمرار موقف التيار الصدري ومطالبه بإجراء انتخابات برلمانية جديدة كلياً، وتشكيل حكومة وحدة وطنية عوضاً عن منطق المحاصصة.

ردود الفعل

على المستوى الدولي، لاقى انتخاب رشيد وتكليف السوداني ترحيباً عاماً باعتبارها شأن سياسي داخلي قد يفضي إلى استقرار سياسي وحكومي، وبالتحديد من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران اللتين تشكلان القوى السياسية الخارجية الأكثر تأثيراً بالداخل العراقي، دون تناسي السعودية وتأثيرها أيضاً، لما تشكله هذه المنطقة من تأثير على مصالح هذه الدول.
أما على المستوى الشعبي، فلم يجد هذا «التقدم» السياسي الأخير أي صدى له، كما لم ينتج عنه أي شعور بالتفاؤل بحل الأزمات الماثلة أمام العراقيين، بل العكس، حيث يعكس المزاج العراقي العام حالة عدم رضا مما جرى، وتدور مختلف الآراء على اعتبار محمد شياع السوداني والواقع الذي جاء به بكل أقاويله ووعوده بتحسين ظروف الحياة وحل الأزمات مثلها مثل واقع ووعود أسلافه و«فتراتهم الذهبية» مصطفى الكاظمي أو عادل عبد المهدي أو حيدر العبادي أو نوري المالكي، ولا يتوهم العراقيون أنه بإمكان الحكومة الجديدة، طالما أنها جاءت من نفس الدستور، ومن واقع العملية والتركيبة السياسية ذاتها منذ 2003، على حل أي من مشكلات الفساد، أو السرقة، أو السلاح المنفلت، وصولاً إلى القضايا المعيشية التفصيلية من قضايا سكن أو كهرباء أو مواصلات، مروراً بتراجع الإنتاجات والمشاريع الوطنية، من مصانع وشركات أو حتى إنتاج مواد الطاقة أو استيرادها بما يكفي حاجة البلاد، وذلك فضلاً عن لجم التدخلات الخارجية بكافة أشكالها ومصادرها.
وعليه، يبقى رهان العراقيين على امتداد تأثيرات انتفاضة تشرين الشعبية في 2019، ومطلبها الأبرز بالتغيير الحقيقي والكامل، الذي يشمل الدستور العراقي ومنظومة المحاصصة، وإخراج كافة القوى الأجنبية من البلاد ولجم تدخلاتها، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وسواء تمكنت القوى السياسية من تجاوز العقبة الثالثة بتشكيل الحكومة خلال مدة شهرٍ أم لم تتمكن، فإن حالة عدم الرضا الشعبية على كافة المستويات لا تزال قائمة، وتترتفع أكثر، مما يزيد من احتمالات حدوث نشاط سياسي عال جديد، وخروج موجة احتجاجات شعبية جديدة وعامة تشابه 2019 في أية لحظة مستقبلاً، إلا أن شرط نجاحها بفرض مطالبها، كان ولا يزال يتعلق بإمكانيتها على تنظيم نفسها بدرجة عالية، وتقديمها برنامجاً وخارطة طريق سياسية، وممثلين لها بما يشكل بديلاً فعلياً عن المنظومة القائمة، تلتف حوله أغلبية الجماهير العراقية، ودون تحقيق ذلك فمن غير الممكن توقع نتيجة مختلفة عن مجريات 2019 عبر تسلّق القوى السياسية التقليدية للحركة ومطالبها، واستمرار عمل المنظومة نفسها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1092
آخر تعديل على الثلاثاء, 18 تشرين1/أكتوير 2022 10:37