بعد حشد المنتجين الأساسيين في جبهة واحدة ما هي النتائج المتوقعة لهذه المواجهة؟

بعد حشد المنتجين الأساسيين في جبهة واحدة ما هي النتائج المتوقعة لهذه المواجهة؟

في فجر يوم 24 شباط 2022 انطلقت الصواريخ الروسية عالية الدقة باتجاه أكثر المواقع العسكرية الأوكرانية استراتيجيةً، لتتبعها عملية عسكرية واسعة في أراضي الدولة المجاورة، هذه اللحظات والتي جاءت كنتيجة لأحداث ممتدة لعقودٍ من الزمن، كانت بمثابة إعلانٍ عن بدء المرحلة الأخيرة والنهائية والأكثر جذرية من التحولات التي شهدها العالم في السنوات الماضية. فما هي الحقائق جرى تثبيتها حتى اللحظة؟ وما هي أبرز الأسئلة المطروحة؟

على الرغم من أن خط الاشتباك العسكري المباشر لم يتجاوز الحدود الروسية الأوكرانية بعد، إلّا أن آثار هذا الاشتباك غدت، دون شك، عالمية التأثير، وهو ما تعترف فيه كل دول العالم بغض النظر عن السياق السياسي الذي يجري ضمنه عرض هذه الحقيقة. فمن ارتفاع أسعار الخامات الرئيسية في العالم، والهزات التي تتعرض لها سلاسل التوريد، وصولاً إلى كل أشكال التداعيات السياسية والاجتماعية التي بات من الممكن رصدها في كلّ القارات والدول. كل هذا ثبّت دون شك أن الحدث لم يكن ولن يكون حدثاً محلياً، وأن الموقع الفيزيائي- الجغرافي للاشتباك العسكري لا يعكس أبداً حدود الاشتباك الجغرافي- السياسي الفعلي.
إلى جانب تثبيت عالمية الصراع الجاري، وتحديد أطرافه بخطوط عريضة قابلة للتغيير بين الغرب والشرق، يمكن القول: إن الحقيقة الأخرى التي لم تعد موضع شك، هي أن الآجال الزمنية لهذه الحرب ستكون بين المتوسطة أو الطويلة، ولن تكون حرباً سريعة خاطفة. وهذا يستوجب إعادة قراءة بعض المعطيات في سياقها الصحيح، وبعيداً عن عمليات التشويه المتعمدة.

هل وضعت روسيا آجالاً زمنية أصلاً؟

سيطرت في الأيام الأولى للمعارك قناعة مفادها أن روسيا لن تحتاج سوى أيام قليلة لحسم الأمور في الميدان لصالحها، وذلك على الرغم من التأكيدات الروسية المتكررة وعلى كافة المستويات أن نهاية العملية مرهون بتحقيق أهدافها، إلا أن المقارنة الأولية بين الجيش الروسي الكبير ذو التسليح الحديث والمتطور في مقابل الجيش الأوكراني ذو الإمكانيات المحدودة كانت كفيلة بتمرير أفكار من هذا النمط، دون الأخذ بعين الاعتبار جملة من المسائل كان أولها: حجم القوات الروسية التي جرى تخصيصها لهذه العملية، والتي تقل بكثير من حيث أعدادها عن القوات في الخندق المقابل، وحجم الإمدادات التي جرى ضخها إلى أوكرانيا عبر دول الناتو وبشكلٍ معلن، وهو ما حوّل المقاتلين على الجبهة الأوكرانية إلى رأس حربة لدول الناتو مجتمعة، والتي نجحت حتى الآن بإرسال آلاف الأطنان من العتاد العسكري التقليدي والنوعي، وأمدت الجيش الأوكراني بشخصيات عسكرية نوعية مدربة تحت غطاء «المقاتلين المتطوعين» هذا بالإضافة إلى أن القيادة الفعلية للعمليات العسكرية لا تتم من قبل العسكريين الأوكرانيين، أو على الأقل تجري ضمن تغطية استخباراتية شاملة من قبل الغرب.
على الرغم من أن القيادة السياسية أو العسكرية الروسية لم تضع آجالاً زمنية لهذه العملية، إلا أن الإمكانات التي يجري ضخها على الجبهة الأوكرانية شكّلت دون شك تحديات جِسام أمام القوات الروسية، ولا يمكن اليوم معرفة التوقعات السابقة لدى الاستخبارات الروسية عن سير هذه العملية العسكرية، لكن يمكننا القول أن متفائلين كُثر لم يتوقعوا حرباً طويلة، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أن روسيا لم تضع في حساباتها احتمالاً جدياً بأن تتحول هذه الحرب إلى ساحة للمواجهة مع الغرب، وخصوصاً أن الرئيس الروسي في لحظة إعلانه عن بدء هذه العملية العسكرية أعلن أحد أهدافها هو حماية روسيا من «أولئك الذين احتجزوا أوكرانيا كرهينة، ويستخدمونها في وجه روسيا وشعبها» وتذكُر الخطاب الرئاسي في فجر يوم 24 شباط في السياق التاريخي الذي تطورت فيه هذه المسألة، ليصبح الحديث عن أوكرانيا جزءاً بسيطاً من حديث موسع حول مسائل الأمن في أوروبا، وتداعيات الهيمنة الأمريكية عليها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

ينتصر من يصمد حتى النهاية

استمرار هذه الحرب لفترة طويلة يعني أن المنتصر فيها سيكون الطرف الذي يستطيع تحمل أكبر قدرٍ من الخسائر دون أن ينهار. ومن هذه الفكرة تحديداً تبدو تبعات الحرب الطويلة أثقل على الغرب منها على روسيا، فآثار العقوبات الغربية التي يجري فرضها على موسكو لم تؤدِّ إلى النتائج المرجوة منها، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد ساهمت هذه الإجراءات برفع أسعار جميع صادرات روسيا الأساسية، والتي تتسم جميعها بكونها سلعاً استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها، وتحديداً كونها تأتي من مصادر محدودة، فروسيا التي ستواجه دون شك صعوبات في تصريف صادراتها، ستنجح ضمن آجال زمنية قصيرة في إيجاد أسواق أخرى، وستعوض الأسعار المرتفعة حالياً عن تأخير تصريف صادراتها التقليدية. في المقابل، يعاني الغرب منذ اللحظة الأولى لهذه الحرب من صعوبات كبرى في تأمين النقص، مما سيرفع تكاليف استيراد السلع الأساسية، ويرفع من عجز موازنات هذه الدول، مما يقلل فرصها في الصمود طويلاً في حربٍ كهذه.

أهداف الولايات المتحدة

عَبّر جو بايدن، أنه يأمل أن ينهار النظام الروسي الحالي سريعاً، وأضاف مسؤولون آخرون بأن سياسة واشنطن في هذا الخصوص تهدف إلى عزل روسيا عبر حزمات شديدة من العقوبات تضمن حدوث اضطرابات داخلية، مما قد يسرع حدوث تغيير سياسي عميق في روسيا في الاتجاه المطلوب غربياً، لكن وفقاً لتطور الأحداث الجارية، فإن الاضطرابات السياسية ستكون من نصيب أوروبا وواشنطن، التي بدأت تهتز أمام تأثيرات العقوبات، لكن إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية أخرى أكثر اتساعاً، فنرى أن واشنطن كانت تطمح في استراتيجيتها هذه لتوريط المنافسين في صراع فيما بينهم، والمقصود هنا كل الدول الصاعدة في الشرق، بالإضافة إلى المنافس الأوروبي القديم، وهو ما بدأ يخلق جملة من التناقضات بين النخب الأوروبية فيما بينها من جهة، وبينها وبين والنخب الأمريكية من جهة أخرى. وفي المقلب الآخر، الطريقة التي تعاملت فيها روسيا مع القوى الأخرى المؤثرة في العالم والقائمة على تبادل المنفعة المشتركة سمحت لها ببناء جبهة سياسية- اقتصادية متينة، تشمل قوى مؤثرة في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى قوى صاعدة، مثل: الهند والصين، والتي تضررت جميعها من الهيمنة الأمريكية، وما رافقها من نهب لثروات هذه المناطق. أي إن الهدف الاستراتيجي الأمريكي في تأخير صعود المنافسين لا يملك حظوظاً وفيرة في البقاء، وخصوصاً أن هؤلاء المنافسين- إذا استثنينا الدول الأوروبية- يضعون سياستهم الخارجية بما يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة من جهة، ويقربهم من بعضهم البعض. هذا بالإضافة إلى أن هذا التحالف الجديد الذي يترسخ يضم بين صفوفه قائمة المنتجين الأساسيين في العالم، ويشكّل- مجتمعاً- أكبر أسواق التصريف على مستوى العالم. وإذا استمرت هذه الحرب لمدة زمنية طويلة، هذا يعني أن على كل طرف فيها تأمين موارده وأسواق تصريفها بالاعتماد على قدراته الذاتية، وهي مهمة لن تنجح واشنطن في إتمامها، والتي تخلت تدريجياً عن ميادين الإنتاج الحقيقية منذ زمن، ولن تنجح الدول الأوروبية التي اعتمدت على مصادر الطاقة الرخيصة- كإحدى ميزاتها الأساسية في التنافس- في إيجاد البدائل بالسرعة المطلوبة. مما يعني في نهاية المطاف، أن كل يوم إضافي في هذه الحرب وإن كان يحمّل الشعب الروسي خسائر حقيقية، إلا أنه يسرّع عملية التحول الجارية في العالم، وسيسمح بتحقيق أهداف استراتيجية أبعد من مجرد العودة إلى توازنات ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1074
آخر تعديل على الإثنين, 13 حزيران/يونيو 2022 00:01