قصّة غرام صينية- باكستانيّة
إعداد: أوديت الحسين إعداد: أوديت الحسين

قصّة غرام صينية- باكستانيّة

في شهر أيّار صدح صوتان من الصين وباكستان بأغنية تقول: «العالم سيرى حبنا». المطربة التي تغني بلغة المندرين والمطرب بلغة الأوردو، أرادا تجسيد العلاقة الجيوسياسية «الرومانسيّة» بين البلدين، والتي أكّد عليها كلا الجانبين مراراً وتكراراً.

بدأت القصّة في 1976 عندما قام رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو بلقاء ماو تسي تونغ بآخر ظهور رسميّ له. التزم بوتو حينها بدعم الصين في الخلافات الدولية، مقابل التزام الصين بنقل التكنولوجيا النووية لباكستان. ومنذ ذلك الحين، والعلاقات الصينية- الباكستانيّة مستمرة، مع زيادة في العمق في الجانب الاقتصادي في العقد الأخير.

العُذّال

مثل جميع قصص الغرام التي تأسر المشاهدين، لا بدّ وأن يكون هناك «عُذّال» ولائمون ينبشون عن الخلافات بين الحبيبين. وهي في حالنا: الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة والإعلام المؤتمر بأمرها.
يقول هؤلاء: ما الذي يجمع بين الصين، وهي القوة العظمى التي تملك حقّ النقض في مجلس الأمن، وأسرع اقتصاد في العالم من حيث النمو، وذات الفائض التجاري البالغ 422 مليار دولار، والتي احتفلت منذ فترة وجيزة بانتشال سكانها من الفقر المدقع، مع الباكستان الفقيرة التي لا تملك المال، والمضطرّة لاستجداء صندوق النقد الدولي، والتي تقع في مؤشر التطور البشري في المركز 152 من أصل 189 كأدنى بلد مرتبة في آسيا؟ هل يمكن أن يكون هناك ما يجمع بين هذين إلّا الاستغلال؟
ولا ينسى هؤلاء أن يتساءلوا: كيف لباكستان، الدولة المسلمة، أن تقبل بمدنية الدولة الصينية «وباضطهاد» الأقليّة المسلمة الأوغورية، دون أن تقع في خطر انقلاب شعوبها على سياساتها الخارجية؟ كيف للصلوات الباكستانية لهطول المطر، أن تلتقي بتكنولوجيا الاستمطار الصينية دون أن تتضارب الإيديولوجيات والشعوب!؟
ليس علينا أن ننسى بأنّ هذه التساؤلات يطرحها الغرب ليس عن طريق سياسييه وإعلامه فقط، بل أيضاً عبر السياسيين الباكستانيين الذين تلقوا تعليمهم في إنكلترا والولايات المتحدة، ويعيشون هناك أو في دول الخليج العربي.

1020-i2

الجغرافية- السياسية

ربّما نجد الأجوبة الأمثل عن التساؤلات في الجغرافية- السياسية. في 1963 اتفقت الصين وباكستان على ترسيم الحدود بين منطقي تشينغيانغ الصينية وكشمير الباكستانية، لإزالة نقطة خلاف رئيسية كانت لتنفجر مراراً كما في الحالة الهندية- الصينية. ثمّ في 1986 افتتح البلدان أكبر طريق سريع دولي «كاراكورام» بطول 1300 كلم، يعبر جبال ارتفاعها 4500 متر.
منذ 2015 يقوم البلدان ببناء بنية تحتية ضخمة بقيمة 50 مليار دولار كجزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية. ميناء غوادار، أعمق ميناء بحري في العالم والواقع على بحر العرب، سيوفّر للصين طريقاً مباشراً إلى الشرق الأوسط وشرقي إفريقيا. روسيا وبلدان آسيا الوسطى الذين لا يملكون طرق وصول مائية إلى هناك، سيكون لهم خيار الوصول إلى المياه الدافئة عبر غوادار.
أمّا أفغانستان الواقعة تحت الاحتلال الأمريكي منذ 2001، فهي بدورها ترغب بالانضمام إلى الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني. ورغم أنّ الولايات المتحدة تحاول عدم الانسحاب من أفغانستان، فحال إغلاق باكستان لسمائها وطرقها البرية أمام القوات الأمريكية، لن يتبقى للأمريكيين مدخل إلى أفغانستان. ومن الواضح أنّ العلاقة المتزايدة الصينية- الباكستانية ستشكّل حافزاً للباكستانيين لرفض طلب الأمريكيين.
دولة أخرى توتّر الأوضاع مع الصين سيكون عليها إعادة حساباتها هنا كي لا تفوّت على نفسها قطعة من عرس العلاقات الآسيوية: الهند. من المحتمل أن تواجه الهند صعوبات جيوسياسية بسبب استجابتها للولايات المتحدة للانضمام إلى الرباعية بهدف الضغط على الصين، فالأعداء الذين سيكون عليها مواجهتهم أكثر من الأصدقاء، علاوة عن التهديدات الأمنية التي ستنشأ من خياراتها الاقتصادية. من الغالب أن تفضّل حكومة- ما بعد مودي- السلام الإقليمي على أخذ جانب في الصراع بين الصين وباكستان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1020