العراق وتوتير ما قبل الانسحاب الأمريكي
أقيمت في العاصمة العراقية بغداد يوم الثلاثاء الماضي تظاهرة حاشدة دعا إليها نشطاء وتنظيمات من الحراك التشريني العراقي، استمراراً لحراك 2019 وتأكيداً على مطالبه، مضافاً إليها التشديد على محاربة الفساد ومحاسبة المتظاهرين و«تحقيق الرقابة الدولية على الانتخابات».
لم تجر التظاهرة بغير المتوقع بالنسبة للعراقيين، حيث انتشرت قوات الجيش العراقي في العاصمة قبل يوم واحد، وتخلل التظاهرة قمع ومواجهات وأعمال شغب واتهامات بوجود «مندسين»، وأفضت المواجهات إلى جرحى لدى كلٍ من المتظاهرين وقوات الأمن، وإجراء عدة اعتقالات.
قبل التظاهرة بيوم تم استهداف قاعدة عين الأسد التي تحتوي قوات أمريكية بهجوم صاروخي بعد تهديدٍ من تنسيقيات المقاومة العراقية في وقت سابق، وأثناء التظاهرة في بغداد صدرت أنباء عن انفجار سيارة مفخخة في الأنبار غربي البلاد.
أدت هذه الأحداث الثلاثة إلى التذرع بها لقمع التظاهرة والحدّ من توسعها وتكرارها، مضافاً إليهم ما جرى بين قوات الحشد الشعبي ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وانتشار القوات العسكرية لكلٍ من الجهتين في العاصمة بغداد ومحيط المنطقة الخضراء، وصولاً إلى الدبابات، مما أدى إلى وقف مد التظاهرات مؤقتاً.
أدى اعتقال قائد عمليات الأنبار بالحشد الشعبي (المنطقة التي جرى بها تفجير السيارة المفخخة) من قبل القوات الأمنية العراقية إلى استفزاز واضح وصريح لكيان الحشد بغطاء قانوني وقضائي، مما دفع الأخير إلى دفعه وتوريطه بردود فعلٍ تمثلت بنشر قواته في العاصمة بغداد، ومحاصرة المنطقة الخضراء واتهامه بتهديد الدولة وإضعافها... ويعتبر الحشد الشعبي أنه لا مشكلة باعتقال القيادي السابق، إلّا أن الخلاف يكمن بالطريقة التي تم بها ذلك والجهة التي نفذتها، معتبراً أن هناك جهة مختصة ضمن الحشد يجب العودة إليها قانوناً، وتجري المفاوضات على إطلاق سراح القيادي، وإقالة رئيس لجنة مكافحة الفساد أحمد أبو رغيف من منصبه لإنهاء التوتر وتخفيض التصعيد الجاري.
لا تزال حتى اللحظة المشكلة قائمة، ومن غير الواضح كيفية حلها، لكن ما يهم الإشارة إليه ليس الأسباب القريبة المباشرة والذرائع خلف هذا الحدث، إنما وقوعه أساساً وإشارته إلى طبيعة المنظومة العراقية القائمة، ومدى التفسخ الجاري في مؤسساتها سواء التابعة للحكومة مباشرة أو غيرها، والأكثر من ذلك، بالتركيب مع الحراك العراقي، طبيعة تطور الأحداث وازدياد حدة الصراع والتوتير داخل البلاد، ويكون السبب الخفي خلف ذلك هو استمرار وجود القوات الأجنبية والتدخلات الخارجية جميعها، مما يعرقل حلحلة الأزمات وتنفيذ مطالب الحراك بالتغيير، ويزيد الأوضاع سوءاً، الأمر الذي تدفع به واشنطن نفسها كما في كل منطقة سابقة انسحبت منها، بصنع توتير كبير يتلاقى الخروج به مع لحظة انفجاره لإشعال المنطقة، وإضعاف الجميع، وضرب الكل بالكل وإدامة الفوضى، لكن وعلى أية حال لم تحقق هذه الخطة حتى الآن أيّاً من طموحاتها، فسرعان ما يجري تأريضها وتخفيضها ولن يكون العراق استثناءً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1020