مأساة الجيش الإمبراطوري

مأساة الجيش الإمبراطوري

يثير الوضع الحالي للقوات المسلحة الأمريكية قلقاً جدياً بين العديد من الخبراء الأمريكيين، ليس لأن الجيش الأمريكي يفتقر إلى الأسلحة أو المال أو فرصة «التدريب» خلال الصراعات العسكرية العديدة التي أطلقتها الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم أو «المناورات» الاستفزازية التي نظمتها على مقربة من حدود ما تسميهم بـ«الخصوم الرئيسيين» لواشنطن أي: روسيا والصين. بل لأنه، كما لاحظ الخبراء الأمريكيون، فإنه من الصحيح أن القوات المسلحة الأمريكية هي القوة القتالية الأكثر تجهيزاً في التاريخ، غير أنها صاحبة التكلفة الأعلى التي لا يمكن مقارنتها مع الآخرين.

أحرزت القوات البرية الأمريكية تقدماً كبيراً في الاستعداد القتالي لوحداتها، ولكنها ببساطة لا تملك الأفراد المحاربين والقوى العاملة اللازمة والكافية لإنجاز كل ما هو مطلوب منها. وينطبق الشيء ذاته على سلاح مشاة البحرية الذي تقرر تقليص حجمه من أجل تحرير الأموال لتحسين القدرات القتالية والعملياتية التي سيحتاجها في الحرب المقبلة، وفقا لصحيفة «The National Interest».

الأزمة الاجتماعية تعزز الأزمة العسكرية

تبلغ الميزانية العسكرية الأمريكية للسنة المالية 2021 ما قيمته 740,5 مليار دولار. حيث إن أنظمة الأسلحة المتطورة والعساكر الذين يبلغ تعدادهم 1,282,000 جندي في جميع فروع الجيش هي عوامل تجعل من الجيش الأمريكي منافساً كبيراً للقوى العالمية الأخرى، ناهيك عن الدول الأصغر حجماً والأقل تنظيماً. ومع ذلك، تحت غطاء «النجاح» و«التفوق» تكمن مجموعة من الأزمات التي يحملها الجيش الأمريكي من مجتمع أمريكي يعاني بدوره من أزمة شاملة وعميقة. ووفقاً للخبراء الأمريكيين فإن نقطة الضعف الأكبر في الجيش الأمريكي هي الشعب الأمريكي ذاته.
وكان أحد الشواغل الرئيسية هو لياقة المجندين الحاليين للخدمة العسكرية، حيث إن ما يقرب من 75% من الفتيان و80% من الفتيات في الولايات المتحدة غير لائقين بدنياً للخدمة العسكرية الفعلية. ولهذا السبب، فإن نقص الأفراد في الجيش الأمريكي قد يصبح قريباً أزمة مزمنة، الأمر الذي قد يؤدي إلى عجز البنتاغون حتى مع وجود معدات جديدة وميزانية عسكرية كبيرة.
وحتى اليوم، يبلغ عدد الاحتياطيين المدربين في الجيش الأمريكي حوالي 14 مليون شخص، معظمهم من الأميركيين الأكبر سناً الذين خدموا منذ فترة طويلة منذ 1990-2010. ما يجعل هذا «الاحتياطي الذهبي» الذي تتفاخر به واشنطن متخلفاً بطبيعة الحال عن اللحاق في أيّ تطور كبير قد يحصل نتيجة التوتير الذي تقوم به السياسة الأمريكية في الخارج.
أما الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و24 عاماً، والذين كان ينظر إليهم دائماً على أنهم العامل الرئيسي في تجديد الجيش، فهم اليوم غير مناسبين عملياً لمعظم المهام الضرورية. ويؤكد البنتاغون بأن حوالي 71٪ من المجندين و84٪ من المجندات لا يستطيعون اجتياز اختبارات الأهلية العسكرية لثلاثة أسباب رئيسية: السمنة، وعدم إكمال التعليم الثانوي، والسجلات الجنائية غير النظيفة. وكما تؤكد صحيفة «USA Today»، فإن مشكلة الجيش تسلط الضوء فقط على أزمة شاملة كامنة في البلاد، حيث تواجه المؤسسات الحكومية الأخرى، فضلاً عن الشركات الخاصة، انخفاضاً مماثلاً في لياقة الشباب.

تراكم التفوق في الضفة الأخرى

يُظهر نقص الأفراد العسكريين بوضوح أن عملية تدهور جيل الشباب في الولايات المتحدة اليوم قد وصلت إلى مرحلة فارقة. حيث انخفاض مستويات المعيشة، وعدم كفاية التغذية، وسوء السكن، والحرمان من التعليم الثانوي الشامل، والرعاية الطبية المنتظمة، تعني أن الفتيان والفتيات الأمريكيين الذين نشأوا في ظروف قاهرة في الكثير من الحالات غير مؤهلين لمعايير الخدمة العسكرية. بالإضافة إلى أن مسائل المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية تنتشر الآن على نحو يعيق بشكلٍ جدي عمل الجيش الأمريكي وآلياته التنظيمية.
بالإضافة إلى ذلك كله، لا يريد الجميع اليوم الخدمة العسكرية، وكما أظهرت دراسة أمريكية حديثة، فإن الخدمة العسكرية لم تعد تعتبر بمثابة علامة شرف في الولايات المتحدة. وذلك بالرغم من كل الحملة الدعائية التي روّج لها البنتاغون حول «بطولات» الجيش الأمريكي بما في ذلك التكلفة الهائلة للإنتاج الهوليودي السينمائي السنوي لهذا الغرض.
نتيجة لذلك، بُذلت محاولات لإنشاء وحدات عسكرية من «جنود دون المستوى المطلوب»، لكنها تكبّدت خسائر مفرطة حتى في وقت السلم، وثبت أنها غير مناسبة على الإطلاق لظروف القتال. ناهيك عن أن نسبة الجنود الأمريكيين المصابين في التوترات العسكرية التي يقوم بها البنتاغون في تزايد مطرد.
على الضفة الأخرى، فإن العلاقات بين الخصمين الرئيسيين لواشنطن، روسيا والصين، هي في أفضل حالاتها ليس بتأثير الرابط المشترك بين القوتين وهو مناهضتهما للهيمنة الأمريكية فحسب، بل وكذلك لأن سيل العقوبات المفروضة على الجانبين تدفعهما بالضرورة إلى تمتين الروابط المشتركة والعمل المنسّق على الصعد كافة، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، حيث تعتمد إحدى الدولتين غالباً على الدولة الأخرى لتأمين الكثير من المواد التي يصعب الوصول إليها بسبب العقوبات الغربية، وهو ما يعني أن الميزة التي افترض الغرب أنه سيحصل عليها من جراء فرض العقوبات تحوّلت هي ذاتها إلى فرصة بيد القوى التي لها مصلحة في كسر الهيمنة الغربية.
لذلك، ليس من المستغرب أن تنشر وسائل الإعلام الأمريكية مؤخراً وعلى نحو متزايد، اعترافات الخبراء العسكريين بأن جيش الولايات المتحدة ليس مستعداً اليوم للمنافسة، ليس فقط بمواجهة روسيا أو الصين، بل ليس قادراً حتى على حفظ ماء وجهه في الحرب التي اختلق ذرائعها في أفغانستان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1021