التنين الصيني يتحرك؟
يبدو أن الدول الغربية لا تزال مصرة على إنكار الوقائع، ظناً منها أنها لا تزال، بقيادة الولايات المتحدة، «شرطي العالم» وليرفعوا سوط العقوبات بعد تدخلات وذرائع «الحريات والحقوق الإنسانية والديمقراطية» بوجه كل من يخالف مصالحهم، دون رد.
يقال: إنه وفي بعض الأحيان قد تلزم إيقاظ النائم صفعةً تبعده من دُنيا التوهم والخيال، وكل الأمر أن التنين الصيني لم يفعل بعد سوى أنه أخذ شهيقاً صغيراً جداً، محذراً من نيرانه، لتفرض بكين عقوبات على كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا رداً على تدخلاتهم وعقوباتهم.
فقد فرضت الدول المذكورة آنفاً جملة عقوبات على كيانات ومسؤولين صينيين بذريعة المسألة القديمة- الجديدة المتعلقة بمنطقة شينجيانغ والأكاذيب حول «القمع» و«العنف» و«الإبادة الجماعية» بحق المسلمين الإيغور فيها، من قبل السلطات الصينية، الأمر الذي رفضته بكين مراراً وكشفت زيفه، إضافةً إلى ذلك فلم يعد يخفى على أحد عموماً التكتيك والنهج الغربي بإلقاء تهمٍ مزيفة وضخها إعلامياً وعالمياً بغية تبرير الخطوات العدائية اللاحقة على الدول المستهدفة.
يكمن الفرق اليوم بإطلاق هذه التهم وخطاها اللاحقة بين موقع قوة أو ضعف، وقد عبر عن ذلك مستشار الدولة الصيني يانغ جيتشي بوجه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أثناء لقائهم قبل نحو أسبوعين، بقوله «إنّ الولايات المتحدة لا تمتلك المؤهلات التي تخوّلها القول بأنّها تريد أن تتحدّث إلى الصين من موقع قوّة».
وفي الوقت الذي فرضت به الدول الغربية عقوباتها على الصين بما يمثل تدخلاً واضحاً بشؤونها الداخلية وسيادتها، جاءت العقوبات الصينية رداً عليها، ومن منطلق الدفاع عن شؤونها، ونتعمد هنا ذكر هذه «البدهية» كردٍ مسبق على المحاولات القديمة والجارية الآن بوضع الصين والولايات المتحدة بمساواة بعضهما البعض، المساواة بين السبب والنتيجة، أو الجلاد والضحية، والمصالح بينهما.
العقوبات الصينية
العقوبات الصينية على الاتحاد الأوروبي شملت 10 مواطنين بينهم نواب في البرلمان الأوروبي، و4 كيانات، وحول بريطانيا فقد أعلنت الخارجية الصينية فرضها عقوبات على 9 أشخاص و4 كيانات، كما حظرت على الجهات الصينية التعامل مع الجهات البريطانية المشمولة بالعقوبات، ويحظر على البريطانيين المشمولين بها دخول الأراضي الصينية، أو ممارسة الأعمال عليها، ومن بينهم لجنة حقوق الإنسان التابعة لحزب المحافظين البريطاني، والزعيم السابق للحزب إيان دانكن سميث، وعدد من النواب البريطانيين، من بينهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني توم توغندهات، وعضوا مجلس اللوردات ديفيد إلتون وهيلين كينيدي.
وبعد بضعة أيام أعلنت الخارجية الصينية فرض عقوبات على أفراد وكيانات من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، طالت رئيسة اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية «USCIRF» غايل مانشين، ونائب رئيس اللجنة توني بيركنز، وعضو البرلمان الكندي مايكل شونغ، واللجنة الفرعية لحقوق الإنسان الدولية التابعة للجنة الدائمة لشؤون الخارجية والتنمية الدولية بمجلس العموم الكندي.
وقد أوجدت حملة العقوبات هذه ردود فعل واسعة من الدول المعنية، لتتباكى على نفسها بها من تجرؤ الصين الدفاع عن نفسها بهذا الشكل! ليؤكد رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي أن هذه العقوبات لن تبقى دون رد، ولتستدعي بريطانيا سفير الصين في لندن لتقدم احتجاجها عليها، ويصرح رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو بأن هذه العقوبات غير مقبولة، ويعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتون بلينكن تنديد بلاده بهذه العقوبات، ولكن أيّاً منهم لا يرى بعقوباته سوى «الحق».
إن هذا التحرك الصيني السياسي الواسع بهذا الشكل الذي شمل ثلاث دول غربية إضافة إلى الاتحاد الأوروبي يُعد الأول من نوعه، ولن يكون الأخير بطبيعة الحال، وبات يعتمد ذلك لا على رغبة الصينيين، بل على الخطوات الغربية اللاحقة التي لن تبقى دون مثل هذه الردود، إن استمرت على نهجها، ولم تبدأ بتفهم سياسيات التعاون والتكافؤ واحترام السيادة المتبادلة في عالم التعددية القطبية الناشئ.
تفاهمات صينية روسية إيرانية
بالتوازي مع حالة التصعيد الصيني- الغربي الجارية، والتناقضات التي تعوم وتتفاعل فيما بين الغربيين أنفسهم، جرى اللقاء الصيني الروسي بزيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى بكين، وتمديد «معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون» لمدة 5 سنوات بشكل تلقائي، وعمد الجانبان الروسي والصيني على تأمين وحماية علاقاتهما المالية والتجارية من تهديدات الدول غير الصديقة، وفي هذا الصدد دعا لافروف من جديد إلى الاستعاضة عن الدولار بالعملات الوطنية في التسويات المتبادلة بين الدول لخفض مخاطر العقوبات الأمريكية.
وفي يوم السبت جرى توقيع معاهدة إستراتيجية للتعاون المشترك بين الصين وإيران مدتها 25 عاماً، وأكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي من طهران: أن علاقات البلدين لن تتأثر بالظروف اليومية، وهي دائمة وإستراتيجية، وأشار السفير الإيراني في بكين، بأن الوثيقة ستحدد قدرات التعاون بين البلدين «خاصة في مجالات التكنولوجيا والصناعة والنقل والشحن والطاقة»، حيث تتضمن استثمارات بنحو 400 مليار دولار على مدى 25 عاماً.
وتأتي هذه التفاهمات والمعاهدات بين هذه الدول الثلاث في الوقت الذي تحاول به واشنطن دق أسافين خلاف وصراع فيما بين روسيا والصين، ومحاولة استمالة طهران بعيداً عن الشرق، عبر مناورات الملف النووي الإيراني، ليؤكدوا من جديد، وبشكل واضح، عدم جدوى هذه الخطط الأمريكية.
نكتة أمريكية
كان من المضحك حقاً اقتراح الرئيس الأمريكي جو بايدن، في حديث هاتفي له مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم الجمعة إنشاء بديل لمبادرة «حزام واحد- طريق واحد» الصينية، قائلاً: «تحدثت عن ضرورة وجود مبادرة مماثلة لدينا أيضاً، من جانب الديمقراطيات، لمساعدة تلك المجتمعات في جميع أنحاء العالم التي تحتاج حقا إلى المساعدة».
اقتراح في الوقت الذي تمر به الولايات المتحدة بحالة تراجع وانكفاء مزمن ومديد، مصحوب بإنذارات يعلو صوتها بمرور الوقت، تشير باقتراب انفجار الأزمة داخل أمريكا وموت الدولار عالمياً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1011