«نار وغضب» وجنون أمريكي؟

«نار وغضب» وجنون أمريكي؟

كتب، فين كونينغهام، مقالاً يقول فيه: أنّه وبعد فشل حملة «العمالة لروسيا» العام الماضي، يبدو أنّ الوقت قد حان لحملة جديدة لإجبار ترامب على الاستقالة، فيقول: «بعد فشل خصوم ترامب السياسيين المحليين لصق روسيا_ غيت به، قد يكونون قد وجدوا صيغة خبيثة في المسألة المتعلقة بصحّة الرئيس العقليّة».

إنّ مضي ترامب للفحوص الطبيّة هذا الأسبوع، يوقد تكهنات وسائل الإعلام بإمكانيّة إيجاد الأطباء لدليل على عدم الاستقرار النفسي لترامب. انفجرت فقاعة جنون ترامب في وسائل الإعلام السائدة، بعد صدور كتاب مايكل وولف: «داخل بيت ترامب الأبيض» الذي يقتبس أقوال موظفي البيت الأبيض، وأعضاء طاقم ترامب ومساعديهِ وأفراد عائلته، والذي يقول الكاتب: أنّهم جميعاً يعلنون بأنّ ترامب يعاني من مشكلة عقلية.
الارتياب الأمريكي
ويقول، وولف: أنّه التقى بحوالي مائتي شخص من البيت الأبيض خلال 18 شهراً، وكان أحد مصادره الرئيسين هو: ستيف بانون، رئيس طاقم ترامب الاستراتيجي السابق. وقد أنكر بانون أقوال وولف، وأعلن بأنّه تمّت إساءة الاقتباس عنه. وكذلك فعل الكثيرون من أعضاء البيت الأبيض الذين وصفوا الكتاب بأنّه «عمل قمامة خيالي». وترامب نفسه علّق عليه، بأنّه «كتاب زائف» وأنّه لم يلتقِ الكاتب على الإطلاق.
وبغض النظر، فقد تمّ وصف الرئيس ترامب في الإعلام بأنّه: «مصاب بالارتياب وغير مستقر ومتهور وببغاء وصبياني وغير مثقف». وليست هذه هي المرّة الأولى التي يتمّ التشكيك فيها بصحّة ترامب العقليّة، فكما يقول الكاتب: «حذّر العديد من مختصي الصحّة النفسية المشاهير في الجامعات الأمريكيّة منذ أشهر، وبشكل علني بأنّ الرئيس الخامس والأربعين قد لا يكون مؤهلاً للاضطلاع بواجباته كرئيس».
ويقول الكاتب: «خصوم ترامب السياسيون من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين، وقسم كبير من الإعلام، مع شخصيات رئيسة من المسؤولين العسكريين والأمنيين في الدولة العميقة، لم يقبلوا منذ البدء بانتخاب دونالد ترامب عام 2016، وكانت البداية مع حملة تشويه ترامب بفضيحة روسيا_ غيت وإجباره على الخضوع». لكنّ المشكلة مع تكتيك روسيا_ غيت واتهام الروس بالتدخل في الانتخابات الأمريكيّة، ذات ثلاثة أبعاد، الأول هو: أنّها تحتاج لإثباتها إلى دلائل موضوعيّة غير متوفرة، والثاني: أنّ الجمهور الأمريكي يدرك عدم المصداقيّة، ويرى في كامل ملحمة روسيا_ غيت أمراً مملاً، والثالث: أنّ مثل هذه الواقعة تحتاج إلى دعم أغلبيّة الكونغرس لها، ليتمّ إجبار ترامب على الاستقالة، وتبعاً لكون الكونغرس جمهوري، فهذا ليس ممكناً.
احتمالات انقلاب داخلي
وهذا يأخذنا إلى الخيار الثاني: خيار الانقلاب الداخلي «انقلاب القصر». فالتعديل الخامس والعشرون من الدستور الأميركي، الذي تمّ توقيعه بعد أربعة أعوام من اغتيال كينيدي، يخوّل نائب الرئيس مع أغلبيّة 15 عضواً من حكومة البيت الأبيض الرئيسة، إزالة الرئيس القائم بداعي عدم أهليته للقيام بواجباته، سواء أكانت هذه الأهليّة المفقودة هي عقليّة أم جسديّة.
ورغم أنّ التصريحات العامّة لنائب الرئيس الحالي، مايك بينس، تبدي قربه ودعمه للرئيس، ولا تظهر طموحاً لاحتلال البيت الأبيض، فإنّ بينس محافظ متكلّف داعم للعسكرة بشدّة، وهو ما يجعله بديلاً أفضل من ترامب بالنسبة للمنظومة ولوسائل الإعلام. ومن أعضاء «الكابينت» المؤثرين أيضاً، هنالك مدير المخابرات المركزية مايك بومبيو، وسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، وجميعهم أبدوا تأييدهم لترامب واعتبروا أن الادعاءات بمشاكله العقلية مجرّد هراء.
وينهي الكاتب مقاله بالقول: «بينما فشلت خطّة روسيا_ غيت، فإنّ الانقلاب الداخلي ضدّ (ترامب المجنون) قد يكون أكثر فاعليّة كخيار لاستبدال ترامب في نهاية المطاف».
من يحكم البيت الأبيض؟
ومن بين مئات التغريدات التي نشرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الآونة الأخيرة، دافع في إحداها عن سلامة قواه العقلية، وقال: إنه ليس مجرد شخص ذكي، وإنما عبقري. نعم، جرت انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة كان من المستحيل برأي الجميع أن يفوز بها ترامب. ويُقال: إن من ينجحون في دخول البيت الأبيض والجلوس على ذلك الكرسي، يكون مستوى ذكائهم عالياً، وحتى عباقرة.
عنوان الكتاب «نار وغضب» مقتبس من تصريح أدلى به ترامب بعد بدء زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون تجاربه الصاروخية والنووية. وقال ترامب: «من الأفضل لكوريا الشمالية عدم توجيه المزيد من التهديدات للولايات المتحدة؛ لأنها ستواجه النار والغضب التي لم يشهدها العالم من قبل».
ما نفهمه من الكتاب، أن لدى ترامب خصلة الرد «بالنار والغضب والعنف» على كل من يقول له «لكن..» مهما كان منصبه، لكن يمكن معرفة ما إذا كان هذا الرأي صحيحًا أم لا من خلال النظر إلى سياسات هؤلاء في العام الأول من حكمهم.
تحرك ترامب من أجل منع نشر الكتاب بمهارات محاميه، لكنه فشل في ذلك. وحتى لو كان نجح في الحيلولة دون نشر الكتاب، تعلم كل شعوب الأرض أنه لا يوجد زعيم كامل القوى العقلية على رأس الولايات المتحدة. بالله عليكم، هل يتخذ رجل عاقل قرار الاعتراف بالقدس، هذه الأرض المقدسة، عاصمة للكيان الصهيوني، وهو يعلم تمام العلم أنها أرض فلسطينية واقعة تحت الاحتلال؟