مصر والسودان: بوادر أزمة وفرص تكامل؟
تشهد العلاقات بين مصر والسودان، تصعيداً خلال الأسابيع الأخيرة، وعلى الرغم من وجود ملفات إشكالية بينهما تاريخياً، إلّا أن التصعيد الأخير يبدو أنه يتعدّى إطار العلاقة الثنائية، إلى كونه جزءاً من الصراع الإقليمي الجاري في المنطقة، ويترافق مع تحولات في السياسة الخارجية لكلا البلدين.
لا يعتبر التوتر المصري السوداني جديداً، حيث توجد ملفات عدة تعتبر سبباً في استمرار التوتر والتصعيد بينهما من فترة إلى أخرى. تشمل هذه الملفات، المناطق المتنازع عليها وهي: حلايب وشلاتين، وملف تقاسم مياه نهر النيل، وسد النهضة، بالإضافة إلى الاتهامات الموجهة إلى مصر بدعم المعارضة السودانية. ليضاف إليها مؤخراً ملف جزيرة سواكن. لكن ورغم وجود هذه الملفات التي تشكل أرضية لتصعيد محتمل، فإن إعادة تسليط الضوء عليها في هذه المرحلة يمكن ربطه مع التغيرات الجارية في السياسات السودانية مؤخراً.
حلايب وشلاتين
بدأ التوتر الأخير مع إعادة طرح السودان لقضية مثلث حلايب، وهي المنطقة الممتدة على البحر الأحمر، والواقعة على خط العرض 22، الخط الذي رسمه المستعمر البريطاني عام 1899 بين مصر والسودان، تاركاً بؤرة توتر بين البلدين، حيث تمارس مصر سيادتها على المنطقة وتديرها وتستثمر فيها منذ التسعينيات.
مؤخراً، أبلغت الحكومة السودانية الأمم المتحدة رسمياً، بأنها ترفض اتفاقية تعيين الحدود بين مصر والسعودية التي وقعت عام 2016، وذلك لأنها اعتبرت مثلث حلايب المتنازع عليه مع السودان تابعاً لمصر، ونقلت وسائل الإعلام عن خطاب لوزارة الخارجية في 5 كانون الأول الماضي قوله: «إن حكومة السودان تعلن اعتراضها ورفضها لما يعرف باتفاقية تعيين الحدود البحرية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، والموقعة في الثامن من نيسان 2016».
ترافق ذلك مع طرحٍ تقدم به وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، لحل الخلاف وفقاً لسيناريوهين أحدهما: الحوار كما حدث بين مصر والسعودية حول تيران وصنافير، أو تدويل القضية بالتوجه إلى محكمة العدل الدولية، الأمر الذي رفضته القاهرة على لسان، أحمد أبو زيد، المتحدث باسم الوزارة الخارجية المصرية، الذي أعرب عن رفض بلاده القاطع لما انطوى عليه الخطاب السوداني للأمم المتحدة من مزاعم حول السيادة السودانية على منطقتي حلايب وشلاتين.
سد النهضة
من جهة أخرى، كان سد «النهضة» أحد الملفات التي ساهمت في تأجيج حدة التوتر بين البلدين، ففي الوقت الذي تدعم فيه السودان السد، ترى مصر أنه سيؤثر على حصتها من مياه النيل.
الخلاف حول السد ظهر إلى السطح مع نشر صحيفة أثيوبية تقارير تفيد بطلب القاهرة رسمياً استبعاد السودان من مفاوضات السد، الأمر الذي نفته مصر على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد أبو زيد، الذي أشار إلى أن الاقتراح الذي قدمته مصر يطلب مشاركة البنك الدولي كطرف محايد في مفاوضات اللجنة الثلاثية الفنية، وتم تقديمه إلى الحكومة السودانية أيضاً، وهي تنتظر رد كل من السودان وأثيوبيا على هذا الاقتراح.
هنا ترى بعض التحليلات المصرية أن موقف السودان من قضية السد يعد امتداداً لتغيرات تشهدها السياسة السودانية في الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى ارتباط ذلك بالموقف من حلايب وشلاتين.
جزيرة سواكن
في السياق ذاته، تعتبر قضية جزيرة سواكن وتطور العلاقات السودانية مع تركيا، هو العامل الأساس الذي أعاد الخلافات المذكورة سابقاً إلى السطح.
وذلك بعد زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأخيرة إلى السودان والتي حصد فيها مشروع إعادة إعمار وترميم جزيرة سواكن السودانية في البحر الأحمر، وتوقيع 22 اتفاقية بين البلدين بهدف رفع حجم التجارة بينهما إلى 10 مليارات دولار أمريكي، وهو ما اعتبرته القاهرة تهديداً للأمن القومي المصري.
ترافق ذلك مع إعلان رئيس أركان الجيش القطري، أن قطر والسودان ستجريان قريباً مناورات مشتركة، مؤكداً استمرار التعاون العسكري بين البلدين.
ليقابل ذلك كله جدلاً واسعاً وانتقادات، خاصة من قبل وسائل إعلام مصرية وخليجية، وتحدث البعض عن حلف يجمع تركيا وإيران وقطر، وهو ما نفاه المسؤولون السودانيون والأتراك.
تقارب سوداني_ روسي
بغض النظر عن محاولات خلق الاصطفافات ضمن الصراع الإقليمي الجاري، فإن التقارب السوداني التركي، سبقه تطور في العلاقات مع روسيا، وزيارة الرئيس السوداني عمر البشير لموسكو في تشرين الثاني الماضي، الذي أشاد بالتعاون الاستراتيجي بين بلاده وروسيا، وندد بالحصار الأمريكي على بلاده لمدة عشرين عاماً، مبيناً أن ذلك يتيح فرصة في إحداث تنمية في السودان من خلال «مشروعات محددة».
وكانت الزيارة قد نتج عنها توقيع اتفاقيات عدة بين البلدين، في مجالات الطاقة والبحوث والتعليم وغيرها. من بينها اتفاقية حول تطوير مشروع لإنشاء محطة كهروذرية على الأراضي السودانية.
ترى الخرطوم في تطور علاقاتها مع كل من تركيا وروسيا، مصدر قوة، وأن هذا الأمر سينعكس إيجاباً على مصر بطبيعة الحال، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، بقوله: إن سياسيين مصريين لا يريدون أن يكون السودان دولة قوية، معتبراً أن هذا الأمر لا يخدم مصالح بلادهم على الإطلاق، موضحاً أن السودان ومصر «لديهما الإمكانات ليصبحا، من خلال مشروع تكامل بينهما، قوة سياسية واقتصادية كبرى في وادي النيل».
في المقابل بيّن سامح شكري، وزير الخارجية المصري، إن دولة السودان تعتبر من أهم الدول بالنسبة لمصر، ووزارة الخارجية لديها إدارة معنية خصيصاً للسودان نظراً لأهميتها.
بناء على سبق يمكن القول: إن العلاقات بين مصر والسودان تقف اليوم على مفترق طرق، ففي حال ذهب التصعيد الأخير، اتجاه تأجيج التوتر في العلاقات بين الجارتين، فإن ذلك سينعكس سلباً على كل منهما، وخاصة مع ارتفاع درجة عدم الرضى الاجتماعي عن السياسات الاقتصادية الاجتماعية، وهو ما ظهر مؤخراً من خلال تراجع الوضع المعيشي في كلا البلدين، وتفجرّ احتجاجات الخبز في السودان، أما في حال تم تجاوز تلك الخلافات، والسعي لتكوين شراكة حقيقية في إطار التوازنات الدولية الجديدة، والتحولات التي تشهدها السياسات الخارجية في كلا البلدين، فمن الممكن فعلاً لمشروع التكامل بينهما أن يثمر عن قوة سياسية واقتصادية كبرى حقيقية في وادي النيل.