الموصل  انتصار دون واشنطن

الموصل انتصار دون واشنطن

في سياق الإجهاز على تنظيم «داعش» الإرهابي، واستكمالاً لسلسلة الانهيارات التي تكبدها التنظيم مؤخراً، أعلنت الحكومة العراقية يوم الخميس الماضي 29/6/2017 «نهاية دولة داعش في العراق».

8 أشهر انقضت منذ إطلاق القوات العراقية وحلفائها معركة «قادمون يا نينوى»، وهي المعركة التي أتت لتؤكد على أن انهيار التنظيم قد بات – بحكم الموازين الدولية- قاب قوسين أو أدنى. وقد تخللت المعركة منذ إطلاقها تأخيرات ومماطلات غربية، لا يمكن اعتبارها سوى أوكسجين للتنظيم الإرهابي، تمكن عبره من البقاء على قيد الحياة فترة أطول.
معارك تنظيف الجيوب
قبل الإجهاز عليه إجهازاً كاملاً، لفظ تنظيم «داعش» في الموصل أنفاسه الأخيرة، معبراً عنها من خلال تفجيره لمسجد النوري الكبير، ومنارة الحدباء قبيل سيطرة القوات العراقية عليهما. وللمكانين رمزية كبيرة، بالنظر إلى أنّ إعلان التنظيم كان قد انطلق منهما.
ورغم بقاء عدد قليل من العناصر في الموصل القديمة، غير أن سقوط التنظيم في الموصل بات محسوماً، حيث أكد المتحدث الرسمي باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية، العميد يحيى رسول: أن ما تبقى من مناطق الموصل القديمة الخاضعة لسيطرة «داعش» قد أصبحت ساقطة عسكرياً بعد تحرير القوات العراقية منطقة جامع النوري والسرجخانة ومحاصرة التنظيم من جميع الاتجاهات، فيما بدأت العمليات بالفعل نحو المدينة القديمة للموصل ومناطقها الخمس التي يختبئ فيها عناصر التنظيم الآن، وهي: حي الفاروق الثاني، والقليعات، وراس الكور، وباب جديد، وباب الطوب.
انتصار من؟
تمكنت القوى الجدية في مكافحة تنظيم داعش من تحقيق الانتصار العسكري، متجاوزة في ذلك منطق «الضرورات» التي كان يعمل «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن على اللعب عليها طويلاً، حيث جرى تأجيل العمليات ومماطلتها لفترات طويلة بحجج مختلفة.
فالمؤكد: كان ولا يزال أن جزءاً من الإدارة الأمريكية، صمم حتى الرمق الأخير على استثمار ذراعه الفاشي المتمثل بـ«داعش» إلى النهاية، لكن في الوقت نفسه، فإن مستوى التحكم الأمريكي المتراجع في ملفات المنطقة قد ضغط بشكلٍ جدي على التوجهات العامة للسياسات الأمريكية، أي: على استراتيجية أفضل تحصيل ممكن للنفوذ قبل إغلاق الملفات المشتعلة بقوة الموازين الدولية الناشئة، والمنعكسة على منطقتنا.
ومن الناحية العسكرية، تبقى قدرة العراقيين بتسمياتهم كافة، والمشاركين في المعركة، على إحداث تغيرات كبرى دون الاعتماد تماماً على قوات «التحالف الدولي»، حقيقة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وما يعرقلها فقط، هو الكم الكبير من التزامات الحكومة مع الطرف الأمريكي، أثناء احتلال العراق، وما بعده من اتفاقات عسكرية وأمنية مهدت الطريق لـ«انسحاب» القوات الأمريكية من العراق. لكن التضارب بين مصالح الشعب العراقي والضرورات الأمريكية من شأنه في نهاية المطاف، أن يعيد البحث جدياً في مستوى التنسيق مع «الأمريكيين» سياسياً وعسكرياً.
لكن بالعودة إلى الضغوطات الداخلية- بفعل الإجماع الشعبي العراقي على إنجاز المهمة- والدولية المتعلقة بالضغط الروسي على النموذج الأمريكي في مكافحة الإرهاب، فإن الخيار المذكور أعلاه، بحدوث تغيير في طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، بدعم إقليمي ودولي من أعداء واشنطن، يصبح خياراً يرهب واشنطن جدياً، لأن المعركة على الأرض قد أثبتت أن الزمن الذي يحدد فيه الأمريكي كل شيء قد ولى.
إن نهاية معركة الموصل التي جمعت حولها الشعب العراقي بأكمله، تعني بداية مرحلة جديدة من الحراك الشعبي العراقي، الذي بدأ قبل معركة الموصل، وانخفضت حدته لمصلحة المعركة الداهمة، وهي تحرير العراق من الإرهاب، لكنه عائد بوجود قاعدته الموضوعية المتمثلة بفساد النخب الحاكمة العراقية، وبالنتيجة، إعادة النظر في نظام المحاصصة الطائفية التي بناها بول بريمر بعناية، لتنتج أرقام فساد وضعت العراق ضمن الدول العشر الأكثر فساداً في العالم سنوياً، منذ احتلاله حتى اليوم، بأرقام تقدر بعشرات المليارات من الدولارات!

معلومات إضافية

العدد رقم:
817