السلاح الكيماوي: قصص من الإعلام الأمريكي

السلاح الكيماوي: قصص من الإعلام الأمريكي

ليس هنالك أدنى شك بأن أي استخدامٍ للسلاح الكيميائي هو مدان إنسانياً قبل كل شيء. لكن السؤال الذي تنبغي الإجابة عنه هو هل الولايات المتحدة الأمريكية محيّدة عن مثل هذه الأعمال؟ لا بد لليبراليين العرب من مراجعة التاريخ الأمريكي جيداً...

قامت الشرطة الأمريكية باستخدام غازات كيماوية ضد المحتجين في حركة احتلوا وول ستريت عام 2011، وما خفي من الجرائم الكيماوية الأمريكية أعظم.
التدخل «الإنساني» والإمبريالية
يحدثنا الدكتور غريغوري آفينوغينوف المحاضر والمدير المساعد للدراسات التاريخية في جامعة هارفارد الأمريكية في مقالاته ومحاضراته عن سياسة التدخل الإنساني «Humanitarianism».
يقول في مقال منشور في «جاكوبين ماغازين»: كيف ولدت السياسات الأمريكية الغزو الإنساني في أفغانستان عام 1980؟ ويكشف عن التحالف الناشئ بين الولايات المتحدة والمخابرات الغربية والنيو ليبيرالية ومنظمات الـ NGO و«الجهاديين» الممولين من الخارج. كانت الحرب الأفغانية بمثابة فاتحة ومقدمة لقيام الولايات المتحدة وباكستان والسعودية بتمويل المقاتلين المتشددين ضد الاتحاد السوفييتي.
سنة 1978، قامت ثورة نيسان التي قادها «حزب الشعب الديمقراطي الأفغانيPDPA »، وسرعان ما قامت الولايات المتحدة باللعب على التناقضات الثانوية وإشعال نزاع وصل تأثيره حتى باكستان.
كانت السياسات الغربية تقوم على منع أيّ تقدم ثوري، فنشأ ذلك التحالف بين السياسات الغربية ومنظمات الـNGO العالمية والمنظمات الفاشية المسلحة. وكانت ولادة أولى المنظمات غير الحكومية خلال الحرب الأفغانية وهي منظمة «أطباء بلا حدود» وغيرها، حيث كان عملها دائماً مرتبطاً بتأجيج الصراعات. واستخدمت مجموعات التسليح المتشددة السلاح ضد الجيش الأحمر السوفييتي في أفغانستان، إذ يذكر أن هنالك ما يقارب الـ3000 جندي سوفييتي قتلوا بالسلاح الكيماوي في أفغانستان.
يقول آفينوغينوف: بطبيعة الحال، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وخدمة لبقاء الإمبراطورية الإمبريالية ولمحاربة الشيوعيين في العالم قد رفعت شعار «الدفاع عن حقوق الإنسان»، ذاك الشعار الذي جرى تحت لوائه دعم مختلف الديكتاتوريات اليمينية والعسكرية.
قال زيبغينيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في إدارة كارتر: «نستطيع اليوم أن نعطي السوفييت فيتنامهم». بينما أكد تيموثي نيونان في كتابه «التطور العالمي للغزو الإنساني في الحرب الباردة في أفغانستان» إن قراءة سياسات الولايات المتحدة قبل عام 1990 ضرورية لفهم الحرب الإمبراطورية اليوم.
قضية تكساس 1992
حسب موقع «صوت الشعب» الأمريكي ووفقاً للملفات الخاصة على موقع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي FBI فقد تمت إدانة الحكومة الأمريكية سنة 1992 إثر تورطها باستخدام السلاح الكيماوي ضد مواطنيها، والذي راح ضحيتها 86 شخصاً.
نشر مكتب التحقيقات الفيدرالي ملفين حول قضية «فيرنون هاول»، المعروف أيضاً باسم ديفيد كوريش زعيم تنظيم مافيوي إجرامي الذي كان يحتجز الناس ضد إرادتهم في مجمعه في واكو بولاية تكساس، والمذنب بتهمة عبودية الأطفال.
فتح تحقيق بشأن القضية سنة 1992، وخلصت اللجنة المشرفة على التحقيق إلى أنه لم يتم احتجاز أي شخص في المجمع ضد إرادته، ولا أي إساءة معاملة للأطفال، ولم ير المدعي العام الاتحادي الذي استعرض التقرير أي سبب لمقاضاة كوريش.
وفي 16 أكتوبر/ تشرين الأول 1992، أغلق مكتب التحقيقات الفدرالي القضية ضد كوريش والادعاءات بأنه يسيء معاملة الأطفال ويحمل أتباعه ضد إرادتهم، رغم وجود أدلة تدينه، إضافة لتورط المنظمة في تجارة السلاح الحربي بما فيها الدبابات داخل الولايات المتحدة وتحدثت أكثر من 700 وسيلة إعلام أمريكية عن الموضوع.
لكن وفي إحدى الغارات التي نفذها مكتب التحقيقات الفيدرالي ضد أحد مجمعات المنظمة، أطلقت المصفحات سلاحاً كيماوياً على المجمع وأدى ذلك إلى مقتل 86 شخصاً اختناقاً وحرقاً بالغاز السام.
سنة 1999، صرح النائب العام في تكساس جانيت رينو بأن الحكومة استخدمت نوعين من الغاز أحدهم سام والآخر حارق وأن أغلفة القذائف التي ضربت تدل على أنها من نوع خاص، قتل نتيجتها أفراد من المنظمة وعشرات الأطفال المحتجزين قسراً في أسوأ أشكال عبودية القرن الواحد والعشرين.
استخدمت الحكومة الغاز على شعبها مما أدى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى وفاة 76 شخصاً. وهذه الجريمة غالباً ما يجري التكتم عليها في الداخل الأمريكي، لأن استعادتها إلى الذاكرة، تستثير النفوس المحتقنة أصلاً ضد السياسات الأمريكية الآخذة في التدهور السريع.
تسع جرائم كيماوية في العالم
تورطت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام السلاح الكيماوي في العالم منذ الحرب العالمية الأولى، ولعل أبرزها هي قيام الجيش الأمريكي بإسقاط 20 مليون غالون من المواد الكيماوية على فييتنام سنوات 1962-1971، بما فيها العامل البرتقالي، حيث قتل في تلك الحرب 400 ألف فييتنامي وأصيب 500 ألف. كما قتل 100 ألف ياباني في مدينة طوكيو بالقصف الكيماوي الحارق على المدينة سنة 1945.
استخدم الجيش الأمريكي السلاح الكيماوي ضد السكان الفقراء في أحياء سانت لويس عام 1950 باستخدام مسحوق ناعم من مركبات كبريتيد الزنك، واعترفت الحكومة الأمريكية بذلك. وكذلك ملأ الجيش هواء سانت لويس بالمواد الكيماوية سبب سرطان الرحم للنساء لمنع «السود» من الإنجاب، مما أدى إلى مقتل المئات من النساء بين 1953 -1954.
كذلك تؤكد تقارير عديدة وقوف وكالة المخابرات المركزية CIA متورطة خلف استخدام السلاح الكيماوي بما في ذلك السارين وغاز الأعصاب وغاز الخردل في الحرب الإيرانية العراقية، وكذلك في قصف مدينة حلبجة عام 1988 التي قتل فيها 5000 شخص وأصيب 10 آلاف آخرون وتوفي آلاف آخرون في السنوات التالية من المضاعفات والأمراض والتشوهات الخلقية.
وعلى هذا النحو، استخدام الجيش الأمريكي السلاح الكيماوي ضد الشعب العراقي عام 2004، ونشرت الصحف الأمريكية استخدام الفوسفور الأبيض ضد المقاومة العراقية وسكان مدينة الفلوجة في مذبحة خفية لم تحدث صدى عالمياً. كما اعترف الجيش الأمريكي استخدامه للفوسفور الأبيض، وهناك صور فوتوغرافية ومقاطع فيديو توثق كيف ذاب الأطفال والنساء حتى الموت في الفلوجة. كذلك جرى استخدامه في مناطق أخرى عامي 2006 -2007.

معلومات إضافية

العدد رقم:
811