إضراب الأسرى معبر جديد نحو الانتفاضة الثالثة
يدخل إضراب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال أسبوعه الخامس، كواحدٍ من أطول الإضرابات النضالية الموصوفة من حيث المدة ومستوى المواجهة التصعيدي، مستفيداً من كل التجارب النضالية السابقة في هذا الإطار ومستكملاً لها، كجزء من نضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة...
يراهن الكيان الصهيوني على قدرة المناضلين في السجون على الاستمرار في معركة إضراب الكرامة، لكن دخول هذا الأخير أسبوعه الخامس يضع احتمالاً جدياً في المرحلة القادمة بدخول الإضراب مرحلة تصعيدية جديدة، قد تصل إلى انتفاضة سجون شاملة، مع قرب امتلاء المشافي الميدانية التي يقيمها الاحتلال للأسرى المضربين...
إصرار على الإصرار
الخطوة التصعيدية من جانب المناضلين في السجون، تمثلت بمرحلة تلويح بعضهم بإمكانية الامتناع عن شرب الماء بحسب ما أفادت به «اللجنة الإعلامية لإضراب الحرية والكرامة» الخميس الماضي 18/أيار، أي أن الاستنفار الأمني والإعلامي للصهاينة لم يحقق طوال الشهر الماضي مبتغاه عملياً بمحاولات الضغط المتواصلة على الأسرى لثنيهم عن الاستمرار في إضرابهم، بل إن المعركة تتطور وتنتقل إلى طور جديد يضع العدو في مأزق حقيقي، مضمونه أن الأسرى المضربين لا يثنيهم عن إضرابهم شيء.
وبالتالي فإن ازدياد سوء الأحوال الصحية للأسرى في المستشفيات الميدانية، واحتمال استشهاد أحدهم نتيجة الضغط والابتزاز والاعتداء المستمر عليهم، هو كابوس يطالع سلطات الاحتلال مع ازدياد إمكانية تحول هذا الكابوس إلى حقيقة قد تنقل المواجهة مع الاحتلال إلى إحداثيات جديدة، أنضجتها الهبة الشعبية، وما تلاها من حراك في الضفة الغربية والداخل المحتل، وتأتي حركة الأسرى كصاعق تفجير جدي محتمل لما تراكمه الحركة الشعبية بأكملها في الأراضي المحتلة.
أكثر من مطالب الأسرى
يخطئ من يريد توصيف إضراب الكرامة، على أنه حركة نابعة من احتياجات الأسرى ومطالبهم المحقة في إنهاء سياسة الاعتقال الإداري، وإنهاء سياسة العزل الانفرادي، وإنهاء منع زيارات العائلات وعدم انتظامها، وغيرها من المطالب المشروعة فحسب.
الحقيقة إن أهمية الإضراب تكمن في «شعبيتها»، أي عدم تبعيتها لتوجيهات القوى السياسية التقليدية في الساحة الفلسطينية، وبالتالي، فإن اقتصار التحليل على مطالب المضربين فقط والتركيز عليها، دون تظهير أهميتها السياسية بوصفها جزءاً من حراك الشعب الفلسطيني المستمر، وبعيداً عن الاصطفافات الفصائلية، قد يريح خواطر بعض القوى السياسية التي تكتفي بدعم «مطالب الأسرى» كملحق لما يقوم به المناضلون، وليس على نفس المستوى من تقديم التضحيات. هذه الحالة التي باستمرارها تزيد قناعة أوساط واسعة من الشعب الفلسطيني بضرورة صياغة مشروعه النضالي الجديد. وفي هذا السياق مثلاً، لا وجل في السؤال حول أسباب استكانة السلطة، لإصدار مواقف تتماشى مع مستوى الحالة النضالية للأسرى، وأسباب فتح بوابات الاتهام المتبادل بين الفصائل الرئيسة بتسييس الإضراب من عدمه.
شباب في الشارع
الثابت الوحيد الواضح خارج أسوار السجون هو الدعم الشعبي المتواصل لحراك الأسرى المضربين، سواءً بالوقفات الاحتجاجية أو الإضرابات أو مقاطعة بضائع الاحتلال، وحتى إغلاق الطرق والاشتباك مع قوات الاحتلال.
فمع دخول الأسرى يومهم الـ31، في إضرابهم عن الطعام، أغلقت مجموعة من الفلسطينيين فجر الأربعاء الماضي، 17/أيار، غالبية المناطق المؤدية إلى مدينة رام الله، تضامناً مع إضراب الكرامة، وبحسب المصادر المحلية، فإن الشبان أغلقوا طريق رام الله- نابلس، قرب مخيم الجلزون ومدخل الضاحية المؤدي إلى قرية سردا، وكذلك طريق مخيم قلنديا في الاتجاهين، وجرى أيضاً إغلاق الطرق الخارجية المؤدية إلى رام الله، ومنها طريق جسر عطارة بيرزيت، طريق بيت ريما النبي صالح، ودير غسانة وباقي الشوارع المؤدية إلى المدينة.
صباح اليوم ذاته أغلق أهالي الأسرى والنشطاء مقر الأمم المتحدة بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، احتجاجاً على صمت المنظمة الدولية تجاه الأسرى المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال، وعبّر المحتجون عن غضبهم بمنع الموظفين من الدخول حاملين صور الأسرى والمضربين.
إلى ذلك عم إضراب تجاري شامل أيضاً صباح اليوم الأربعاء الماضي، مدينة طول كرم وضواحيها ومخيماتها، وأغلقت المحال التجارية أبوابها، تضامناً مع الأسرى المضربين عن الطعام.
التحركات في الضفة الغربية تصاعدت يوم الخميس الماضي، بعد أن أغلقت مجموعة من الشباب الفلسطيني الطريق المؤدي إلى حاجز «الجيب العسكري» المقام إلى الشمال الغربي من مدينة القدس، واندلعت مواجهات عنيفة استمرت لفترة طويلة يوم الخميس، عند المدخل الرئيسي لبلدة بيتا جنوب نابلس، كما أكدت مصادر طبية استشهاد فلسطيني، برصاص الاحتلال وإصابة مصور صحفي برصاص مستوطنين عند حاجز حوارة جنوبي نابلس.
وبالتوازي مع هذا الضغط الذي يأخذ الطابع الشبابي في الضفة، طالبت أجنحة عسكرية فلسطينية في غزة، من الفلسطينيين تصعيد المواجهات مع جيش العدو في مناطق التماس في الضفة الغربية وقطاع غزة، وجاء ذلك في مؤتمر صحفي عقد في مدينة غزة شارك فيه ممثلون عن الأجنحة المسلحة لبعض الفصائل المسلحة، حيث صدر بيان باسم الأجنحة دعا فيه الفلسطينيين إلى «الاستنفار على كافة مناطق التماس في الضفة والقدس وغزة»، ليكون «غضباً ونفيراً من أجل أسرانا».
هذه التحركات في الضفة الغربية وقطاع غزة، تؤكد حقيقة نضوج الظرف الموضوعي لإطلاق انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، تحت ضغط النضال داخل السجون، وحراك الشباب في مدن الضفة، وعمليات الشبان داخل القدس المحتلة، لكن الانتفاضة التي تلوح في الأفق مختلفة بإحداثياتها عن الانتفاضة الثانية، بمحركاتها الأساسية حيث تنتقل مراكز التنسيق والتوجيه من أيدي الفصائل الفلسطينية، نحو الشارع أكثر فأكثر.
هذه الظروف الناضجة، مدعومة وقائمة في جزئها الأساسي على التغير الجاري في موازين القوى الدولية، حيث تتراكم عوامل الضعف والوهن على العدو الصهيوني ومن خلفه داعموه الدوليون، وكذلك يعتمد هذا التصاعد في الحراك الفلسطيني على مقومات الحراك الشعبي الواسع في المنطقة ككل، لا سيما بمطالبه الاقتصادية- الاجتماعية والوطنية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 811