حول مستقبل العلاقات الدولية في شرق آسيا
يتزايد القلق الدولي حيال التوترات في شرق آسيا، نتيجة استعصاء الملف النووي لكوريا الديمقراطية، واحتمال الوصول إلى صدام عسكري تثيره الأجنحة الفاشية في الإدارة الأمريكية ويظهر في الخطاب الرسمي الأمريكي بلهجته العدوانية، لكن ماذا عن دول الشرق الآسيوي المتحالفة مع الولايات المتحدة، والمعرضة لدخول حلقة التوتر عسكرياً مباشرة بمقدراتها البشرية والاقتصادية؟
يدور الحديث هنا بشكل رئيس عن كوريا الجنوبية واليابان، كحلفاء لواشنطن، لكن تبقى كوريا الجنوبية الأكثر تجاوباً مع منطق التصعيد الأمريكي مما عليه الحال بالنسبة لليابان، التي تعتبر أيضاً من أهم حلفاء واشنطن في تلك المنطقة والعالم، لكن هل ينفع اليابان الالتصاق بالسياسات الأمريكية، في ظل هذه المرحلة التي يعاد فيها تموضع القوى الدولية بأكملها؟
فاتورة الابتزاز الأمريكي
المؤكد أن حسابات اليابان فيما يخص نمط علاقاتها السياسية- الاقتصادية، هي حسابات في غاية التعقيد، إذا ما نظرنا إلى جملة عوامل رئيسة، أهمها تاريخ العلاقات الأمريكية- اليابانية المتينة حقاً، ومدى قدرة اليابان على بناء علاقات مثمرة مع محيطها الصاعد وبالتحديد الصين وروسيا.
ومن جهة أخرى، يجب الأخذ بعين الاعتبار مكانة اليابان الاقتصادية في محيطها وحتى في العالم، فهي تعتبر مركزاً اقتصادياً رئيساً في آسيا، قياساً بإجمالي ناتجها المحلي، هذا العامل يعني بحث اليابان عن ضرورات بقائها بين الدول الكبرى، بوجود منافسين صاعدين على الساحة الدولية وبالقرب من مجالها الحيوي، أي الصين وحتى باقي مجموعة «بريكس» الهند – مثالاً- وهو ما لا يضمنه عملياً الوضع المتوتر في تلك المنطقة.
هنا، لا يمكن الجزم تماماً بشكل التغيرات التي قد تحدثها اليابان تماشياً مع الوضع الدولي المستجد اليوم، لكن لننظر قليلاً إلى وضع جارتها كوريا الجنوبية، التي تعد بمثابة «محمية أمريكية»، ومركزاً اقتصادياً بـ«صبغة غربية»، هذه الدولة معرضة نتيجة مستوى التحكم الغربي وتحديداً الأمريكي بها، لدخول مواجهة مع كوريا الديمقراطية، طالما أنها تتبنى التواجد الأمريكي العسكري على أراضيها، وبالتالي، فإنها تتحمل فاتورة الطلبية الأمريكية المبنية على التصعيد في تلك المنطقة.
ومن جهة أخرى، فإن الخلخلة السياسية التي أصابت كوريا الجنوبية مؤخراً فيما يخص قضايا فساد كبرى الشركات، والتي تم «تنفيسها» بعزل رئيسة البلاد، بارك كون هيه، هذه الخلخلة، هي نتاج للتوظيف الغربي المحدَّد لكوريا الجنوبية على خارطة الاقتصاد العالمية، كمحطة آسيوية لهروب كبرى الشركات العابرة للقارات نحو آسيا، وبالتالي قدرة كوريا الجنوبية على التحكم بآثار الهزات الاقتصادية المصدرة من الغرب يكاد يكون معدوماً.
هذه الحالة من الالتحاق الكوري الجنوبي تضع البلاد في دوامة أزمات مستمرة، وهو مطلب أمريكي في مشروع نقل التوتر إلى الحدود الروسية والصينية. وبالمثل، فإن اليابان في صلب المشروع الأمريكي، لكن ضمن خصوصيات محددة مغايرة لما هو عليه الحال في كوريا الجنوبية، لكن المؤكد أن واشنطن تنظر إلى حلفائها بالعين ذاتها، وهو ما يضعها - أي اليابان- ضمن تناقض: علاقاتها القوية مع واشنطن، في مقابل ضرورات الحفاظ على استقرارها سياسياً، أمنياً واقتصادياً.
خيارات دولية متاحة
أيضاً وضمن البحث في العلاقات الأمريكية- اليابانية، يمكن السؤال حول ما يمكن تقديمه من قبل واشنطن لطوكيو مقابل التزام طوكيو بالتنسيق السياسي والعسكري حيال ملفات الشرق الآسيوي...
روسيا والصين تسارعان في الإجابة عن مثل هذا التساؤل بطريقة التعاطي مع اليابان سياسياً واقتصادياً، مستفيدتين موضوعياً من ضيق الخيارات اليابانية التقليدية، المقتصرة إلى حد بعيد على الرسم الأمريكي السائد لهذه الدولة، هذا الرسم الذي ساهم حقيقة في انتشال اليابان من وضعها السيئ بعد الحرب العالمية الثانية، وتقديمها كدولة رائدة اقتصادياً على مستوى العالم، لكن القول بضيق الخيارات اليابانية هو بالاعتماد على أزمة الولايات المتحدة نفسها، باعتبارها فاقدة تدريجياً لامتياز «ريعها السياسي- العسكري»، بالتوازي مع صعود منافسين يخطون شكلاً جديداً للعلاقات الدولية، مجموعة بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومؤخراً منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي في العاصمة بكين، والذي حظيت فيه اليابان بحفاوة روسية وصينية واضحة، حيث كشف مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، أن الرئيس بوتين يعتزم في بكين اقتراح إنشاء حلقة الطاقة الآسيوية، لتوحيد نظام الطاقة بين روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية، ودول أخرى.
الخارجية الصينية قالت من جهتها، ووفقاً لبيان لها حول لقاء الرئيس الصيني، شي جين بينج، والأمين العام للحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في اليابان، وممثل الحكومة اليابانية في منتدى «الحزام والطريق للتعاون الدولي»، توشيهيرو نيكاي، إن الرئيس الصيني أعرب عن أمله بتواصل الأصدقاء من الجانبين، ومن ضمنهم نيكاي، العمل على توليد الطاقة الإيجابية لتحسين العلاقات الثنائية، مؤكداً على ضرورة التعلم من دورس الماضي، مع التطلع للمستقبل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 811