إضراب الكرامة على طريق النصر

إضراب الكرامة على طريق النصر

يقترب إضراب الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو من دخول أسبوعه الخامس، بمستوى مرتفع من الإصرار والتنسيق، الذي يحاول الاحتلال ضربه، بعمليات النقل المستمرة للأسرى من سجن إلى آخر، وعزل الأسرى عن بعضهم البعض، داخل السجن الواحد، وغير ذلك من الإجراءات القمعية الرامية إلى تحطيم عزيمة المقاومين وإنهاء إضرابهم...

لم تفلح كل محاولات الكيان لثني عزيمة المضربين داخل السجون، فبعد حوالي الشهر من الإضراب، جلّ ما أنتجته عمليات التضييق على المضربين، هو: المزيد من الإصرار على النصر في هذه المعركة. وقد لاقت محاولات التضييق هذه بالفعل تصعيداً أشد أثراً من قبل الأسرى. حيث ازدادت قافلة الأسرى المنضمين إلى عداد هذه المعركة ليصل بحسب بعض التقديرات إلى حوالي 1800 أسير...
«النصر صبر ساعة»
يكمن الرهان الأساسي لحكومة العدو على تطويع الأسرى ومحاولة ثنيهم عن إضرابهم بشتى الطرق، لكن صمود المضربين للأسبوع الرابع قد عقَّد حسابات المعركة داخل سجون الاحتلال بالنسبة للصهاينة، وإحدى هذه الحسابات هي: إصرار الأسرى المضربين على المضي قدماً في نضالهم ضد المعركة الإعلامية التي تقودها أجهزة العدو لتثبيط المعنويات في السجون وخارجها، من خلال تصدير أخبار وصور مفبركة لبعض الأسرى على أنهم تنازلوا عن إضرابهم، وأكثر هذه الدعايات شيوعاً في الأيام الأخيرة، كانت قيام إعلام العدو بنشر مقطعٍ مصوَّر للقيادي الفلسطيني، مروان البرغوثي، بزعم أنه يأكل في زنزانته، تبيّن لاحقاً أنه مفبرك وهو ما أثار موجة سخرية عارمة في الأوساط الشعبية الفلسطينية، بينما علقت فدوى البرغوثي، زوجة الأسير مروان، «أن «إسرائيل»، تلجأ إلى أفعال خسيسة»، محذرة من أن هذا الأمر «سيزيد إصرار المعتقلين على مواصلة الإضراب».
إلى جانب محاولات الدعاية هذه، تلجأ سلطات الاحتلال إلى أداة قمعية تتمثل بعزل المضربين عن الطعام، وأحياناً نقلهم بين السجون، وحتى تعريضهم للحبس الإفرادي كما حدث مع الأسير البرغوثي في محاولة لإضعاف حالة الإضراب، بوصفه عملاً جماعياً منسقاً. وفي هذا الصدد، كسرت رسالة البرغوثي من داخل سجنه الإفرادي حالة التذرير التي أرادتها سلطات الاحتلال، بتأكيده على صمود الأسرى في «إضراب الكرامة».
هنا، تبدو أدوات الاحتلال في كسر حالة الإضراب غير مجدية في الوقت الذي تزداد الأوضاع الصحية للمضربين خطورة، وبالتالي، فإن المعركة باتت معركة كسر عظم تحسب بالساعات وليس بالأيام، في سباق المناضلين لنيل مطالبهم، بمقابل إصرار الاحتلال على كسر إرادتهم في ذلك، في هذا السياق، أعلنت اللجنة الإعلامية لإضراب الأسرى الفلسطينيين، الأربعاء 10/أيار: إن الأسرى المضربين عن الطعام في سجن «نيتسان الرملة»، يعانون أوضاعاً صحية خطيرة تتمثل بجفاف شديد وانخفاض في ضغط الدم، واضطراب في عمل القلب وعدم القدرة على الحركة، ونقل الأسير المضرب ناصر أبو حميد، لمحامي هيئة شؤون الأسرى، كريم عجوة، أن «إدارة السجن تحتجزهم في زنازين قذرة، وتصر على مصادرة الملح، عدا عن الاقتحامات الممنهجة وسياسة نقل الأسرى باستمرار، التي تهدف لإنهاك المضربين والانتقام منهم، لافتاً إلى أن إدارة السجون نقلت منذ بداية الإضراب سبع مرات».
ونقلت اللجنة أن إدارة سجن «نيتسان الرملة»، تحرم الأسرى المضربين من رؤية ضوء الشمس، بعد أن منعتهم من الخروج، وغطّت الشبابيك بحيث تحجب وصول ضوء الشمس.
ونقلت محامية «نادي الأسير»، أروى حليحل، عن الأسيرين المضربين «حسام شاهين»، و«عبد الباسط شوابكة» قولهما: «إن الإجراءات التنكيلية والقمعية التي تنفذها إدارة السجن، تتصاعد، لا سيما عمليات التفتيش العقابية والمكثفة، كما أنها تخطط لتبرير عمليات التفتيش، عبر تزويد الأسرى المرضى بالملح عند خروجهم للعيادة، وبعد أن تزودهم تقتحم الأقسام لمصادرة الملح». لكن الأسيرين نقلا للمحامية أن معنوياتهم عالية ومستمران حتى ساعة النصر، رغم كل ما يمرون به من إجراءات تنكيلية وظروف قاسية وضغوط نفسية هائلة.
يذكر أن إدارة مصلحة السجون في «عزل نيتسان» نقلت 47 أسيراً مريضاً من المضربين عن الطعام إلى مستشفى ميداني، أقامته سلطات الاحتلال في أحد أقسام سجن «هداريم».
مرحلة كسر العظم!
إصرار الأسرى هذا، في مقابل التعنت غير المجدي من قبل سلطات الاحتلال، رفع مستوى التحدي إلى معركة كسر عظم داخل السجون قد تنتقل إلى معركة كسر عظم خارج أسوارها، فيما لو استمر التنكيل بالأسرى المضربين، واستمرت حالة التردي الصحي لهم، وهذا الاحتمال بتصعيد الحراك الشعبي القائم أصلاً له أسسه الموضوعية إذا ما نظرنا إلى حالات الصدام المستمرة بتصاعد في جميع مناطق الضفة الغربية.
حملات التضامن مع الأسرى
في هذا الصدد، وضمن أحداث يوم الخميس الماضي، الذي أعلنته القوى المجتمعية يوماً للإضراب والاعتصام دعماً لقضية الأسرى، شهدت المدن الفلسطينية مواجهات عنيفة، أسفرت في مدينة البيرة عن إصابة 13 مواطناً، بالرصاص الحي والمطاطي والغاز.
بينما أصيب فتى فلسطيني برصاص العدو في اليوم ذاته، خلال مواجهات اندلعت بين الشبان وقوات الاحتلال ضمن فعاليات لإسناد الأسرى في قرية النبي صالح غرب مدينة رام الله بالضفة الغربية.
سلطات الاحتلال بالمقابل تكمل ما بدأته في السجون، بحملات الاعتقال والمداهمة في أنحاء مختلفة من الضفة والقدس، في محاولة لاحتجاز رياح التصعيد الشعبي التي هبت من زنازين الأسرى المضربين، فاعتقلت 15 فلسطينياً من بلدات «بيت فجار» جنوب شرق بيت لحم، و«الخضر» و«حوسان» غربي المدينة، كما اعتقلت ثلاثة آخرين من قرى «كفر قدوم» و«كفل حارس» و«عبوين»، إضافة إلى حملات اعتقال أخرى في «قلنديا» و«طول كرم».
مع استمرار حالة الإضراب وثباتها، وحالة المواجهة الشعبية المتصاعدة في الأراضي المحتلة، يقف كيان الاحتلال حائراً أمام خيارين أحلاهما مر، الأول هو: الرضوخ لمطالب الأسرى، والذي يعني تسجيل انتصار مهم للقوى الحية داخل المجتمع الفلسطيني، وإعادة الاعتبار لخيار المواجهة بعد أن سئم الشعب الفلسطيني من استجداء الحلول الدبلوماسية، أما الخيار الآخر فهو: ليس أقل وطأة على الصهاينة، فيما لو دخل المضربون عن الطعام مرحلة الخطر الصحي، وزادت الاعتقالات التعسفية بحق المتضامنين مع الأسرى، في الوقت الذي تنضج فيه إمكانات حراك شعبي أسست لها الهبة الشعبية، وعودة الشباب إلى الفعل السياسي على الأرض، وأخيراً التجمعات الكبيرة والمستمرة، دعماً لقضية الأسرى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
810