قطار الموت! جريمة لم تكتمل لإعدام 1200ضابط وطني!

أن تصل السادية «بمسؤولي دولة» إلى هذا الدرك  السفلي من الفعل الإجرامي بحق الآلاف من الكوادر العسكرية والمدنية الوطنية، للإبقاء على قبضتهم ممسكة سدة الحكم، فهذا أمر يفوق خيال أي مخرج سينمائي أراد أن يقدم فيلماً عن وحشية وهمجية حكام وصلوا إلى مقاليد السلطة بالغدر والتآمر وسفك الدماء وإرعاب الشعب، وهذه حكاية واحدة من تلك الأحداث المروعة الكثيرة.. إنها قصة «قطار الموت»!

وخلاصتها تحكي أن خشية حكام العراق 1963 من وجود عدد كبير من الضباط الشيوعيين المعتقلين في معسكر الرشيد قرب الدبابات والطائرات ومركز السلطة.. هذه الخشية كانت مصدر قلق وخوف وخطر كبير فقد يستطيع رفاقهم إنقاذهم وتحريرهم من المعتقل ـ بحركة شبيهة بحركة العريف البطل حسن السريع ـ ومن أجل قطع الطريق أمام أية محاولة لتحريرهم وإطلاق سراحهم وعودتهم إلى قطعاتهم العسكرية تقرر تصفية هؤلاء المعتقلين بالقضاء عليهم وبأسرع وقت ممكن... لكن خلافاً حدث بين المقررين المتسلطين حول طريقة ووسيلة تنفيذ التصفية. فبعضهم رأى أن يتم ذلك بالإعدام رمياً بالرصاص «دفعة وراء دفعة» ومن المضحك المبكي ـ وهو شيء موثق ـ أن أحد ضباط السلطة عندما طلب منه أن يقوم بإعدام اثني عشر ضابطاً شيوعياً، رفض ذلك وأعلن أنه لن يتحرك إلا لإعدام خمسمائة ضابط، وأنه لن يزعج نفسه من أجل اثني عشر فقط!!!!

وبعد جدال حسم الأمر حول الوسيلة وتم اتفاق الحكام على نقل جميع المعتقلين  في معسكر الرشيد وعددهم يتجاوز «1200» معتقل غالبيتهم من الضباط العسكريين، إلى معتقل بعيد عن بغداد هو سجن نقرة السلمان.. على أن يتم النقل بواسطة القطار. وهذا ما جرى بالفعل فقد تم نقل السجناء إلى عربات «فاركونات» مطلية جدرانها وأرضها بالقار «الزفت» وهي غير مبطنة بواقيات عازلة وكان المعتقلون مكبلين بسلاسل حديدية ربطوا بها إلى بعضهم بأشكال مختلفة وبصورة ليست منظمة ولا معتادة تدل على الاستعجال والفوضى. وانطلق القطار بهذه «الشحنة البشرية» في الساعة الحادية عشرة من صباح السابع من تموز عام 1963 مع ارتفاع شمس تموز العراقية الحارقة، وكان في قناعة مدبري تلك الجريمة أن المعتقلين سيستسلمون للموت بعد ساعتين من انطلاق القطار، حيث ستتحول كل عربة إلى تنور متنقل أو فرن مغلق على لحوم بشرية.. وبعد ساعة واحدة بدأ السجناء يعانون من الغثيان وهبوط  ضغط الدم بسبب تناقص الأوكسجين داخل العربات التي حاول السجانون إحكام إغلاقها لتبدو عربات نقل بضائع، وفقد السجناء قدرتهم على تحمل الحرارة الآخذة بالارتفاع.

ويتدخل الحظ ولكن هذه المرة لصالح المساجين ويتوقف القطار في محطة «المحاول» بعد «هور رجب» ويصعد شاب إلى عربة السائق «عبد عباس المفرجي» ليقول له:

«خالي تعرف أن حمولتك ليست حديد... بل بشر.. هم من خيرة أبناء شعبنا... إنهم سجناء سياسيين وضباط عسكريين!!!»

ويسرع السائق بإرسال مساعده للتأكد من حقيقة الأمر «وهو لم يكن يعرف حقيقة الشحنة».. ويعود المساعد مصفّراً وهو ويصيح:

«الحك الحجي طلع صدك». ولم يكن السائق يتوقع أنه يقود تابوتاً بهيئة قطار مصفح، ولهذا استبدت به الشهامة العراقية المتوقعة فانطلق بقطاره قبل الموعد وبأقصى سرعة ممكنة «غير مسموح بها» عكس الأوامر المعطاة له بوجوب القيادة ببطء وهدوء حفاظاً على سلامة «البضاعة». ووصل القطار قبل الموعد بأكثر من ساعتين حيث كان عدد كبير من  رجال ونساء السماوة  الذين تسرب إليهم خبر القطار بشكل أو بآخر، كانوا في الانتظار وهم يحملون الماء و أوعية الحليب لمساعدة السجناء الذين ما إن فتحت أبواب العربات حتى تدافع الناس رغم الحراسة الشديدة إلى إخراج المساجين الذين وصلوا أحياء بأعجوبة وهم بأشد درجات الإعياء والإجهاد والخطر.. وارتفع عويل النساء وبكاء الرجال ألماً مما يجري وفرحاً بنجاة المعتقلين من الموت المؤكد.. وبذلك فشلت خطة جهنمية أراد بها مدبروها تصفية أكثر من 1200 وطني بقتلهم في فرن متحرك هو قطار الموت.

ملاحظة: على ذكر القطار.... كثير من انقلابيي شباط وصلوا إلى السلطة  «بقطار أمريكي».

 

■ إعداد:  م . ع . ط