المأزق الأمريكي في العراق.. والنفق المسدود

تجد الولايات المتحدة نفسها بعد ثلاثة أشهر من سقوط نظام صدام حسين الدموي، واحتلال العراق أنها واقعة في مأزق شديد وأزمة عميقة، وأنها سائرة في نفق مظلم له أول وليس له آخر، وصارت أمام أمرين اثنين أحلاهما مر: إما الخروج من العراق مهزومة وهذا مالا ترضى به، لأنه سينزل بهيبة هذه الدولة إلى الحضيض أمام شعوب العالم وأمام الشعب الأمريكي أولاً، وإما الاستمرار باحتلال العراق وتحمل الخسائر المتصاعدة، جنوداً وعتاداً، وازدياد عزلتها في العالم، و في الهيئة الدولية.

مظاهر هذه الأزمة

إن الأزمة الأمريكية بعد غزو العراق واحتلاله تظهر في النقاط التالية:

1. تصاعد المقاومة العراقية:

تتصاعد المقاومة المسلحة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي عمقاً واتساعاً، مكبدة القوات الأمريكية خسائر بشرية ومادية يوما ًبعد يوم.

وقد أكدت صحيفة «الفيغارو» الفرنسية أن القوات الأمريكية في العراق باتت مستهدفة ومنهكة القوى، وقد تمركزت في مواقع دفاعية جراء المقاومة اليومية، وأن قرار وزارة الدفاع الأمريكية بتمديد مهمة فرقة المشاة الثالثة في العراق إلى أجل غير مسمى قد جاء على خلفية ما تواجهه قوات الاحتلال من مقاومة عراقية يومية، كما أكدت أن معالم تنظيم المقاومة للاحتلال برزت في أكثر من منطقة يجمعها هدف واحد، وهو طرد القوات الأمريكية من العراق.

وقد أثار تمديد مهمة فرقة المشاة الثالثة استياء وامتعاضاً بين صفوف ضباط الفرقة وجنودها، مما دفعهم للإدلاء بتصريحات عبرت عن غضبهم بسبب فقدان الأمن وطالب أحدهم باستقالة وزير الدفاع رامسفيلد. وقال أحد ضباط هذه الفرقة: «لقد تعبت من  الذهاب إلى السرير، وأتساءل فيما إذا كنت سأصحو في الصباح، لقد تعبت من النهوض صباحاً وأنا أتساءل فيما إذا كان اليوم هو اليوم الذي ساقتل فيه، نحن هنا منذ البداية، لقد حان وقت الرحيل». كما عبرت زوجات الجنود الأمريكيين عن قلقهن البالغ، وهبطت معنوياتهن، جراء عدم معرفتهن متى سيعود أزواجهن من المحرقة العراقية.

حرب عصابات منظمة

واعترفت واشنطن بأنها تواجه حرب عصابات منظمة وأعلنت أنها في سبيل إرسال عشرة آلاف جندي جديد لسد الفراغ الذي نشأ عن عدم تلبية العديد من الدول دعوتها لإرسال قوة إلى العراق لتخفيف العبء عن جنودها.

وإذا ظنت واشنطن أن مقتل ابني صدام سيوقف المقاومة ضد الاحتلال أو سيضعفها إلى أدنى درجاتها فإنها واهمة، لأن الواقع يقول غير ذلك.

2. رفض المشاركة في العراق:

وتحت ضغط الرأي العام الأمريكي، ومجلس الكونغرس، وهجمات المقاومة المتصاعدة، وازدياد الخسائر بين صفوف الجنود الأمريكيين، أخذت إدارة بوش تفكر بإمكان إعطاء الأمم المتحدة دوراً رئيسياً في العراق حتى لايقع العبء كله على الولايات المتحدة وحدها، ووصلت الضغوط على البيت الأبيض إلى حد مطالبة أحد أعضاء الكونغرس بإنهاء «الاحتلال» والتخلي عن الغطرسة وتدويل الأزمة.

وكان وزير الخارجية الأمريكية كولن باول قد أعلن أن واشنطن تتدارس مع دول أخرى، ومع الأمين العام للأمم المتحدة مسألة استصدار قرار جديد بشأن العراق يفوض بإرسال قوة حفظ سلام إلى العراق كوسيلة لإشراك دول أخرى في هذه القوة.

لا مشاركة فرنسية ولا ألمانية

وقد أعلنت كل من ألمانيا وفرنسا أنهما مصممتان على عدم إرسال قوات فرنسية وألمانية إلى العراق إلا في إطار قوة دولية يفوضها مجلس الأمن، وقد اشترطت فرنسا أن يتضمن قرار جديد من مجلس الأمن انسحاب القوات الأمريكية والبريطانية لأن المقاومة لن تفرق بين جندي أمريكي أو بريطاني أو فرنسي، وهذا سيخلق أزمة جديدة بين واشنطن وباريس.

وقد علقت مجلة «نيوزويك» الأمريكية في طبعتها العربية على دعوة الإدارة الأمريكية لمشاركة الآخرين بقولها: «إنه بعد ما أدارت واشنطن ظهرها لجميع اللاعبين الأساسيين في المجتمع الدولي، حين سارعت إلى غزو العراق، وبعد أن أبقت الأمم المتحدة بعيداً عن مسرح الأحداث، أخذت الآن تسعى لمشاركة الآخرين في تحمل الأعباء الناجمة عن احتلالها الطويل للعراق، ولكنها ستحافظ على دورها الريادي من خلال  تقديم العدد الأكبر من القوات».

نفقات الحرب الباهظة

3. مع تصاعد المقاومة، لاتزداد الخسائر الأمريكية فقط، بل تزداد أيضاً النفقات الباهظة التي تتكلفها الميزانية الأمريكية، وقد أعلن البنتاجون أن النفقات العسكرية لغزو العراق واحتلاله والفترة التي تلتها بلغت 485 بليون دولار حتى اليوم، فضلاً عن نفقات إضافية كل شهر تقدر بـ 4 بلايين دولار أمريكي، مما يشكل نزيفاً للميزانية وعبئاً ثقيلاً على عاتق الشعب الأمريكي،وقد توقع مسؤول في وزارة الدفاع أن تصل تكاليف الحملة إلى 58 بليون دولار بحلول نهاية السنة المالية.

4. الضغوط على بوش في الداخل:

أما في داخل الولايات المتحدة، فإن المعركة تشتد بين الديمقراطيين والجمهوريين كلما اقتربت فترة الترشيح للانتخابات الرئاسية القادمة، حيث ينوي الرئيس بوش الفوز بولاية رئاسية ثانية، ويستغل الديمقراطيون أوضاع بوش بعد النتائج السلبية لاحتلال العراق فيكثفون هجماتهم عليه  التي أضعفته:

■ الصعوبات الهائلة التي تواجهها القوات الأمريكية في العراق.

■ الجدل الحامي الدائر حول الكذب المفضوح الذي مارسه بوش وبطانته فيما يتعلق بوجود أسلحة دمار شامل في العراق لتبرير غزوه واحتلاله، والذي تبين أن هذه الدعوى كاذبة ولا أساس لها من الصحة.

■ تعثر الاقتصاد الأمريكي بدلاً من تعزيزه بعد احتلال العراق، وأهم مظاهر هذا التعثر التي يستغلها الديمقراطيون لإضعاف بوش هي كما قالت وكالة «فرانس برس»:

1) العجز المتزايد في الميزانية الذي سيبلغ 455 مليار دولار وهو أكبر عجز يسجل في تاريخ الولايات المتحدة.

2) زيادة معدلات البطالة التي بلغت ثلاثة ملايين عاطل عن العمل.

3) زيادة نفقات الحرب في العراق.

4) تراجع صورة الولايات المتحدة في العالم.

إن واشنطن التي ركبت رأسها وأصرت، مع بريطانيا على غزو العراق واحتلاله تحت حجج تبين أنها غير صحيحة  البتة، تجد نفسها اليوم في وضع لاتحسد عليه، وتبين لها أن دخول الحمام ليس كالخروج منه/ وأن بوش يرى نفسه يوماً بعد يوم في طريق الانزلاق نحو هاوية السقوط في الانتخابات الرئاسية القادمة، وسيطويه النسيان كما طوى غيره.

أما الشعب العراقي فلن يرضخ لأي محتل لأرضه، ومعتد على أبناء شعبه، وسيقاتل ببسالة حتى يطرد آخر جندي أمريكي وبريطاني دنَّس أرض العراق الشقيق وستخرج الولايات المتحدة شاءت أم أبت مهزومة، كما انهزمت إمبرياليات قبلها، ولكنها ستكون أقصر إمبريالية عمراً في التاريخ.

■ عادل الملا

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.