عباس يعود من واشنطن صفر اليدين

عاد رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس من واشنطن صفر اليدين، لأن ما حققه من نجاح هناك، إن كان يسمى نجاحاً، مالبث أن تبدد بعد زيارة شارون للولايات المتحدة والمحادثات التي أجراها مع الرئيس بوش واتفاقهما التام على القضايا المطروحة التي تتعارض مع مضمون بنود خارطة الطريق التي اقترحتها واشنطن ذاتها وهي:

1. الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلت بعد انتفاضة القدس.

2. إلغاء جميع الحواجز الأمنية التي وضعتها القوات الإسرائيلية، والتي يبلغ عددها 130 حاجزاً، لم تلغ إسرائيل منها إلا ثلاثة حواجز ذراً للرماد في العيون.

3. إلغاء الجدار الفاصل الذي تبنيه إسرائيل، وتقتطع بموجبه مساحة جديدة واسعة من الأراضي الفلسطينية ويجعل ما يتبقى من الأرض والقرى والمدن كانتونات محاصرة.

4. إطلاق الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية إطلاقاً كاملاً وبدون تمييز بين منظمة وأخرى.

5. توقف إسرائيل عن الأعمال العدوانية اليومية من قتل وجرح واعتقال وتدمير.

عباس يتمسك بالهدنة

ومع أن الخيبة بدت واضحة على ردود الفعل الفلسطيني على مواقف الرئيس بوش، فإن حكومة محمود عباس أكدت بأنها لن تتراجع عن سياستها، وأنها مستمرة على النهج ذاته، من خلال التركيز على الجهود الدبلوماسية على الصعيد الدولي ولاسيما مع الإدارة الأمريكية بل أكثر من ذلك عبر عن ارتياحه «لتفهم الإدارة الأمريكية للقضايا التي طرحها»!!

أما القوى الوطنية الفلسطينية فلها رأي آخر، فقد هددت بإعادة النظر بالهدنة التي التزمت بها، وقال عبد العزيز الرنتيسي أحد قادة حماس، بأن المخاطر تقترب جداً من إلحاق الضرر بآمال الشعب الفلسطيني وأهدافه الثابتة.

هل الثقة مبررة ببوش؟

فهل ثقة محمود عباس بالرئيس بوش وإدارته مبررة حتى يصر على موقفه بالإبقاء على الجهود السياسية فقط وتجميد نضال المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال ولاتستفيد منه إلا إسرائيل فيما إذا اتفق بوش وشارون؟

1. بتأييده لإقامة الجدار الفاصل الذي اعتبره قبلاً «مشكلة» وسماه فيما بعد «سياجاً أمنياً» لمحاربة ما يسمى بـ «الإرهاب» أي نضال المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال.

2. لم يغير بوش موقفه من مسألة الأسرى الفلسطينيين، فهو يؤيد باستمرار احتجازهم، كما أنه يؤيد سياسة الابتزاز التي يتبعها شارون ـ موفاز ـ لمبادلة الرهائن بتنازلات فلسطينية.

3. ربط بوش تأييده لإقامة دولة فلسطينية، ليس معروفاً ما هي حدودها وشكلها ووضعها بشرط القضاء على «الإرهاب» أي حل منظمات المقاومة وتجريدها من السلاح.

ماوراء تراجع بوش

إن تراجع بوش عن تصريحاته السابقة يعود إلى أنه لا يفكر إلا في شيء واحد، هو الحصول على أصوات اليهود وأموالهم  التي سيحتاج إليها في معركته الانتخابية المقبلة. ومن أجل هذا الهدف الكبير، لافرق عنده إذا أطلقت عصابة شارون الأسرى الفلسطينيين أو واصلت احتجازهم، كما أنه لا يهمه أن يقضم الجدار الفاصل مزيداً من الأراضي الفلسطينية، وحتى ليس ثمة داع لأن يفتعل شارون أزمة بسبب الاستيطان، وبالتالي لا مبرر لأي  تغيير في سياسة واشنطن التقليدية الموالية لإسرائيل على طول الخط لمجرد تنفيذ خارطة الطريق، لأن هذه الخارطة وجدت أصلاً لإجهاض الانتفاضة وإلغاء حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما في ذلك القدس.

إن إسرائيل وواشنطن اللتين اخترعتا منصب رئيس الوزراء واقترحتا أن يكون محمود عباس في هذا المنصب، يسقطانه من أول الطريق ويغرقانه في الأوحال.

ضياع خارطة الطريق

إن «خارطة الطريق» قد ضاعت في الطريق بين تل أبيب وواشنطن، وأن الولايات المتحدة لحست كلامها وأخلفت كعادتها في وعودها، ولاتفكر إلا في مصالحها، وإذا كان الشيطان يمكن أن يدخل الجنة فيمكن أن تكون الولايات المتحدة صديقاً للشعوب، فنحن لم نسمع ولم نجد الآن من خلال تاريخها أنها قدمت عوناً نزيهاً لأي شعب من الشعوب.

 

إن الشعب الفلسطيني، وقواه الوطنية ليس أمامهما إلا طريق واحد، وهو رص الصفوف والعودة إلى المقاومة التي أقضت مضاجع المحتلين الإسرائيليين لاستعادة الحقوق المشروعة فهذا هو السبيل  الوحيد ولا سبيل غيره.