مَن يمارس الدمار الشامل، ومَن يدفع فواتيره؟

 تناقلت بعض وكالات الأنباء مؤخراً وبشكل عارض تقريباً نبأ وفاة شاب من البوسنة بمرض السرطان متأثراً بجرعات اليورانيوم المستنفد التي خلفتها القذائف الأطلسية والأمريكية إبان حربها التدخلية في يوغسلافيا ومنطقة البلقان تقسيماً لهما، والمفارقة أن ذلك جرى تحت يافطة حماية حقوق الإنسان والأقليات وتحسين حياة الأفراد وتخليصهم من الأنظمة الشمولية القمعية ليتحولوا أسرى مخلفات تلك الحرب.

وذكرت الأنباء أن الشاب كان يبلغ من العمر 17 عاماً وأنه خاض صراعاً مريراً مع المرض منذ سنوات عدة لدرجة أنه كان يرفض النوم كي لا يفقد لحظات يريد اقتناصها من الحياة ليغيبه الموت بمفعول لاحق للقذائف الأمري-أطلسية.

وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة أطلقت باعتراف البنتاغون، 18000 قذيفة في البوسنة خلال الحملة الجوية عام 1994 و1995. ونتيجة لذلك تضاعف معدل الإصابة بمرض سرطان الدم (اللوكيميا) إلى ثلاث مرات خلال السنوات الأخيرة.

أما في حرب كوسوفو التي استغرقت 78 يوما عام 1999، فقد أطلقت الولايات المتحدة 31000 قذيفة مصنوعة من اليورانيوم المستنفد على المدرعات والدبابات اليوغسلافية، أي ما يقارب 10 أطنان من اليورانيوم المستنفد وحوالي 3% مما استخدم في حرب الخليج الثانية. كما بدأت أعراض البلقان تجتاح أوروبا بعد اكتشاف حالات سرطانية بالقرب من مناطق القصف.

وبدأت فضيحة استخدام اليورانيوم المستنفد في الحروب الأمريكية في الخليج عام 1991 وفي البلقان في الأعوام 1994و1995 و1999، وأخيرا في أفغانستان عقب أحداث 11 أيلول 2001 وفي العراق 2003، تأخذ أبعادا جديدة بعدما ارتفعت أعداد الجنود الأمريكيين والبريطانيين والأوربيين المصابين بأعراض الإشعاعات التي تتصاعد من اليورانيوم المستنفد إلى 130 ألف جندي باتوا يشتكون من مصاعب صحية تتفاوت بين مشاكل في الجهاز التنفسي ومثلها في الكبد والكلية وفقدان الذاكرة والصداع والتعب المستمر والحمى وانخفاض ضغط الدم وصولاً إلى الموت بالسرطان كالهرة التي تأكل أطفالها.

وقد تلقى العراق خلال حرب الخليج الثانية نتيجة لقصفه بقذائف اليورانيوم المستنفد ما يعادل سبعة أضعاف القوة التدميرية التي تعرضت لها مدينتا هيروشيما وناغازاكي اليابانيتان بعد قصفهما بالقنابل النووية الأمريكية في نهاية الحرب العالمية الثانية، بواقع 940.000 قذيفة يورانيوم، وهو ما يساوي 350 طنا من اليورانيوم المستنفد هي فقط مخلفات القصف، و14000 قذيفة دبابات، وقصفت المنطقة بحوالي 50.000 صاروخ و88000 طن من القنابل.

اليورانيوم المستنفد أحد أسلحة الدمار الشامل وله قدرة تدميرية تطال المكونات البيئية كلها، وهو بالأصل أحد مشتقات اليورانيوم الطبيعي، ويعبأ به نوع من القنابل تطلق من المدافع أو تلقى من الطائرات المقاتلة، وله قدرة عالية على إذابة المواد الصلبة الخرسانية والمدرعة محولاً إياها إلى كتلة من اللهب وتطلق في الهواء أكسيد اليورانيوم الذي يسبب مشاكل صحية تسبب السرطان وأمراضا أخرى كثيرة.

وفي ثنايا هذه الحرارة ينبعث اليورانيوم في جزيئات متناهية الصغر إلى تراب الغلاف الجوي، وفي تراب الغلاف الجوي يخبز اليورانيوم نفسه في عجينة الجزئيات المجهرية التي تعلق إلى الأبد بتراب الغلاف الجوي.

 

لقد استخدم اليورانيوم المستنفد في أنظمة الأسلحة الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية (ضد مصر ولبنان) لما لا يقل عن 15 عاماً وتم تصديره إلى أكثر من 20 دولة.