«النووي» بين الردع والفوضى..

 مع تحويل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما يسمى ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي لوحت طهران بمواجهة مع الغرب تمتد إلى العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان، مؤكدة بلسان عدد من قادتها أنها لن تتراجع عن برنامجها النووي حتى وإن أدى ذلك إلى عقوبات أو ضربات أمريكية..

«النووي» بين الردع والفوضى..

مع تحويل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما يسمى ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي لوحت طهران بمواجهة مع الغرب تمتد إلى العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان، مؤكدة بلسان عدد من قادتها أنها لن تتراجع عن برنامجها النووي حتى وإن أدى ذلك إلى عقوبات أو ضربات أمريكية..

واشنطن تصعِّد وإيران تتوعد..

وقال علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية إنه «إذا هاجم الأمريكيون إيران سنضرب مصالحهم في كل مكان ونسقطهم من موقعهم كقوة عظمى»، في حين حذر الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد من أن أولئك الذين يريدون "انتهاك حقوق إيران" في الملف النووي "سوف يندمون سريعا على ذلك".

وقال نجاد "يجتمعون ثلاثة ثم خمسة ثم خمسة عشر لكن هذا لن يبدل شيئا"، في إشارة إلى ضغوط الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) وما يمكن أن يصدر من قرارات عن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ودول مجلس الأمن الخمس عشرة..

ومع اتضاح المسار باتجاه مغامرة أمريكية جديدة في المنطقة بمعالم منها التدهور المتعمد للأوضاع في كل من لبنان والعراق وازدياد الضغوط والتهديدات ضد سورية، ناهيك عن ارتفاع أسعار النفط وازدياد حدة الأزمة الدولارية الأمريكية، قال مسؤول إيراني إن بلاده «تأمل في أن تتغلب الدبلوماسية لكن الأمريكيين يريدون إذلالنا ويريدون أن نتخلى عن حقوقنا المشروعة وإلا يشنون هجوما علينا" مضيفاً أنه بما أن إيران لا تنوي الرضوخ للضغوط والتراجع عن مشاريعها النووية "فإننا نتوقع أن تنتهي هذه القصة كلها بهجوم أمريكي على إيران ونحن مستعدون له".

سياسات واشنطن بين إيران والهند

وبينما يتوقع أن يتخذ مجلس الأمن عقوبات ضد إيران كما حذرت من ذلك واشنطن، برز فصل جديد من ازدواجية المعايير الأمريكية الهادفة إلى ضمان مصالح الاحتكارات الصناعية العسكرية الأمريكية على حساب تأجيج الحروب والصراعات الداخلية والإقليمية في مناطق العالم المختلفة بدل الإسهام في تهدئتها حسب الشعارات التي يرفعها البيت الأبيض نظرياً.

وكانت آخر تجليات ذلك الصفقة النووية التي عقدها بوش مع الهند. وحسب الكاتب جوزيف سيرينسيون فإن التفاصيل التي توفرت حول هذه الصفقة التي لم يكشف عن جميع جوانبها بعد تشير إلى احتمال موافقة واشنطن على أن تستثنى ثلث المفاعلات الهندية النووية الموجودة والتي يراد بناؤها من التفتيش والمراقبة التي تقوم بها الهيئة الدولية للطاقة النووية لتلك المفاعلات وعلى أن يوافق بوش على المطالب الهندية التي تدعو إلى حصر التفتيش على بعض المنشآت النووية الهندية الأخرى بمختصين هنود. لكن الأسوأ من ذلك هو تأكيد المسؤولين الهنود بأن الهند وحدها ستصبح بموجب الصفقة مع بوش صاحبة القرار بمستقبل المفاعلات النووية التي ستختص بالشؤون العسكرية النووية وهي التي ستحددها وتحولها إلى مفاعلات لا تخضع لأي مراقبة أو تفتيش من الهيئة الدولية للطاقة النووية. وهذا يعني أن إدارة بوش ستصادق على برنامج الأسلحة النووية الهندي وعلى تقديم المساعدة له أيضاً. وبهذه الطريقة ستزود واشنطن الهند بالوقود النووي المستخلص من اليورانيوم الأمريكي وتحرير الهند من هذه العملية التي لا يتوفر فيها إلا القليل من اليورانيوم الهندي الذي ستقوم بحرقه في هذه المفاعلات من أجل صناعة الأسلحة النووية. وسوف تتمكن الهند من خلال هذه الصفقة من زيادة إنتاجها للقنابل النووية التي يقدر الآن إنتاجها السنوي منها بست إلى عشر قنابل نووية سنوياً وتصبح قادرة على زيادة الإنتاج بعشرات القنابل النووية في كل سنة. وكانت الهند قد نجحت في استخلاص البلوتونيوم الذي يكفي لصنع 75 إلى 110 قنابل نووية من اليورانيوم المتوافر لديها، لكن أحداً لا يعرف بعد عدد القنابل النووية التي صنعتها حتى الآن.

طبخة سرية حتى على أنصار بوش

وتقول مصادر الجمهوريين إن الصفقة تم «طبخها» على يد عدد من المسؤولين الأمريكيين الكبار، ولم تجر مراجعتها من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع أو وزارة الطاقة النووية الأمريكية قبل الإعلان الذي جرى عنها في حفل أقامه الرئيس بوش للرئيس الهندي مانموهان سينغ. وظهر أيضاً أن الكونغرس لم يستشره أحد في هذا الموضوع ولم يسمع به الأعضاء الجمهوريون في هيئة قيادة الحزب الجمهوري إلا عن طريق (فاكس) وصل إلى مكاتب هذه القيادة. ورأى عدد من الجمهوريين أن «أسوأ ما حصل هو أن الرئيس بوش قدم تنازلاً كبيراً لحكومة أجنبية على حساب مصالح الأمن القومي الأمريكي».

لعبة النووي في الأبعاد

الإقليمية والدولية

وبينما يندرج التودد الأمريكي للهند في سياق سعي واشنطن المحموم لمواجهة النفوذ الصيني المتعاظم اقتصادياً وإقليمياً مع فرض المزيد من محاصرة أي دور روسي إقليمي بارز محتمل، سارع مشرف إلى زيارة بكين في محاولة خلق ضغط موازٍ دون أن يغفل الباكستانيون الإسراع إلى الإعلان بأنهم يتوقعون أن تقوم واشنطن بصفقة مماثلة معهم، ولكن واشنطن رفضت. أما إسرائيل فهي الأخرى لن يفوتها القطار، وربما تجد دول أخرى أنها ستكون قادرة على خرق القواعد المتبعة في موضوع حظر انتشار السلاح النووي وتقوم هي الأخرى بتصدير تكنولوجيا صناعة السلاح النووي لدول صديقة. فثمة شائعات تشير إلى أن الصين على استعداد للبحث مع باكستان من أجل عقد صفقة تزودها بموجبها بمساعدات نووية.

بوش ومرحلة «الجنون النووي»

الصحفي الأمريكي بوب هيربرت يرى أن أفضل طريقة لفهم إدارة الرئيس بوش وسياساتها هو الاطلاع على ما جاء في المقال ذائع الصيت الذي نشرته "نيويورك تايمز" تحت عنوان "الإيمان واليقين ورئاسة جورج بوش" للكاتب رون سوسكين. وهو المقال الذي أورد فيه الكاتب كيف استخف أحد كبار مستشاري الرئيس بوش بازدراء بالمجتمع القائم على معطيات واقعية. فحسب رأيه، لم يعد العالم كما كان في السابق يستند إلى واقع ثابت بعدما تغيرت الحقائق وتبدلت، وبعدما تحولت "أمريكا إلى إمبراطورية تستطيع خلق واقع جديد يلائم أهدافها ومصالحها الكبرى".

واللافت أن هذا النوع من التفكير الغريب والخارج عن السياق وجد له صدى في الأسبوع الماضي على يد الرئيس بوش نفسه. فبعدما وظف الرئيس بوش مزاعم تقوم على التهديدات النووية لتبرير اجتياحه للعراق، ها هو اليوم يبرم اتفاقا نووياً مع الهند يمكنها من مضاعفة إنتاجها للأسلحة النووية بأكثر من ثلاث مرات في خرق سافر للاتفاقات الدولية، وفي نكوص واضح عن عقود طويلة من السياسة الأمريكية في مجال حظر الانتشار النووي (..) خارج أعضاء ما يسمى بالنادي النووي الذي يضم خمس دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين علماً بأنه لم يمض على طريق التسلح النووي سوى عدد محدود من الدول مثل إسرائيل وباكستان والهند، وربما كوريا الديمقراطية.

تصعيد مفتعل للعسكرتاريا النووية

في جنوب آسيا

ويبدو واضحاً أن هذه الصفقة المفاجئة جاءت منسجمة مع ما يسميه مجلس الأمن القومي الهندي منذ سنوات طويلة قوة الردع النووي أو «الحد الأدنى المُقْنع».

ويذكر فرنسواز شيبو أنه بعد 15 شهراً على التجارب النووية الخمس في صحراء رجاستان الهندية (أيار 1998) اقترح مجلس الأمن القومي عقيدة نووية هندية، وركن العقيدة المقترحة هذه هو «الحد الأدنى من الردع المقْنع»، في ثلاث دوائر: جواً، براً وبحراً. وتفترض هذه العقيدة التزام الهند ألا تكون البادئة في استعمال السلاح النووي، ولكن المجلس يدعو إلى إنشاء قوات نووية قادرة على استيعاب الضربة الأولى قبل الرد عليها على نحو «ينزل في المعتدي خسائر تفوق احتماله». ويوضح النص الذي أقره المجلس ان «مفهوم الحد الأدنى من الربح المقنع مفهوم متطور ومتغير، يتصل بالإطار الاستراتيجي وبالضرورات التكنولوجية وحاجات الأمن الوطني، فحجم القوات النووية، ومكوناتها ونشرها واستعمالها، ينبغي بتها في ضوء عوامل الإطار الاستراتيجي والضرورات والحاجات هذه، ولا تقبل الهند، مهما كانت الظروف، تقييد قدراتها في حقل البحث والتطوير»، أو حقل التقدم التكنولوجي.

 

وعلى الرغم من أن مقترح التعاون النووي بين الولايات المتحدة والهند لا يقيد متابعة البرنامج العسكري الهندي يذهب معارضون كثر إلى أن هذا التعاون يؤدي، فعلاً، إلى تقييد قدرات الهند النووية. فالمشكلة، على قول الأميرال راجامينون رئيس اركان سلاح البحرية سابقاً وخبير الشؤون الأمنية، هي أن العقيدة النووية بقيت عقيدة عامة من غير إرسائها على نهج تنفيذي أو تطبيقي. (..) وليس العسكريون هم من يتولى في الهند الإشراف على برنامج أسلحة الدمار الشامل. وقيادة القوات الاستراتيجية، غير موجودة إلا نظرياً حيث يتولى العلماء القيادة الفعلية، وإليهم يصدر أمر رئيس الحكومة بالاستعمال.