انتصار فكر المقاومة.. الطريق إلى فلسطين

تصب جميع القراءات حول الانسحاب الإسرائيلي من غزة في مقولتين الأولى تصدق على دور المقاومة الأساسي والأكيد عقب الضربات العسكرية المتكررة التي قامت بها. وعليه ينبغي الاستمرار في هذه الضربات حتى تحرير بقية الاراضي الفلسطينية.

أما القراءة الأخرى فتصب في أن الضغوط السياسية أدت إلى ذلك وبالتالي تعتبر هذه القراءة أن أي انسحاب إسرائيلي مكسب إذا تمكن الفلسطينيون من توفير مقومات ممارسة سيادة السلطة الفلسطينية –وبات معروفاً ما هي القوى المتمثلة في هذه السلطة- بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن جعل هذه السيادة عامل قوة في مراحل «التفاوض» القادمة، لمكاسب لاحقة..

المقاومة أولاً وأخيراً

تكمن المشكلة الحقيقية لدى أصحاب نظرية الضغط الدولي والمكاسب السياسية .. في مجموعة من الأسئلة يجب أن تطرح قبل تأكيد هذه القراءة أو دحضها.. أسئلة أهمها هل كان للكيان الصهيوني أن يتنازل عن سنتيمتر واحد من أي أرض فلسطينية في أي مرحلة من المراحل التاريخية لو لم تكن هناك مقاومة.. هل من المعقول أن يتناسى هؤلاء الدور الكبير الذي لعبته المقاومة عبر تاريخها الطويل والحافل أم أن قوات الاحتلال الصهيونية انسحبت كرمى لعيون أبو مازن .

وفجأة يتحول عدد كبير من المحللين والسياسيين إلى سذج متناسين حقائق التاريخ.. ليغطسوا في متاهات القراءات السفسطائية.. هذا إن نحن ابتعدنا عن نظريات التخوين المشهورة وعليهم الاختيار.

ودون أن نغفل الدور الكبير للمتغيرات الإقليمية والمغطس الأمريكي في «المستنقع» العراقي، والأدوار التي تتوزعها الولايات المتحدة على المنطقة إلاّ أن ذلك، لم يكن ليحدث لولا وجود المقاومة ويعتبر ذلك من البديهيات.. وأكبر دليل على ذلك مجموعة كبيرة من الأحداث المترافقة مع عملية الانسحاب أولها العمليات الأخيرة التي نفذتها المفاومة في المستوطنات، وليس آخرها الإعلان الصريح عن اسماء قادة المقاومة على مواقع الإنترنت.

مسرحية الانسحاب ومكاسب على الباب

رغم أن المقاومة الفلسطينية خربت على شارون كثيراً من لحظات المتعة، بمسرحية الانسحاب الإسرائيلي من غزة بتوافق مع شريكه الأمريكي. فقد عمل طوال الوقت على تمديد أيام الانسحاب وساعاته ودقائقه، في محاولة ليشاهد الرأي العام العالمي ما يجري. في مسرحية معدة تحكي عن معارضة إسرائيلية عنيفة للانسحاب من قبل المستوطنين المتطرفين، بالإضافة إلى تعويضات ضخمة لكل مستوطن يتم نقله من غزة إلى مستوطنات أخرى.

أما الرسالة التي يريد شارون إيصالها من خلال هذا العرض فتنقسم إلى قسم يحقق مكاسب سياسية لاحقة وآخر اقتصادية أما الأولى فمضمونها : إذا كان الانسحاب من 17 مستوطنة لا تضم أكثر من 8 آلاف مستوطن يحدث كل هذا الصخب الداخلي، فكيف سيكون الأمر إذا ما فكر أحد في تفكيك مستوطنات الضفة الغربية التي تضم حوالي 400 ألف مستوطن؟ أما المكاسب الاقتصادية فمضمونها: إذا كان نقل 8 آلاف مستوطن يكلف ملياري دولار، فما هي المبالغ اللازمة لنقل 400 ألف مستوطن من الضفة الغربية؟

والاستنتاج الذي يريد شارون الوصول إليه هو أن الخروج من غزة وتفكيك مستوطناتها تضحية كبيرة تقدم عليها إسرائيل، أما الخروج من الضفة الغربية وتفكيك مستوطناتها فهو أمر مستحيل. وحين يكون الأمر على هذه الصورة، فإن الحل السياسي، والمفاوضات السياسية، والحلول السياسية المقترحة منذ مؤتمر مدريد إلى اليوم تصبح لاغية، فليس هناك تطبيق للقرار 242، أو عودة إسرائيلية إلى حدود 1967، أو تنازل عن الأراضي التي استولت عليها إسرائيل في الضفة، أو تراجع عن قرار ضم القدس إلى الكيان الصهيوني، وعلى من يقبل هذه الشروط من الفلسطينيين أن يتقدم ليضع توقيعه عليها، أي أن يتقدم ليضع توقيعه على الحل الإسرائيلي المفروض، وليس على الحل المتفاوض عليه.

وهنا يعود دور المقاومة ليتأكد كحل وحيد على الساحة الفلسطينية، فدون المقاومة لن يكون هناك أرض. ودون المقاومة لن تمنح السلطة الفلسطينية أي هدية تفاوضية.. فأي طريق مهما كانت تسميته لاستعادة التراب الفلسطيني لن يمر إلاّ عبر المقاومة، وهو ما سيؤكده قريباً ... «طريق» الضفة الغربية.

فرط عقد الشباب

وعلى الرغم من ضآلة الانسحاب، إلاّ أن الكيان الصهيوني سارع إلى حصد المكاسب حتى قبل أن يتم انسحابه لتنتصر المقاومة في الداخل وينهزم كثر في الخارج.

 

ففي مواجهة الانسحاب الإسرائيلي من غزة ... سارع العرب إلى مجموعة من الانسحابات والتنازلات.. وحركة تطبيع متسارعة مع إسرائيل فخلال أسبوع واحد انفرطت حبات المسبحة، فباكستان المتشددة تجاه إسرائيل، والتي كانت تزايد على العرب وعلى الفلسطينيين في التشدد، تعلن التطبيع مع إسرائيل، والرئيس التونسي يجدد دعوته لارييل شارون لحضور مؤتمر في تونس، بالإضافة إلى أنباء مؤكدة عن زيارة للملك عبد الله الثاني ملك الأردن إلى الدولة العبرية، وأخرى للرئيس «المنتخب» حسني مبارك إلى تل أبيب.