العدوان الأمريكي... المنطقة كلها على حافة الخطر!

 انقضى شهر آب دون أن يلحظ المرء الكثير من القرقعة البوشية والتهويش والوعيد، واكتفى بوش ببالون اختبار حين نوه إلى عدم إبعاد احتمال الحرب ضد إيران تحت ذريعة برنامجها النووي.

ولحظات السكون النسبي في السياسة قد تحمل من المخاطر أكثر مما تحمله لحظات الصراخ بالتهديد والوعيد وشن الحروب العدوانية، وتحديد أولوياتها وتلمس الاستراتيجي والآني، وفي مثل تلك المحطات تتوجس الشعوب مزيداً من العدوانية اللاحقة.

ولكن الهدوء النسبي وعدم القرقعة كانت مصحوبة بدعاية واسعة عن الضربة الأمريكية لإيران بل كاد البعض يحدد وقتها ناهيك عن ضراوتها وشدتها، ولم يغب عن تلك الأقلام والترويج إلى أن تلك الضربة ستنهي إيران عسكرياً وتنهي قدرتها على الرد.

ولكن كل ذلك لم يستطع أن يحجب ما حققته إيران حيث أثرت على مسارات بحث المسألة النووية ومنحت البحث مسائل وأبعاداً جديدة، وخولتها بإمساك المبادرة، وأكدت أنها لم تفقد خيار تحديد مسار قضاياها، وأنذرت موضحة قدرتها على معالجة الخيار العسكري. ولم تعتمد إيران على معارضة واسعة لما نوه إليه بوش بشأن الاحتمال العسكري وكذلك فإنها وضعت الموقف الروسي والصيني دون أن تكتفي بهما.

وقد أصبح واضحاً أن التهويل بالضربة العسكرية وآثارها أزيح، فمهما كانت الآثار المباشرة فإنها لن تتعدى الإعلان عن بداية حرب ضروس، ولا يمكن لتلك الضربة أن تأتي كلياً على القدرات والفعالية العسكرية الإيرانية، فإيران لا تعتمد في ردها على تلك المواقع النووية وقدراتها العسكرية موزعة ومتنوعة ناهيك عن أنها تطال إسرائيل والقواعد الأمريكية في دول الخليج والعراق، كما تطال قطع الأساطيل الأمريكية في المنطقة، وطبيعي أن يكون لدى الجيش الإيراني اتجاهات محددة بشأن منابع النفط في المنطقة، نضيف إلى ذلك التداعيات المحتملة المرتبطة بالضربة الأمريكية في حال اللجوء لها، تلك التداعيات التي ستشمل كامل منطقة الشرق الأوسط ولن تستطيع إدارة بوش تحديد النطاق الجغرافي وبالتالي فإنها لن تكون قادرة على تحديد مسارات المعارك العسكرية وأماكنها وسيؤدي ذلك إلى فقدانها المبادرة العسكرية التي ستغوص بفقدان المبادرة السياسية والغوص في عزلة عميقة وواسعة حيث ستنعكس آثار الحرب العدوانية على العراق ولن تتوفر لبوش أية قوة تحالفية.

وطبيعي أن المسألة لها جوانب اجتماعية فما زال الوضع الإيراني الذي أدى لانتصار نجاد في معركة الرئاسة الإيرانية مازال ذلك الوضع يحتفظ ببريقه، كما أن مستويات التناقضات داخل الساحة الإيرانية لا تساعد إدارة بوش على أي شرخ داخلي، وينبغي لفت الانتباه إلى أن القاعدة المعروفة وهي اللجوء إلى الحروب من قبل الإمبريالية للخروج من الأزمات لا يمكن النظر إلى تلك القاعدة بصورة ميكانيكية، فالوضع الذي تكون الآن بعد الحرب العدوانية على العراق أفرز حاله وهي أن ساحة حرب أخرى ستكون مجالاً لتعمق الأزمة الإمبريالية الأمريكية ولن تكون مخرجاً من الأزمة، إن الاتفاق العسكري يتحول في ظروف محددة من عامل مستعد للخروج من الأزمة إلى عامل يشدد الأزمة ويكشف كل جوانبها ويعمق التناقضات التي في أحشائها والتي دفعت إلى خيار الحرب بأمل الخروج من الأزمة.

وإذا كان رجال الإدارة الأمريكية ابتعدوا عن الفرقعة والتهويل والوعيد فإن الرئيس شيراك أوضح بصورة ساخرة عن الاتفاق مع إدارة بوش بشأن الحلقة الراهنة والمباشرة وبات واضحاً أن تلك الحلقة هي لبنان وسورية، أما الساحة الفلسطينية فهي شأن شارون وخططه من جهة والاستعانة بدور مصري من جهة أخرى، ففي هذه الحلقة الكثير من التفكك الداخلي وفيه الكثير من التناقضات المتعددة والمتنوعة، كما فيها الكثير من المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وإذا كانت تصريحات شيراك في أواخر آب إنذاراً لسورية لكنه في الوقت نفسه كشف عن خطة مدروسة بين إدارة بوش وحكومة شيراك وجوهر هذه الخطة «تطوير الوضع» في سورية، ومعروف جيداً ما يراد لسورية تحت عنوان تطوير الوضع. وإذا كانت تلك الخطورة من مستوى التفاهمات الإمبريالية فإن الأخطر هو أن العديد من الحكومات العربية تقف إلى جانب ذلك سواء بصورة سافرة وعدائية أو بالاستناد إلى النصائح «الأخوية»، وتريد خطة بوش شيراك أن تصبح سورية عمقاً استراتيجياً لمعالجة الوضع في العراق، كما يرديونها عمقاً استراتيجياً في الخطة الاستراتيجية ضد إيران، ناهيك عن متطلبات خطط شارون والصهيونية العالمية بشأن توطين اللاجئين وتسييد إسرائيل على المنطقة والدوس النهائي على قرارات الشرعية الدولية وإنهاء كل مظهر من مظاهر المقاومة، فالساحة اللبنانية لها آفاقها الاستراتيجية في «الشرق الأوسط الكبير».

نعم الدول الإمبريالية ترى في سورية الحلقة الأضعف، الحلقة التي تعاني من مسائل كثيرة ولكن سورية قادرة أن تقلب الأمور رأساً على عقب، قادرة أن تكون منيعة خاصة إذا نضجت في الوعي حقيقة ترتقي إلى مستوى البديهيات ألا وهي أن السبيل هو الاستعانة بالداخل عبر معالجة وطنية متكاملة لمختلف المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذه هي المضامين الراهنة للخيار الوطني، أما من يريدون تجميد الأمور خدمة لمصالحهم وبالاستناد لنظرة سياسية سطحية فإنهم يدفعون الأمور بعيداً عن المصالح الوطنية وبعيداً عن متطلبات الصمود والنضال الوطني ضد الصهيونية ومن أجل تحرير الجولان وتأمين حقوق الشعب الفلسطيني.

دمشق 01/09/2005

 

 ■ يوسف السعيد