الانسحاب من غزة .. هل ضاع الغور ؟؟ خطط أمنية جديدة للكيان الصهيوني

وأولى هذه المكاسب محاولة محو ما يعنيه جدار الفصل العنصري من الذاكرة العالمية.. وثانيها جريمة السيطرة على أراضي منطقة الأغوار المحاذية لنهر الأردن، من خلال توسيع الاستيطان الإسرائيلي فيها، وتحويلها إلى عازل جغرافي وبشري يفصل فلسطين عن الأردن.

وقد بدأ التحضير لهذه الخطوة الجديدة منذ بداية العام 2004، وتدخل الآن حيز التنفيذ في الأشهر الثلاثة الباقية من العام 2005. وقد أشرف على هذا التحضير كل من وزير الزراعة يسرائيل كاتس الذي يترأس «اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان القروي»، ووزير المالية بنيامين نتنياهو (قبل استقالته) الذي يترأس «المجلس الوزاري المصغر للشؤون الاجتماعية والاقتصادية».

وقد تم الكشف عن تفاصيل هذا المخطط في مراحل عدة كان أولها في 6/1/2004 حين ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن وزير الزراعة يسرائيل كاتس، ينوي طرح مخطط جديد لتوسيع الاستيطان في غور الأردن. وقام كاتس في اليوم نفسه بجولة في منطقة الغور كي يقف عن قرب على خطط توسيع الاستيطان. وأتت هذه الجولة عشية النقاش الذي أجرته اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان القروي لبحث خطة تطوير وتوسيع مستوطنات غور الأردن وشمالي البحر الميت، وستكلف خطة تكثيف الاستيطان في غور الأردن 60 مليون شيكل خلال العام 2004، يضاف إليها 58مليون شيكل عام 2005.

وبعد ثمانية أشهر، وفي 8/9/2004، ذكرت صحيفة هآرتس أن وزير الزراعة يعد خططا لمصادرة 32 ألف دونم من الأراضي الزراعية الفلسطينية في غور الأردن لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية. وقالت الصحيفة إن كاتس أعلن خلال جولة قام بها في غور الأردن أنه ينوي العمل بسرعة ومن دون أي تأخير على تنفيذ خطة لتطوير الاستيطان القروي، وأنه سيطرح قريبا خطته هذه على اللجنة الوزارية لتطوير المستوطنات القروية التي يترأسها بنفسه. وحسب خطة كاتس سيتم الاستيلاء على 3200 دونم تقوم عليها معسكرات إسرائيلية سيتم إخلاؤها، والاستيلاء أيضا على 28 ألف دونم من أراضي المزارع الفلسطينية وتخصيصها للاستيطان.

واجتمع في يوم 21/7/2005 المجلس الوزاري المصغر للشؤون الاحتماعية والاقتصادية، برئاسة بنيامين نتنياهو وزير المالية، لبحث «تعزيز الاستيطان في غور الأردن»، وقررت اللجنة استثمار حجم كبير من الأموال في المنطقة بين السنوات 2006 ــ 2008 من أجل تطوير الزراعة هناك. كما تم في الجلسة ذاتها توسيع مشروع تشجيع الأزواج الشابة على السكن في غور الأردن.

تشكل منطقة غور الأردن 30% من مساحة الضفة الغربية، وقد تم الإعلان عنها منذ احتلال العام 1967 منطقة عسكرية مغلقة، وأنشئ بها حتى الآن حوالي 21 مستوطنة. وما يجري حاليا في الغور هو جزء من مخطط شارون للاستيلاء على 60% من الضفة الغربية، وإنشاء دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، حسب خطة خارطة الطريق، مع تهيئة الأجواء لتكون هذه الدولة دولة دائمة. وقد كان بناء الجدار العازل هو الخطوة الأولى الأساسية في هذا المخطط، والخطوة الأساسية الثانية هي وضع الغور تحت السيطرة الإسرائيلية، وبالتالي فإن 2500 مستوطن إسرائيلي، يقطنون 21 مستوطنة، سيسيطرون على كل أراضي الغور، خاصة وأن أغلبيتها أراضي دولة أو أراضي غائبين بالمفهوم الإسرائيلي. وعند تطبيق هذا المخطط تتحول مدينة أريحا إلى كانتون محاصر.

يشير الخبراء الفلسطينيون إلى أن أهداف الكيان الصهيوني تنصب في أربعة نقاط:

- اعتبار غور الأردن بمثابة حاجز أمني أمام ما كان يسمى «الجبهة الشرقية».

- السيطرة على كل مصادر المياه في الأحواض الجوفية.

- تحويل مستوطنات الغور إلى مستوطنات صناعية، ومناطق زراعية مرتبطة بالصناعة، مع إنشاء ما يسمى بالصناعات العلاجية عند البحر الأحمر.

- تحويل منطقة الغور إلى حاجز جغرافي (إسرائيلي) بين الدولة الفلسطينية والأردن يمنع التواصل بينهما.

وللتسريع في تنفيذ هذه الأهداف، تعمل الوزارات المختصة على استصدار قرار بتحويل منطقة الغور إلى منطقة ذات أفضلية (ألف)، وهذا يعني توفير أموال كبيرة لتطوير استيطان الغور وتسريعه.

لقد كان الكيان الصهيوني يقول دائما إن غور الأردن هو حدوده الأمنية التي لن يتنازل عنها في أية تسوية سياسية، وكان يبرر الاستيطان في منطقة الغور على أنه يخدم الهدف الأمني الاستراتيجي، وذلك من أجل إخفاء الجانب التوسعي في تعامل الكيان الصهيوني مع الأراضي الفلسطينية والعربية، والذي هو عنصر أساسي من عناصر الفكر الصهيوني، العلماني أو الديني. ولكن من اللافت للنظر، أنه في اللحظة التي يتم فيها البدء بتكثيف وتوسيع الاستيطان في منطقة الأغوار، يعلن فريق رسمي من خبراء الكيان الصهيوني الاستراتيجيين، أنهم بصدد صياغة «عقيدة عسكرية» جديدة للكيان الصهيوني، ويسجلون في هذه العقيدة أن الأراضي المحتلة برمتها (الضفة الغربية، وغور الأردن، والجولان السوري) لم تعد كلها ذات أهمية استراتيجية في الدفاع عن إسرائيل. وكشفت صحيفة معاريف ان الفريق الذي عمل أشهرا طويلة على بلورة «العقيدة الأمنية الجديدة»، ويتوقع أن ينتهي من مهمته بحلول رأس السنة العبرية، سيقدم رؤيته إلى رئيس الحكومة آرييل شارون كتوصيات ليتم تبنيها رسميا. وأشارت الصحيفة نقلا عن أعضاء في الفريق الإسرائيلي إلى أن العقيدة الأمنية الجديدة تعتبر أن «المناطق»، وهو التعبير الذي تستخدمه إسرائيل للإشارة إلى الضفة الغربية، «فقدت معناها الأمني كجبهة استراتيجية تحمي دولة إسرائيل الصغيرة لسببين: أولهما تلاشي احتمال نشوب حرب مباشرة بين الجيوش، كما في الماضي، والذي حل محله تعاظم تهديد الصواريخ البعيدة المدى، وتحديدا الصواريخ الايرانية، وكذلك التهديد الذي يشكله "الإرهاب العالمي"، بحيث لا تعود هناك جدوى لاحتفاظ اسرائيل بالمناطق». والسبب الثاني هو «ازدياد أهمية الأسرة الدولية وتعاظم قدرتها على فرض خطوات على دول العالم، الأمر الذي سيؤدي إلى ممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل لوقف سيطرتها على الأراضي.

وأشار أعضاء الطاقم إلى حقيقة أن الوسائل التكنولوجية الحديثة التي في حوزة إسرائيل تتيح لها الدفاع عن نفسها وشن هجمات على مواقع «أبعد وأكبر بكثير من مناطق الضفة والجولان».

 

وأوكلت مهمة صوغ العقيدة الأمنية الجديدة إلى فريق برئاسة الوزير السابق دان ميريدور وعضوية رئيس الأمن القومي غيؤورا ايلاند، ونائبه ايتمار ياعير، ونائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق جابي أشكنازي، والبروفيسور يهودا بن يئير، وآخرين.