تحريض أمريكي جديد ضد سورية.. والسؤال مرة أخرى عن سبل المواجهة

مع توالي صدور الإشارات التي ترجح قيام ضربة عسكرية أمريكية لإيران، يتوالى صدور التحليلات والتصريحات الأمريكية التي تشير إلى أن خيار واشنطن استهداف سورية عسكرياً مع ضربها وتطويقها اقتصادياً وعزلها سياسياً يواصل استكمال مراحله التمهيدية المتمثلة بالقصف الإعلامي التصعيدي استناداً إلى جملة مقولات ومعطيات يجري إطلاقها وتداولها وتعميمها كمسلَّمات دون أي دليل، مثل تحميل سورية مسؤولية تردي الوضع الأمني في العراق.

وفي جديد تلك التحليلات الأمريكية تأتي المادة التالية لكاتبها ميشيل يونغ تحت عنوان هل ستدفع إيران الولايات المتحدة لضرب سورية؟. وبالإضافة إلى أنه يشوه الحقائق لجهة أنه يشير إلى أن إيران بما تمثله من تحد من خلال ملفها النووي هي التي تدفع واشنطن نحو ضرب سورية لا أن واشنطن تريد ذلك، وأن دور القوى الإقليمية في العراق هو البارز لا مشيئة سلطات الاحتلال والوالي الأمريكي هناك (السفير زلماي خليل زاد)، فإن عنوان هذه المادة مع مضمونها يؤكدان استنتاجاتنا السابقة من أن واشنطن محكومة بتوسيع دائرة حروبها بسبب أزماتها الداخلية المختلفة والتي لم يتناولها الكاتب باستثناء انعكاسات المأزق العراقي على الإدارة الأمريكية التي يحثها على اعتماد سياسة واضحة وحاسمة ضد سورية بذريعة تصفية الحسابات مع  النظام والسلطة.

هل ستدفع إيران الولايات المتحدة لضرب سورية؟

إن إيران مهتمة جداً بدفع برنامجها النووي وذلك كي تصل جزئياً إلى تسويات اقتصادية ايجابية مع أوربا، أما سورية فقد ابتعدت بثبات عن الأوربيين، خاصة فرنسا وذلك بسبب سلوكها في لبنان.

إيران مهتمة اليوم قليلاً بالحوار مع واشنطن، أما استراتيجية سورية بأكملها، سواء في العراق أو غيره، فتقوم على أساس إظهار السوريين أنفسهم للأمريكيين بأنهم لا يمكن الاستغناء عنهم، وعلى أساس ذلك يمكن استئناف الحوار.

تحركات الأسد تثير سؤالاً أساسياً، وهذا السؤال يزداد بروزاً اثر الإحباط المتصاعد لدى الأمريكيين في العراق: هل أصبح الصدام بين سورية والولايات المتحدة حتمياً بشكل متزايد، وبالتالي سيمتد الصراع العراقي إلى سوريا خاصة على الجهة السورية المحاذية للعراق؟

إن نوايا أمريكا تجاه سورية غير واضحة. وخلال لقاءاتي مع مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى تشكلّ لدي إحساس واضح بأنه لا يوجد سياسة دقيقة تجاه النظام السوري، عدا تصعيب الأمور قدر الإمكان على الرئيس الأسد على أمل أن تنهار قيادته.

ولكن السؤال الحقيقي هو ما إذا كان الوضع الذي ستجد فيه الولايات المتحدة نفسها في العراق سوف لن يترك لها الكثير من الخيارات قريباًً.

إنها إيران هي التي تشكل تهديداً بعيد المدى للمخططات الأمريكية في العراق أكثر مما تفعل سورية. والإيرانيون هم الذين يقومون بهدوء بإنشاء نظام سياسي يكون بديلاً عن النظام الذي يفضله الأمريكيون، وهم يفعلون ذلك مع عدد كبير من الأشخاص أنفسهم الذين تعتبرهم الإدارة الأمريكية حلفاء لها. يأتي السوريون ليزيدوا الوضع اشتعالاً، لكنهم في الوقت نفسه غير قادرين على إقامة نظام عراقي قابل للاستمرار بحيث يستطيعون السيطرة عليه. وباعتبار أن الولايات المتحدة لا تملك الوسائل ولا السلاح الكافي لكي تجابه إيران عسكرياً، لا في منطقة الحدود ولا غيرها، لذلك فإنها قد تفضل أن تقوم بضرب سورية بدلا من ذلك.

هل تعتقدون أن هذا الكلام غريب؟ ربما، ولكن نقل الصراع إلى مسرح أكثر ملائمة قد يكون أمراً مغرياً بالنسبة لدولة بحاجة لنجاح عسكري، خاصة إذا كانت تفكر بسحب جزء من قواتها. ربما تفكر إدارة بوش أن تقوم أولاً بتصفية حسابها مع سورية، من أجل استعادة سيطرتها على العراق، وللقضاء على السيطرة الإيرانية المتزايدة هناك. يجب أن نأخذ بالاعتبار أن سوريا ضعيفة بينما إيران ليست كذلك. ليس لدى سورية حلفاء مخلصون بينما إيران لا تزال تعتبر دولة يمكن القيام بمبادلات تجارية معها، كما أن القضاء على الهجمات المفخخة حجة واضحة ومقنعة، في حين أن القضاء على النفوذ الإيراني هو مطلب حرج وأقل وضوحاً بكثير.

مثل هذا المنطق لا يختلف بكثير عن أسلوب إدارة نيكسون، على سبيل المثال، في كمبوديا عام 1969. فقد قامت الولايات المتحدة بقصف الملاجئ في كمبوديا التي تؤوي الفيتناميين الشماليين لكي تمنع دخول القوات والأسلحة إلى جنوب فيتنام، مما جر هذا البلد المحايد إلى كارثة. حصل هذا بعد أن فاز نيكسون بانتخابات عام 1968 بناء على خطة لسحب القوات من فيتنام، وقد اعتبر هذا القصف على أنه جزء من جهود الانسحاب.

الصراع مع سورية لن يكون على الأغلب بنفس القدر من الحدة. لكن غياب سياسة واضحة لدى الإدارة تجاه سورية، وبالنظر إلى تهور سورية في التعاون مع الجهاديين، والتهديد الإيراني المتزايد للخطط الأمريكية في العراق، يضاف إلى ذلك الصراع النووي الدائر، والانزعاج الأمريكي المتزايد  من التطورات الجارية في العراق، كل هذا قد يجعل إجراء تغيير جذري هو الخيار المفضل بالنسبة للإدارة. إذا حصل هذا فسورية ستكون الهدف الأكثر احتمالاً، حتى لو بدا الأمريكيون متجهين بشكل رئيسي نحو إيران.

وسواء اتفق المراقبون والقراء أم اختلفوا حول بعض أو كل تفاصيل المقاطع والمفردات المنشورة أعلاه، فإن منهجيتها «الخبيثة» هي التي تُبرز على السطح حقيقة أن التهديدات الأمريكية لسورية تتصاعد لتتبلور عدوانا،ً مقابل عدم وضوح الرؤية عن استعدادات الداخل للمواجهة، في وقت يبقى فيه الرهان الحقيقي على أن القسم الأكبر من السوريين متمسكون بفهمهم التاريخي للوطنية متمثلاً بالدفاع عن كرامتهم وسيادة بلدهم بغض النظر عن مختلف أشكال الاحتباس والاستياء الداخليين.

 

■ محرر الشؤون الدولية