«صحوة» ملك!

طباع الملوك وسياساتهم لها خصائصها، خاصة ملوك العرب الذين اعتادوا على تقديم الأضاحي الوطنية، حينا ًمن أجل السلام، وأحياناً من أجل «الوطن» و «العائلة الواحدة»، وفي وعيهم يتغلغل  أن الوطن والمواطنين إنما وجدوا لاستمرار ممالكهم، ولاتخلو الأمور من لحظات نادرة فيتذكرون ماوضعوه طي النسيان أو فرضوه على الشعوب أو كرسوه وقدموه هدية، ولا ضير إن كانت السيادة الوطنية والثروات وحتى الأرض واحدة من تلك الأضاحي.

منذ أيام وضع ملك الأردن مثالا ًواضحاً على كل ذلك، فتذكر موضوعة شارون «الوطن البديل» محذراً  من خطورة الأمور والأوضاع وأعلن رفض توطين الفلسطينيين وتذكر حق العودة. ولكن كيف تستقيم تلك الأمور بعد أن وقع اتفاقية وادي عربة ودمج قطاعات من الاقتصاد الأردني عبر خيوط بالاقتصاد الإسرائيلي وذهب بعيداً في مسالك التطبيع في كافة المجالات، وقام بدور هام على الساحة العربية للترويج لتلك السياسات بعد أن وافق على تأجير مساحات من الأراضي الأردنية المحتلة وآمن «بسلام» شارون واصطنع الكثير من الخلافات مع سورية ونصب أفخاخه الملكية كي يؤدي دوره في تأبين التضامن العربي وتقديم مبررات كي تسهم الكثير من النظم العربية في سياسات الضغط والتهديد ضد سورية.

يبدو أن كثرة الترحال إلى البيت الأبيض «وتفهمه» لاستراتيجية الشرق الأوسط الكبير وتنفيذه للعديد من المهام على الساحة الفلسطينية، يبدو أن كل هذا وغيره لم يسعف الملك في إحراز تجاوز «للوطن البديل» وتأمين استمرارية المُلك، ويبدو أن «ذكاء» الملوك الفطري «وحنكتهم»، لم يسعفاه في قراءة كل مافي طيات الشارونية واستراتيجية الشرق الأوسط الكبير ولم يذهب بعيداً في معرفة بوش، ولم يخطر بباله أن الممالك التي أنشؤوها ومنحوها الاستمرارية لن يخططوا لإنهائها.

وإذا كان ملك الأردن جاداً فيما يقول، فالطريق لم تعد سراً لإحباط تلك الخطط الصهيونية الأمريكية وأولها الاستناد إلى الشعب وإطلاق يديه في مختلف الأنشطة السياسية الوطنية، وترسيخ فاعل وفعلي لحقوقه في الحرية والديمقراطية واحترام كرامة المواطن وممارسة سياسة تعتمد السيادة الوطنية وتضع حداً للتطبيع السياسي والاقتصادي ومحاربة النهب والفساد واعتماد سياسات التضامن والصداقة مع سورية والتوجه الفعلي لتحقيق التضامن العربي ودعم صادق وأمين لنضال الشعب الفلسطيني.

 

والشيء الأخير الذي جانب «فطنة» الملك هو أنه لم يدرك أن الجعبة الشرق أوسطية الصهيونية الأمريكية تحتوي ملوكها وأمراءها وقد لايصلح ملوك (سايكس ـ بيكو) لتلك الاستراتيجية، كما أنهم لايصلحون لسلام بلير واسلافه، وقد لايجدون أماكن لهم في تلك الجعبة، وكل المنى أن لاتكون «الصحوة» الملكية جاءت متأخرة وبعد فوات الأوان.