جيلبيرتو ريفاس يطلق من بيروت معركة الأفكار ضد الإمبريالية
على هامش أعمال مؤتمر بيروت العالمي لدعم المقاومة التقت بعثة قاسيون السيد جيلبيرتو لوبيز ريفاس من شبكة الدفاع عن الإنسانية وهي شبكة من المفكرين والفنانين تأسست في كوبا والمكسيك بعد الحرب على أفغانستان والعراق، وهي تشكل مجموعة شبكات في كل من فنزويلا والاكوادور ونيكاراغوا والمكسيك وكوبا وفي إسبانيا أيضاً.
جيلبيرتو لوبيز ريفاس هو عالم أنثروبولوجيا مكسيكي يكتب في جريدة يومية تصدر في العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي اسمها (لاخورنادا)، وهو الذي ألقى كلمة هامة في حفل افتتاح الملتقى باسم قارة أمريكا اللاتينية.
● سيد ريفاس أهلاً بك على صفحات جريدة قاسيون.. وفي البداية ما هي طبيعة الأنشطة التي تقومون بها دفاعاً عن الإنسانية وضد الحرب؟ وهل لها طابع محلي أم إقليمي؟
لا، إنه إقليمي ونحن نعمل فيما يسميه فيديل كاسترو «معركة الأفكار» إذ أننا نعتقد أنه من الضرورة القصوى إلحاق الهزيمة بالإمبريالية في المجال الفكري وفي النقاش النظري فيما يتعلق بطبيعة الحروب وطبيعة النظام الرأسمالي وطبيعة الثقافة بحد ذاتها كتعبير عن المقاومة. فنحن نولي اهتماماً خاصاً للعالم الثقافي وأني اعتقد أن الإمبرياليين أقوياء جداً في الميدان الثقافي إذ أن لديهم انتصارات تجذب الشباب تحديداً وخاصة فيما يرتبط بفلسفات الاستهلاك والنزعة الفردية والبراغماتية. ولذك فإننا نبذل جهودنا في هذه المعركة الفكرية ضد هذه المظاهر الامبريالية وخاصة حول طبيعة الحرب وجعلها أمراً عادياً في الميدان الفكري وكل تلك الأفكار القائلة بأن المقاومة تعادل الإرهاب...
● والمصطلحات أيضاً..؟
نعم حول كيف يستخدمون المصطلحات من شاكلة الحرية والتحرر والديمقراطية ونحن نولي أهمية خاصة لمدلولات المفاهيم ومعانيها.. على سبيل المثال الديمقراطية حسب المفهوم الإمبريالي تعني ضرورة احترام القطاع الخاص والملكية الخاصة وأن الديمقراطية تعني تطوير النزعة الليبرالية الجديدة وتوسيعها وتعني وجوب إضعاف الدول الأخرى لأن الدول الإمبريالية قوية، وأن جيوش البلدان الأخرى يجب أن توضع في خدمتي كحارس شخصي مملوك لي شأنها في ذلك شأن مصالحها. ولذلك فإننا نطلب من الأعضاء في شبكتنا وهم أكاديميون أو مفكرون من مختلف الاختصاصات أو فنانون أن يقوموا بنشاطات حول ذلك مقالات – ندوات – مقابلات في الراديو والتلفزيون من أجل نشر هذه الأفكار إذ لا ينبغي أن نكون نحن فقط مستهلكي الأفكار المناهضة للإمبريالية والتي نقتنع بها، بل إن لدينا مهمة تجاه الناس بالإطار الأوسع لنشر أفكارنا وتوضيح أن الامبريالية وأفكارها هي طفرة وليست نموا طبيعيا
ولذلك فإن إحدى الجبهات الرئيسية في معركتنا دفاعاً عن الإنسانية هي موضوعة الحرب ومفهوم الإرهاب واستخدامه من جانب الولايات المتحدة ولدينا ما ندعوه «موسوعة الإرهاب». في كوبا وضعوا هذه الموسوعة ويمكنك قراءتها على شبكة الانترنت. ويوجد مئات المداخل لهذا المفهوم...
● تعني عمليات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية .. وعمليات الإبادة الجماعية..؟
نعم وكذلك مقالات تحلل طبيعة الإرهاب. فقد كتبت مقالاً ذات مرة عن إرهاب الدولة العالمي وكيف أن أول وكالة للإرهاب المنظم في العالم كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وأنها لم تكن مجرد وكالة لجمع المعلومات الاستخباراتية وإنما للقيام بأعمال ضد شعوب العالم وأنها ليست مثل أي وكالة تحتاجها أي دولة بطريقة أو بأخرى وإنما وجدت من أجل التدخل في العالم أجمع، فهي علميا وفكرياً وسياسيا خلقت من أجل تدبير انقلاب هنا وتدخل عسكري هناك وأن تنشط ميدانياً في الأمكنة المستهدفة على أن تكون القوات والأسلحة الفعالة وكل شيء تحت تصرفها للتدخل في أي جزء من العالم وهكذا جاء تأسيسها في عام 1947 لتكون أول منظمة إرهابية عالمية مقامة في العالم المعاصر. واحتذى نموذجها كل المنظمات الإرهابية في العالم.
● وكيف تشخصون الوضع الحالي للإمبريالية؟
اعتقد أنها مأزومة. إذ أن إستراتيجية الإمبريالية بعد الحادي عشر من أيلول استندت إلى تطوير كل العقليات المحافظة أو اليمينية المتطرفة التي كانت لديها من قبل ولذلك عمدوا إلى تطبيق كل الأفكار المتعلقة بالحروب الاستباقية والتي جرى تطبيقها في أفغانستان والعراق.
ولكن ما جرى هو أن المقاومة العراقية كانت قوية جداً لدرجة أنها ألحقت الهزيمة بأمريكا بطرق متعددة... أولها الجانب العسكري حيث لا يستطيعون السيطرة ميدانياً وتقوم المقاومة بمهاجمة القوات الأمريكية والبريطانية بمعدل يصل إلى 150 هجوماً يومياً وتمكنت من قتل ما يصل إلى 3200 جندي وأكثر من 20 ألف جريح ناهيك عن المرضى النفسانيين والهاربين الذين لجأوا إلى كندا وغيرها من بقاع العالم لأنهم لم يستطيعوا التحمل أكثر ولا يريدون العودة.. ولذلك فقد علقت الولايات المتحدة في المستنقع العراقي.
وبالنسبة لنا في أمريكا اللاتينية فإننا نعتقد أن الدور الذي لعبته المقاومة في العراق وكذلك في لبنان هو دور هام للغاية ولكنه في العراق هو أمر حاسم لأن هناك مواجهة يومية مع القوات الأمريكية، ولذلك فإن النقطة الجوهرية تتمثل في تلك المواجهة بين شعوب العالم والإمبريالية الأمريكية والقائمة حالياً على أرض العراق، وبالمعنى الأوسع في الشرق الأوسط عموماً ، فهناك القضية الفلسطينية وهي مشكلة عالمية عالقة منذ زمن بعيد منذ أن أوجدتها عقلية صهيونية قائمة على النظرة العنصرية والاستعمار الجديد. وحتى أن هناك بعض الاشتراكيين من أمثال المفكر الروسي بيربر هوف الذي يعد نفسه ماركسياً وهو العضو في حزب زيون بالييه في روسيا 1917 في روسيا كان نيوكولونياليا في عقليته ولذلك فإنك تجد حتى في أوساط اليسار اختراقات من جانب الصهيونية الجديدة..
● في المقابل كيف تفسر الصعود الحالي للحكومات والحركات والأحزاب اليسارية في أمريكا اللاتينية، في تشيلي، البرازيل، في فنزويلا بالطبع وكذلك في كوبا تاريخياً؟
نحن نميز الحكومات اليسارية الحقيقية كما هو الحال في كوبا أو فنزويلا شافيز وربما حكومة ايفو موراليس في بوليفيا عن الحكومات الأخرى التي هي باعتقادي من يسار الوسط مثل حكومة لولا في البرازيل وحكومات تشيلي والأرجنتين وأورغواي.
الفرق هو أن الرأسمالية ذكية في التعامل مع الديمقراطية لتجعل منها ديمقراطية مختطفة حيث تقبل دخول اليسار في الانتخابات شريطة احترام الملكية الخاصة والليبرالية الجديدة، وهذا هو ما يجري في البرازيل حيث لم يتغير وضع اللامساواة وهم أكثر ليبرالية ويستخدمون القوة ضد العمال. إنه الوضع ذاته ولكن على يد حكومة ذات طابع يساري، إنه تغيير تجميلي. واعتقد أن هذا الوضع يختلف تماماً عن الحكومة الكوبية التي أدخلت ضمن الثورة تعديلات كثيرة بشكل إيجابي، وأنا كنت في كوبا وعملت مع الكوبيين وأعلم أنهم أدخلوا في سياق الثورة وفي غضون العقد الماضي ورغم التغييرات الخطيرة التي أعقبت انهيار النظام الاشتراكي تغييرات مفيدة للاشتراكية في كوبا. واعتقد أن هناك مكافحة للفساد وهناك مكافحة للنزعات البيروقراطية والتي ظهرت تحت التأثير السوفييتي واعتقد أن الثورة الكوبية ما تزال شابة وغنية وإن مصدر ثروتها هو الشعب الكوبي المترعرع بشكل جيد جداً والذي يدرك أيضاً مهمته الأممية. ففي أفريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى أمريكا الشمالية وآسيا طور هذا الشعب قدراته وأنت تعلم كما أعلم أن هناك 70000 طبيب كوبي يعملون في كل أنحاء العالم.
● ولكن ما الذي تعنيه هذه التغيرات التي حصلت في العقد الأخير في أمريكا اللاتينية بالنسبة لصورة الولايات المتحدة في عقلية الناس، وهي التي تعتبر أمريكا اللاتينية حديقتها الخلفية؟
اعتقد أن صورة أمريكا كقوة كبرى وشرطي ورجل قوي ولاسيما بعد انهيار الاشتراكية وغيابها كإمكانية وخيار، تغيرت كثيراً خلال السنوات الخمس أو الست الأخيرة. وهي الآن برأي العالم بمنزلة اقل من ذي قبل خاصة وأن حكومة بوش قزمت صورة الولايات المتحدة وبات الناس يدركون الآن أكثر فأكثر حقيقة الامبريالية وحقيقة إسرائيل، وتلك الحالات كما في العراق على سبيل المثال. لقد نشرت مقالا اليوم في لاخورنادا عن الثمن الاجتماعي الذي يدفعه العراق نتيجة الاحتلال الأمريكي 650 ألف قتيل وهي قصة كتبها معهد أمريكي في كلية للطب ولذلك فإن شعوب العالم تلحظ ذلك، وبالنسبة لأوربا أو أمريكا اللاتينية وغيرها من مناطق العالم فإن الولايات المتحدة هي قوة لا تمتلك أي درجة من السلطة الأخلاقية. وحتى أن نظام التشريع الدولي بات في غياهب النسيان فليس هناك من أحد يعتقد بمنظمة الأمم المتحدة تحت سطوة التحكم الأمريكي وأصبح الناس يفكرون بتغييرات ضد الرأسمالية ولكنهم تعبوا مما يحصل في السياسة وميادينها.
● هذا يدفعنا إلى الدور المطلوب من الحركات والأحزاب الشيوعية والثورية، ماذا عن ذلك، والسؤال يدور حول الضرورات وليس حول الإمكانيات؟
أعتقد أنه ينبغي عليهم أن يغيروا كلياً أسلوب تعاملهم مع الناس وأنا شيوعي طوال عمري ولكن اسمح لي أن أمارس نقداً ذاتياً لأنه يجب أن نكون متجذرين في أوطاننا ولا أن نكون أجانب فيه. نحن كنا نعرف عن الهجوم على قصر الشتاء في موسكو أكثر مما كنا نعرف عن تاريخنا وتاريخ الثورة المكسيكية.
وكنا نتحدث بكلمات لا يستطيع احد فهمها فنتناول دكتاتورية البروليتاريا في بلد لا توجد فيه بروليتاريا. وكنا عنصريون واعتقد الماركسيون أن التدخل الأمريكي في المكسيك سوف يطورها وكان ذلك نوعاً من القرار الاقتصادي الذي انتقل إلى الكثيرين منا بوصفنا ماركسيين وكنا نصوصيين للغاية ودوغمائيين. ولذلك فإني اعتقد أنه ينبغي علينا إعادة كتابة بعض الماركسيين من أمثال روزا لوكسمبرغ ومارياتيغي وهو ماركسي من بيرو. ينبغي علينا وضع شكل جديد للثورة وعلى سبيل المثال كنت مع حركة الزاباتيين واعتقد أنهم يعرفون كيف يتعاملون مع قضية الثورة ولديهم فكرة تقوم على عدم الاستيلاء على السلطة وإنما إيجادها من القاع، من الداخل عبر الديمقراطية التشاركية فيقيمون حكومات جماعية مثل كومونات..
● هل هي شكل من الحكومات المحلية؟
نعم تماماً، ولكن الناس الذين يحكمون ليسوا سياسيين محترفين بل على العكس أشخاص عاديون يقبلون بأن يبقوا في السلطة لشهرين أو ثلاثة ثم يتركون مناصبهم ويقبلون الابتعاد عن الحكم فهناك نوع من مبدأ تداول السلطة وهذا شيء جديد وفريد..
● وما الذي يفعلونه خلال فترة شهرين أو ثلاثة؟
يحكمون..
● ومن خلال ماذا، هل من خلال معالجة شؤون الناس؟
من خلال مجالس.. برلمانات صغيرة..
● أي أنهم لا يحكمون وإنما يشكلون سلطة تشريعية لا تنفيذية؟
لا هم سلطة تنفيذية وتشريعية في آن واحد فهو نمط جماعي من الحكم يديره أشخاص غير محترفين وغير مدفوعي الأجر.
ما أعنيه هو أنه ينبغي على اليسار يجب أن يتعلم ويبتكر وألا يكرر الأخطاء ذاتها. نحن نعلم اليوم ما تعنيه الاشتراكية الحقة. ولذلك لا نريد تكرار الأخطاء نفسها مرتين..
● نعم إذ لا يمكنك أن تشرب من ماء النهر ذاتها مرتين..
تماماً هذا ما قاله لينين عن الناس الأذكياء.
● سؤال أخير، ما هو باعتقادك الدور المطلوب من الإعلام المقاوم؟
يجب تحسين الخرق على جبهة الإذاعة والتلفزيون البديل فلا يمكننا منافسة الأثر الذي تمارسه الإذاعة والتلفزيون في جموع الجماهير. وعلى سبيل المثال فإن للراديو في بلدي أهمية بالغة تفوق أهمية التلفزيون لأنه منتشر في كل أرجاء البلاد. وعلى سيبل المثال في انتفاضة واهاكا كان لدى الأهالي عدد من أجهزة الراديو المخبأة وكان ذلك أهم من التلفزيون والصحف لأنه كان يعطيهم توجيهات لكيفية التحرك وللمعارك والظروف الطارئة ولذلك علينا أن نتعلم كيفية إقامة محطات راديو في كل الأماكن.
● ولكن ماذا عن الأماكن التي لا يعد فيها الراديو وسيلة الاتصال السائدة؟
علينا استخدام الصحف للناس الذين لا يعرفون القراءة وخاصة استخدام (الكاريكاتير) الملحق بتعليقات بسيطة للغاية يسهل على الآخرين قراءتها لبعضهم بعضا، أي استخدام ما يستخدمه الناس. وحتى لو اضطر الأمر إلى استخدام الأساليب المشوقة في المجلات الفاضحة ولكن من أجل تقديم صورة ومضمون جيدين أي أن نفعل ما يفعله الرأسماليون حيث يختلقون ثقافة سيئة مثل سوبرمان (الرجل الخارق)... أما نحن فيجب أن يكون لدينا الشعب الخارق..
● تقصد العقلية الجماعية في مواجهة النزعة الفردية..
وكذلك مسألة التمييز بين الجنسين.. علينا أن نغير عقليتنا تماماً يجب أن نكون شجعاناً
● شكراً جزيلاً لك سيد ريفاس على هذا اللقاء الشيق.
شكراً لكم وسررت بلقائكم