الأمريكية أنجيلا ديفيس: ما زلت شيوعية وينبغي إسقاط العنصرية والظلم الاجتماعي
«أطلقوا سراح أنجيلا ديفيس»: ملصق يصور الوجه الرائع بتسريحة الشعر الإفريقية الأمريكية جاب العالم في الستينات والسبعينات. أنجيلا ديفيس، شيوعية، مناضلة في حركة الفهود السود وملهمة لها، أدينت في العام 1970 لاتهامها بالتآمر ضد الدولة، واتهمت بالمشاركة في محاولة هروب قادة الفهود السود، ثم أطلق سراحها بعد ستة عشر شهراً من السجن. ديفيس التي ساندت الكفاح المسلح ضد الرأسمالية والإمبريالية أصبحت أستاذةً في جامعة بيركلي (كاليفورنيا). لكنها ليست نادمةً على أيٍ من التزاماتها السابقة وتواصل النضال على الخط نفسه، مثلما تشهد على ذلك مجموعة المقابلات التي نشرت مؤخراً بعنوانٍ لافت: «قبضة الديموقراطية».
ونشرت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية بتاريخ 14 تشرين الأول 2006 لقاءً موسعاً أجرته أنيت ويلارد مع أنجيلا ديفيس التي شرحت لماذا بقيت مخلصةً لقناعاتها الشيوعية، مؤكدة ضرورة مواصلة النضال ضد العنصرية والظلم الاجتماعي.
أنجيلا ديفيس، كنتِ عضوةً في منظمة الفهود السود المسلحة من أجل "السلطة السوداء"، ومرشحة الحزب الشيوعي الأمريكي لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة، ومثلت على قائمة مكتب التحقيقات الفدرالي للأشخاص "الأكثر طلباً" ثم اعتقلت في العام 1970 وأُدِينت كإرهابية وعدوة للدولة، وتحررتِ بفضل حملة دولية شعارها: "أطلقوا سراح أنجيلا ديفيس". أنت رمز الحركات المعارضة في الستينات والسبعينات. هل اعتقدتِ حقاً أنّ الثورة ستحدث في أمريكا؟
تماماً! نعم، نعم، نعم... لقد كان الإيمان بإمكانية حدوث التغيرات الثورية أمراً ضرورياً. كما ينبغي ألا نبخس قدر نتائج نضالاتنا. فبفضلنا، تغير العديد من الأمور، ولاسيما بالنسبة للسود، فقد أصبح العديد من قطاعات المجتمع التي كانت محظورةً عليهم متاحة، حتى وإن لم ننجح في إجراء التغييرات البنيوية. هل كان بوسعنا أن نفوز؟ المرء لا يفوز أبداً، ولا أعتقد أن ينجز أي شيءٍ إلى الأبد، بل ينبغي مواصلة النضال إلى الأبد.
·أنتِ لا تزالين تقولين اليوم عن نفسك إنّك ثورية. ألا تنتمي كلمة «ثورة» إلى الماضي بالنسبة لك؟
أنا لا زلت أتماهى بالثورة. قبل كل شيء، أماثل نفسي بالحركة المناهضة للحرب على العراق، ثم بجميع هذه الحركات التي تحاول أن تظهر بأنّ «الحرب على الإرهاب» التي يشنها بوش تمثل أكبر خطر على السلام والمساواة في العالم. إنّ هذه الحرب المزعومة على الإرهاب لا تهدف إلى خلق عالمٍ أكثر أمناً، بل إلى تعزيز السيطرة العالمية للحكومة الأمريكية وللشركات العابرة للقومية. لقد أدت إلى الحرب على أفغانستان وإلى الحرب على العراق. كما أدت إلى تآكل الحقوق الفردية في أمريكا. هذه السياسة تعزز المجمّع القمعي الصناعي الأمريكي وتسمح بالتعذيب. أماثل نفسي بجميع الشعوب التي تحاول الوقوف في وجه هذه الحكومة.
·ما هو البلد الذي يمثّل نموذجك الثوري؟
كوبا. من الأهمية بمكان مساندة الثورة الكوبية. لقد برهنت كوبا على إمكانية خلق مجتمع يستجيب لحاجات شعبه وليس لحاجات الشركات.
ولكن نظام فيدل كاسترو معروف بغياب الحرية والديموقراطية...
هنالك مشاكل في كوبا، لكنني لا أعتقد أنّ هذا سببٌ لإنكار نجاحاتها. الحقيقة هي أنّ كل امرئٍ في كوبا يستطيع الحصول على التعليم، وأنّه لا يتوجب على الناس إنفاق كل راتبهم للتمكن من السكن، وأنّ كوبا تخلق أفضل نظامٍ صحي في كل القارة الأمريكية. بل أقول إنّه بالإضافة إلى كوبا، ينبغي النظر إلى ما يجري في بعض بلدان أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا وبوليفيا، فهي تمثل الأمل بالعديد من الجوانب.
هل التقيت بالرئيس الفنزويلي هوغو شافيز؟
لا، ليس بعد، لكنني أتشوق للتعرف إليه. لقد خططت للذهاب إلى هناك قريباً.
·أنت تركت الحزب الشيوعي في العام 1990. ما الذي شعرت به حين سقط جدار برلين؟
لقد عانى العالم الشيوعي من مشكلات كبيرة، وخاصةً فشله في إحلال الديموقراطية في مختلف البلدان التي دعيت بالاشتراكية. في الوقت نفسه، من الضروري أن نتذكر بأنّ هذه البلدان الشيوعية مثل الاتحاد السوفييتي وجمهورية ألمانيا الديموقراطية والبلدان الاشتراكية الأخرى قد منعت حدوث تطور وحشي للرأسمالية. أعتقد أنه يمكن الاستلهام والتعلم من جميع هذه الإنجازات والتجارب في اشتراكية الاتحاد السوفييتي وكوبا، وأنه يمكن أن نجد فيها أفكاراً للمستقبل. لذلك، وحتى لو لم يعد هنالك مجموعة للبلدان الاشتراكية، ينبغي مواصلة تقديم الاشتراكية بوصفها بديلاً للرأسمالية. إنها الوسيلة الوحيدة للرد على تفكك المجتمع والفقر والأمية ونقص الخدمات الصحية.
· إذن أنت لا تزالين شيوعية؟
أنا لست عضوة في الحزب الشيوعي، لكنني ما أزال شيوعية. نعم، أعرّف نفسي بأنني شيوعية، وأؤكد في الوقت نفسه على أهمية الديموقراطية. لكنني لا أعتقد بوجود نموذجٍ وحيدٍ للفكر الشيوعي، فنظرية كارل ماركس تبقى مفيدةً جداً، لكنها لا تستطيع أن تشير لنا إلى كيفية بناء الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين.
·في العام 1970، اتهمتك الحكومة آنذاك بأنك إرهابية. ما رأيك بالإرهاب أو بالإرهابيين؟
أنا أتوجس كثيراً من كلمة «إرهابي». أولاً لأنّه مصطلح عنصري يفيد في حشد الناس ضد المسلمين وضد العرب. وكما أقول في مناسبات كثيرة، هذا المصطلح شديد الشبه بنيوياً بتصنيف «الشيوعي» في فترة معاداة الشيوعية إبان الحرب الباردة. كلمة «إرهابي» هذه وسيلة تستخدمها الحكومة لنشر استراتيجية قومجية متعصبة.
·إذن بماذا تصفين المسؤولين عن هجمات الحادي عشر من أيلول على مركز التجارة العالمي؟
يمكن وصفهم بالإرهابيين إذا أخذنا بالاعتبار في الوقت نفسه وجود إرهاب دولة. أنا لا أقول إنّه ينبغي عدم اعتبار الأشخاص الذين ارتكبوا تلك الأفعال مسؤولين. أنا لا أساند أشخاصاً انخرطوا في مثل هذا النمط من العنف، لكنني لا أساند أيضاً أفعال الحكومة التي انخرطت في مثل هذا النمط من العنف. بعد الحادي عشر من أيلول، أصبحت «الأمة» إطار التضامن، وسارع الناس للاحتماء في «أمريكيتهم» بدل أن يشعروا بالتضامن مع بلدان العالم كله بما في ذلك تلك المصنفة بأنها «محور الشر». تشغلني الطريقة التي استخدم فيها الوضع وجرى التلاعب به للنيل من الديموقراطية وتبرير التعذيب والحرب: هذا انشغالي الرئيسي. يوجد هنا نقاشٌ واسع حول مصير السجناء في غوانتانامو وحول الحرب المفترضة على الإرهاب التي استخدمت ذريعةً لسجن العديد من الأشخاص دون دليل.
·انتميتِ إلى الفهود السود الذين نادوا بالكفاح المسلح ضد أمريكا. ما رأيك بهم اليوم؟
ينبغي أن نتذكر كيف تأسست منظمة الفهود السود في نهاية الستينات ومطلع السبعينات. لقد تأسست رداً على العنف البوليسي ووحشية شرطة أوكلاند في كاليفورنيا. لقد ابتكر قائدا الفهود السود حينذاك (هوي نيوتن وبوبي سيل) أشكالاً دراماتيكية جديدة للفعل، للفت الانتباه إلى مشكلة القمع البوليسي. لقد بدأا بالسير بشوارع أوكلاند مستخدمين البندقية كرمز لحق الناس في حماية أنفسهم من تحرش الشرطة، كانا يشرعان الأسلحة تعبيراً عن الرغبة في المقاومة. كان ذلك شبيهاً بحركة الحقوق المدنية في مطلع الستينات، في مواجهة التمييز ضد السود في الجنوب، لكن بشكل تدخلٍ مختلف، أكثر دراماتيكية. لقد نجح الأمر، وكان رد الفعل هائلاً، إذ أثار حركةً جماهيرية من أجل الثورة السوداء. يمكنني القول إنّ مشكلة الوحشية البوليسية ومشكلة سجن أعداد كبيرة من البشر لم تحلا حتى الآن. بل إنّ مشكلة السجون تفاقمت تفاقماً غير متوقع، إذ يوجد حالياً 2.2 مليون سجين في الولايات المتحدة الأمريكية، معظمهم من السود ومن الملونين. تعمل العديد من المنظمات على مسألة السجون وشروط العمل، وهما مشكلتان أهم من الوحشية البوليسية. في نهاية الستينات ومطلع السبعينات، كنا نعيش السياق الشامل للنضال ضد الرأسمالية وحركات الاستقلال والتحرر في إفريقيا ومنطقة الكاريبي وأمريكا الجنوبية. كانت الثورة الكوبية التي اندلعت في العام 1959 الشعلة لحركات التحرر هذه. أما اليوم، فالسياق الشامل مختلف جذرياً.
· هل تعتقدين أن وضع السود لم يتحسن منذ الستينات؟
لقد تحسنت بعض الأمور، في حين تفاقم بعضها الآخر. العنصرية البنيوية، والطريقة التي تجعل فيها المؤسساتُ العنصريةَ تدوم أسوأ مما كانت عليه الحال آنئذ. بالطبع، سقط العديد من الحواجز بالنسبة للعديد من السود والملونين، لكن ذلك الأمر كان خاصةً لصالح البرجوازية، ولم يمس التقدم مجتمع السود بأكمله حيث نجد كمّاً أكبر من الفقراء ومن الموقوفين ومن أصحاب المشكلات النفسية. هذا ما أدعوه بالعنصرية البنيوية.
· لقد ابتكر الأمريكيون سياسة الحصص، أي التمييز الإيجابي لمساعدة الأقليات والنساء. ألم يسر هذا الأمر كما يجب؟
بلى، لقد سمح للسود والنساء وجاليات أخرى بالوصول إلى مهنٍ كانت محظورةً عليهم، وسمح الدخول في النظام التعليمي على الرغم من العنصرية. لكن ذلك لم يكن إلا خطوةً صغيرة في الاتجاه الصحيح. واليمين المتطرف يهاجم سياسة التمييز الإيجابي هذه، وجرى تفكيك العديد من هذه البرامج، ولاسيما هنا في كاليفورنيا.
في سياق العولمة ونزع سمة التصنيع عن الولايات المتحدة، لم يعد بوسع السود إيجاد عمل في صناعة الصلب والسيارات. لهذا، فإنّ الجيش هو أحد البدائل بالنسبة للفقراء الذين يرغبون في الدراسة أو الحصول على العمل أو التغطية الصحية. المؤسستان المركزيتان في السياسة الاقتصادية الأمريكية هما الآن الجيش والنظام الاعتقالي: أولئك الذين لا عمل لديهم ولا مسكن ولا ضمان اجتماعي ينتهي بهم الأمر في السجن أو في الجيش. لدينا قوانين تمنع التمييز، ولم يعد ممكناً التعبير عن الموقف العنصري علنا، لكن العنصرية البنيوية لا تزال موجودةً في المجتمع.
· كوندوليزا رايس امرأة سوداء، وهي وزيرة خارجية، وربما تصبح مرشحةً لرئاسة الولايات المتحدة. هل أنت مسرورة؟
أنا لا أعتقد بوجود فارقٍ لكونها امرأة أو سوداء. في رأيي، فإنّ واقع كون سياستها تمثّل أسوأ ما في النزعة الحربية والإمبريالية والحرب هو أمرٌ أكثر أهميةً.
· الأمريكيون من أصل أمريكي لاتيني، أكبر أقليات الولايات المتحدة، ينجحون أكثر من السود. هل يعود ذلك إلى أنهم اختاروا القدوم إلى أمريكا في حين أُحضر السود كعبيد؟
الأمريكيون اللاتينيون يختارون المجيء إلى هذا البلد، لكن خيارهم كثيراً ما يكون مدفوعاً باقتصاد بلدهم الذي تستغله الشركات الأمريكية. أعتقد أنّ حركة المهاجرين هي حركة الحقوق المدنية الجديدة، أحد أهم الحركات اليوم. ينبغي على الجميع مساندتها، بما في ذلك أولئك السود الذين يؤمنون بالعدالة والمساواة. إنّ حركة المهاجرين والحركة المناهضة للحرب على العراق هما أهم حركتين.
حركة السلم ضد الحرب على العراق لا تحتل إلاّ مكانةً ضئيلة، ويكفي للبرهان على ذلك النظر إلى المظاهرات الكبيرة التي جرت ضد الحرب على فيتنام ...
لقد بدأت الحركة ضد الحرب على فيتنام أيضاً بمظاهرات صغيرة وكبرت. وهذا ما يجري ضد الحرب على العراق. هنالك رد فعل حقيقي ضد الحرب بين صفوف الجنود الذين يفرون ويرفضون الذهاب إلى العراق، ويحاكمون أمام محاكم عرفية. الأمر مشابه.
· أنت تعيشين في أمريكا، في بيركلي بكاليفورنيا، وتدرّسين في الجامعة، وفي برامج للدراسات النسوية. هل تجدين ما هو إيجابي في أمريكا؟
أنا أماثل نفسي بـ"أمريكا الأخرى"، وهذا أمرٌ إيجابي للغاية بالنسبة لي. إنها الحركة المناهضة للحرب، إنها جميع أولئك الناس في هذا البلد الذين يريدون العدالة والسلام في العالم. أناضل في منظمات لمساعدة النساء السجينات، وفي لجنة من أجل الديموقراطية والاشتراكية تضم شيوعيين قدماء، وفي حركات أخرى. لكنني لا أماثل نفسي بطبيعة الحال بالحكومة الأمريكية.